أم القمر

لقد كانت أمّ البنين القدوة الحسنة، والمثل الأعلى الذي يُحتذى به، وكانت عنواناً للثبات والإخلاص، والبسالة والتضحية، والفداء والشرف، والعزّة والكرامة في سبيل الحقّ والعدالة.

ولدت السيدة ام البنين (ع) على الأرجح بعد الهجرة بخمس سنين، وتوفيت في ۱۳ جمادي الثانية يوم الجمعة عام ۶۴ بعد مقتل الحسين (عليه السلام)، على ما تذهب إليه بعض الروايات . هي فاطمة بنت حزام أبو المحل بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب وأمّها تمامة بن سهل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب.

أهلها من ساداتِ العربِ وأشرافها وزعَمائِها وهم أبطال مشهورون ويعرفنا التاريخ بأن أبناءها من فُرْسانِ العرب في الجاهلية ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد حتى أذعن لهم الملوك.. فإنّ من قومها أبا عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب جد ثُمامة والدة أم البنين وهو الجد الثاني لأم البنين لُقِّبَ ملاعب الأسنة لفروسيته وشجاعته..

وبعد ۱۰ سنوات من استشهاد فاطمة (س)، طلب الإمام من عقيل أن يختار له زوجة شريفة من نسب الشجعان، واختار عقيل فاطمة كلابية للإمام علي(ع)‌ التي كانت قبيلتها وعائلتها بني كلاب لا مثيل لها في الشجاعة، وبذلك تم تفسير حلم القمر وثلاث نجوم الذي رأتها حضرة أم البنين قبل الزواج، وبهذا الزواج تم تفسيره. وكان لها أربعة أبناء شجعان الذین استشهدوا دفاعًا عن إمامهم.

رزقت من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعة بنين:

العباس بن علي بن أبي طالب؛ المولود ۴ شعبان ۲۶هـ.

 عبد الله بن علي بن أبي طالب؛ عمره يوم الطفّ خمس وعشرون سنة.

 عثمان بن علي بن أبي طالب؛ كان يوم الطفّ ابن ثلاث وعشرين سنة.

 جعفر بن علي بن أبي طالب؛ وهو أصغرهم يوم الطفّ.

لما دخلت بيت أمير المؤمنين _ كانت ترعى أولاد الزهراء (عليها السلام) أكثر مما ترعى أبناءها وتُؤثُرهُمْ على أولادها تعويضاً لِما أصابهم من حزن وفقدان حنان لموت أمهم الزهراء البتول.. وقالت يوماً لأمِيْرِ المؤمنين _ يا أبا الحسن: نادني بكنيتي المعروفة (أم البنين) ولا تذكر اسمي (فاطمة) فقال لها الإمام _ لماذا؟ قالت أخشى أن يسمع الحسنان فينكسر خاطرهما ويتصدع قلبهما لسماع ذكر اسم أمهما (فاطمة).. فأي امرأة جليلة مؤمنة صابرة صالحة وقور هذه المرأة -طيب الله ثراها ونور ضريحها- لذا صار لها جاه عظيم وشأن كريم عند الله وعند رسوله f وأهل بيته الغر الميامين فما توجه إنسان إلى الله العلي العظيم وسأله بحقها إلا قضيت حاجته ما لم تكن محرمة أو مخالفة للمشيئة الإلهية..ولذلك أغرم الناس بها وخاصة أهل النجف فتراهم يعقدون المجالس ويطعمون الطعام ويوزعون الحلوى في ثوابها..

كانت أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم ممحضة في مودتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة المنورة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد وبلغ من عظمتها معرفتها وتبصرتها بمقام أهل البيت أنها لما دخلت على أمير المؤمنين _ وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب.. وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما.. وتخضع لهما كالأم الحنون ولا بِدْعَ في ذلك فإنّها ضجيعة شخص الإيمان قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بأدبه وتخلقت بأخلاقه..

ولقد كانت أمّ البنين القدوة الحسنة، والمثل الأعلى الذي يُحتذى به، وكانت عنواناً للثبات والإخلاص، والبسالة والتضحية، والفداء والشرف، والعزّة والكرامة في سبيل الحقّ والعدالة.

قبرها في المدينة المنورة بالبقيع في الزاوية اليسرى وتوفيت في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة ۶۴ للهجرة.

فاطمة أنیسي