أفول الرجولة التقليدية وصعود الصفات الأنثويةفي العصر الحديث

کتاب "الجنس الأقوى" للمؤلفة ستار فارتان يدحض بأسلوب علمي ثوري أسطورة "الجنس الأضعف".

فبينما تتحمل أجساد النساء أعباء معقدة مثل الحيض والحمل والولادة، تُظهر البيانات أنهن يتفوّقن على الرجال في التحمّل والمرونة وتحمل الألم وطول العمر.

وهذا التفوّق يظل قائمًا حتى في المناطق المحرومة من العالم، حيث تفتقر النساء إلى الحد الأدنى من الغذاء والرعاية الطبية. كأن الطبيعة قد سلّحت النساء بأسلحة غير مرئية من الصمود والقدرة على التحمّل.

لكن هذه الحقائق العلمية ليست سوى جانب من القصة. فالعصر الحديث، بإعادة تعريفه الجذرية للقوة، قد زعزع أسس الرجولة التقليدية. لم تعد العضلات الضخمة والطول الفارع رموزًا للقوة المطلقة. اليوم، أصبحت إدارة الموارد والقدرة على التكيّفوالمرونة النفسية هي معايير التفوق الجديدة. 

وفي هذا الميدان، لا تنافس النساء الرجال فحسب، بل في أحيان كثيرة يُعدن كتابة قواعد اللعبة. وتؤكد مشاركة النساء في مجالات كانت حكرًا على الرجال – كالعمل في الإطفاء والرياضات القتالية وتسلق الجبال الاحترافي – دليلًا صارخًا على هذا التحوّل.

وتعود أسباب أفول الرجولة التقليدية إلى ثلاث إخفاقات بنيوية:

أولاً، إهمال العلم لجسد المرأة؛ إذ لم تركز سوى ٦٪ فقط من الأبحاث الرياضية العالمية على الفيسيولوجيا الأنثوية هذا الجهل الأكاديمي أدى إلى تهميش قدرات النساء الطبيعية لقرون.

ثانيًا: تغيّر معايير النجاح الاجتماعي؛ فمجتمع اليوم يقدّر الذكاء العاطفي والمهارات المتعددة أكثر من القوة الجسدية.

ثالثًا، ارتباط الحرية الجنسية باكتشاف الهوية؛ فقد أدى تمكّن النساء من التحكم في أجسادهن—من تنظيم الإنجاب إلى اختيار النشاطات البدنية—إلى فتح آفاق جديدة لاكتشاف قدراتهن الجسدية

.وهنا تكمن مفارقة لافتة: هذه التحولات لا تعني هزيمة الرجال، بل تمهّد الطريق لولادة رجولة جديدة. فالرجل المعاصر يتعلم أن القوة الحقيقية لا تكمن في إنكار القيود، بل في التعاون مع القدرات الأنثوية والاعتراف بتنوع الطبيعة البشرية. وترسم فارتان في كتابها، تحت شعار “ليست نهاية الرجال، بل ارتقاء الجميع.”، صورة أكثر إنسانية لعالم تُبنى فيه الرجولة والأنوثة لا على التناقض بل على الشراكة والاحترام المتبادل للبيولوجيا المختلفة.

هذا التحول ليس خاليًا من التحديات؛ إذ تُبدي البُنى التقليدية مقاومة أمام التغيير، مما يخلق توترات، لكن الطريق إلى الأمام واضح: يطالبنا العصر الحديث بالتخلي عن الأساطير القديمة حول “الجنس الأفضل”، وبأن نتوقف عن محاربة الطبيعة وبدلًا من ذلك، نتقبل الفروق الجسدية كمكملات تطورية. وربما يكون المستقبل من نصيب المجتمعات التي تُعرّف الرجولة لا من خلال الهيمنة، بل من خلال القدرة على مواكبة قوة الحياة الراقصة – تلك القوة التي لطالما عبّرت عنها الأجساد النسائية في صمتٍ صارخ.

تعریب خاص لـجهان بانو من وكالة أنباء Edition