فقر الدورة الشهرية.. أزمة تضاف لأزمات النساء في لبنان

تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تقليل وصول النساء إلى منتجات الدورة الشهرية ورغم ارتفاع الأسعار، لم تتغيّر حاجتها إلى المنتجات.
أزمة إقتصادیة و الدورة الشهریة

راكمت الأزمات، وشكلت الأزمة الاقتصادية الصفعة الكبرى التي قلبت أولويات النساء ومسّت بالكثير من حقوقهن الإنجابية والجنسية خاصة في الدورة الشهریة.

غاضبات من الظلم، بدأت بعض النسوة بالحديث عن فقر الدورة الشهرية، ضاربات بعرض الحائط “الصندوق الأسود” الذي وضع فيه المجتمع الدورة الشهرية وكل ما يتعلّق بها.

هذه المرّة لم تكن أزمة محصورة بالطبقة الفقيرة، بل طالت معظم النساء اللواتي تغيرت حياتهن مع التضخّم وارتفاع أسعار المنتجات، إذ إن الكثير من النساء المنتميات للطبقة الوسطى، وجدن أنفسهن أمام دخل شهري يتدنى يومياً مع تدني قيمة الليرة اللبنانية.

“دورتي” وجمع التبرعات

إن فقر الدورة الشهرية يعني عدم وصول النساء لأي نوع من المنتجات التي يمكن أن يحتجن لها خلال دورتهن الشهرية، ولكن الأمر يتعلق أيضاً بعدم معرفة المرأة بشكل كاف ومناسب بالمواضيع التي تتعلّق بجسمها وبالدورة الشهرية.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل عبارة «فقر الدورة الشهرية»عدم حصول النساء والفتيات على أماكن نظيفة وحمّامات يمكن أن يستخدمنها خلال الدورة الشهرية، وعلى مساحة آمنة للتحدّث عن مواضيع متصلة بالدورة، ومشاركة مخاوفهن وقصصهن بطريقة حرّة.

في محاولة للحدّ من فقر الدورة الشهرية، نشأت الكثير من المبادرات في العام ۲۰۲۰، ومن بينها «دورتي» التي تعتبر استجابة لحالة طارئة في لبنان.

انطلقت مبادرة «دورتي»في منتصف العام ۲۰۲۰ حين تفاقمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية وعند حدوث انفجار ۴ آب المدمّر، حينها رأت كل من لين تابت المصري ورنا حداد، أن الحصص الغذائية التي كانت توزّع شملت الكمّامات والمطهّرات للحدّ من انتشار وباء كورونا آنذاك، ولم تشمل الفوط الصحية لتي طالتها أيضاً أزمة الأسعار المتفاقمة.

وحينها، تمّ اطلاق المبادرة عبر إنستغرام التي تقوم على فكرة جمع التبرعات وتوزيعها للمحتاجات.

تعمل«دورتي»اليوم على هدف أساسي يكمن في نشر الوعي حول فقر الدورة الشهرية في كل مناطق لبنان، من خلال حملات تستهدف كل النساء، لأن الدورة الشهرية لا تعرف حدوداً أو جنسية.

أزمة اقتصادیة و الدورة الشهریة
تعمل«دورتي» في نشر الوعي حول فقر الدورة الشهرية في كل مناطق لبنان

في هذا الصدد، قالت لين تابت المصري لرصيف۲۲ إن «الحدّ من فقر الدورة الشهرية في لبنان يتطلّب الكثير من حملات الضغط والتشبيك لحثّ الدولة على الوقوف بجانب النساء والفتيات وتأمين حاجاتهن، من خلال تقديم منتجات الدورة الشهرية مجاناً أو إيجاد حلول بديلة، وتأمينها في المدارس والجامعات والأماكن العامة كما في الدول الأجنبية».

وأكدت المصري أنه وبالرغم من أن «دورتي» بدأت كاستجابة لحالة طارئة، “إلا أنها تتمتع برؤيا وأهداف طويلة المدى، تتضمّن القيام بحملات الضغط والتشبيك مع شركاء آخرين، لأننا حالياً لا يمكن أن نتوقع من دولة منهارة، لا تؤمن الاحتياجات الأساسية كالمياه والكهرباء، أن تستجب لهذا النداء”.

بسبب الأزمات التي يمرّ بها لبنان، انحصر عمل «دورتي» بتوزيع الفوط الصحية، لأن الوضع الملحّ يتطلب أكثر من التركيز على حملات الضغط والتشبيك، لذلك ركّزت الحملة عملها على توزيع الفوط والتوعية على كل مفاهيم الدورة الشهرية.

«الحدّ من فقر الدورة الشهرية في لبنان يتطلّب الكثير من حملات الضغط والتشبيك لحثّ الدولة على الوقوف بجانب النساء والفتيات وتأمين حاجاتهن، من خلال تقديم منتجات الدورة الشهرية مجاناً أو إيجاد حلول بديلة».

واليوم، تقوم «دورتي» بمساعدة حوالي ۲۰۰۰ امرأة وفتاة شهرياً، وذلك من خلال مؤسسات من جميع أنحاء لبنان، لديها قاعدة بيانات لنساء وفتيات هن بحاجة للمساعدة، كما تقوم هذه المؤسسات بتوزيعها أيضاً وتعمل على نشر التوعية في الوقت نفسه.

تعليقاً على هذه النقطة، قالت لين: «قبل الأزمة، كانت لدينا شبكة من التلميذات والنساء الموظفات والعاملات في قطاعات معينة، من بينها المصرف، يقمن بالتبرّع بالفوط الصحية شهرياً بشكل فردي (بعضهن يتبرع بـ ۵ أو ۶ علب من الفوط الصحية) أو من خلال جمع التبرّعات من زميلاتهن في العمل أو في الصف، غير أن الأزمة حوّلت هؤلاء النساء من متبرعات إلى مستفيدات، إذ لم يعد بإمكانهن تأمين هذه المنتجات وأجبرن على طلب المساعدة».

أزمة اقتصادیة الدورة الشهریة
رغم ارتفاع الأسعار، لم تتغيّر حاجات المرأة إلى منتجات الدورة الشهرية

الحياة تغيرت

جيهان من النساء اللواتي تغيّرت حياتهن جذرياً بسبب الأزمة الاقتصادية. لقد كانت تعمل في أحد البنوك المرموقة في لبنان كمسؤولة علاقات المستثمرين، وكانت تعتبر من الفئة ذات الدخل العالي.

بين ۲۰۱۹ و۲۰۲۲ خسرت ما يقارب ستة أضعاف معاشها الشهري الذي انخفضت قيمته بالدولار من ۴۰۰۰ إلى حوالي ۶۰۰٫

ورغم ارتفاع الأسعار، لم تتغيّر حاجتها إلى منتجات الدورة الشهرية التي كانت تستخدمها في السابق، وفق ما قالت لرصيف۲۲: «أنا بحاجة إلى تلك الفوط ولا يمكنني أن أتوقف عن استخدامها بسبب ارتفاع سعرها. لم أغيّر الماركة التي كنت أستخدمها لأنني لم أجد الجودة التي تلائمني بالسعر نفسه، لكنني من جهّة أخرى بدأت أبحث عن عروض خاصة على هذه المنتجات لتوفير المال».

وتابعت بالقول: «إن الكثير من البدائل المتوفرة، مثل الفوط القابلة للغسل، غير عملية، بخاصة وأن الكثير من النساء لا يتواجدن في منازلهن في كل وقت، الأمر الذي يجعل من الصعب إيجاد الراحة عند استخدام تلك المنتجات. على الأقل هذا ما شعرت به أنا».

بالنسبة لجيهان (۲۹ عاماً) فإن موضوع الفوط الصحية يثقل تفكيرها أكثر من قبل، إذ إنها في السابق كانت تشتري حاجياتها كلما أرادت أو كلما كانت في السوبرماركت، أما بعد الأزمة فأصبحت تفكر باستراتيجيات تسمح لها بأن تكفي نفسها، لا لهذه الدورة الشهرية فحسب بل للدورات القادمة أيضاً.

لم تدع جيهان الوضع الاقتصادي يؤثّر على صحتها الجنسية والإنجابية، فحاربت من أجل تأمين احتياجاتها، ومن بينها الفحوص الدورية لدى الطبيب/ة النسائي/ة: «لم يكن لدي أي خيار آخر، صحتي هي الأهم. لا أنكر أن حياتي تغيرت مع انقلاب وضعي المادي، ولكنني أجبرت على تقليل شراء الملابس، عدم الخروج بشكل متكرّر كما في السابق، وإيجاد بدائل لأشياء عديدة من أجل الحفاظ على أولوياتي، ومن بينها عدم تغيير عاداتي وسلوكياتي تجاه دورتي الشهرية».

هذا وشدّدت جيهان على ضرورة دعم الفوط الصحية في لبنان، خاصة وأن الدورة الشهرية واقع لا يمكن للنساء أن يتحكّمن به، بينما يمكن للدولة أن تأخذ قرارات لخفض أو التحكم بأسعار تلك المنتجات.

أما بالنسبة لماريان التي تعمل كمعلّمة، فتدنّى دخلها الشهري بنسبة ۸۰%، وقد هزّت الأزمة الاقتصادية الأمان الذي كانت تعيشه، ونزعت منها ومن زوجها، الملتحق بالسلك العسكري، الرفاهية التي قدّماها يوماً لعائلتهما.

لم تسلَم صحّة ماريان الجنسية والإنجابية من هذه الأزمة، إذ إنها بالرغم من محاولتها تخفيف المصروف المخصص لأغراض الدورة الشهرية، وجدت نفسها غير قادرة على التضحية بهذه النقطة: «جرّبت منتجات أخرى مختلفة عن تلك التي كنت أستخدمها، ولكنها لم تؤمن لي الراحة اللازمة. قبل الأزمة كنت أدلّل نفسي وأشتري كل المنتجات والمقاسات، وأجرّب أشياء جديدة، ولكن اليوم أنا مجبرة على شراء المنتجات اللازمة فقط، لا يمكنني تحمل نفقة تجريب منتج قد لا يكون مناسباً لي».

في هذا السياق، تلوم ماريان الدولة اللبنانية أولاً لعدم أخذ إجراءات لتخفيف هذه الأزمة عن المرأة: «كان من الممكن أن تدعم الدولة اللبنانية منتجات الدورة الشهرية أو أن تؤمن بديلاً وطنياً مطابقاً للمواصفات، تلائم النساء ولا تسبب أي حساسية أو أمراض وبسعر مقبول».

هذا ووجدت نفسها مجبرة على التخلّص من فكرة الإنجاب مرّة رابعة، رغم أنها كانت تحلم بأن يكون لها ابنتان: «من الطبيعي أن أضع احتياجات أولادي فوق احتياجاتي، من المهم بالنسبة لي ألا ينقصهم شيء حتى ولو على حسابي الخاص، لذلك أقوم بالكثير من التغيرات والتضحيات من أجل تقديم الأفضل لأطفالي».

وأضافت: «كان علي أن أقوم بتعديلات أخرى في حياتي، مثلاً غيرت العلامات التجارية للعديد من المنتجات التي أستخدمها، مثل صابون الشعر أو معجون الأسنان. من المهمّ بالنسبة لي ألا تتغير نوعية المنتجات التي يستخدمها أولادي، وأن أحظى بالنظافة والنوعية المناسبة لمنتوجات الدورة الشهرية، لذلك كان علي أن أوفر في أشياء أخرى».

للحدّ من أزمة فقر الدورة الشهرية يجب أن نبدأ في الحدّ من أسعار المنتجات النسائية وأن توزع بشكل مجّاني أو أن يصبح الوصول اليها أسهل، ومن ثم نشر التوعية، وهذا دور المنظمات والجمعيات المختصة بصحّة النساء أو وزارة الصحّة، كما أنه من المهمّ التحدث بانفتاح أكثر عن المواضيع المتعلّقة بالدورة الشهرية من متلازمة ما قبل الحيض أو مرحلة انقطاع الطمث.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير أماكن آمنة للنساء للتحدّث عن هذه المواضيع، ولكن في بلد مثل لبنان لا يمكن أن نتأمل فيه تأمين المياه والكهرباء وأبسط حقوق الإنسان، هل يمكن توقع حلول كهذه؟ 

المصدر : رصیف ۲۲