79 في المئة من الإسرائيليين لا يبالون من تقارير المجاعة والمعاناة في قطاع غزة

الإعلام الإسرائيلي يخرج من فقاعته لتغطية المجاعة في غزة تحت ضغط الرأي العام

أثارت صور الأطفال الفلسطينيين في غزة، الذين يعانون من الهزال بسبب الجوع في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل، وصور العائلات التي تبكي على أكثر من 61 ألف قتيل في القطاع، غضبًا واسعًا بين الحكومات الأجنبية وقطاع كبير من الرأي العام العالمي. إلا أن رد الفعل داخل إسرائيل كان مختلفًا بشكل ملحوظ.

في استطلاع رأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي (IDI) في أواخر يوليو الماضي قال أكثر من ثلاثة أرباع الإسرائيليين اليهود -۷۹ في المئة- إنهم إما “غير منزعجين للغاية” أو “غير منزعجين على الإطلاق” من تقارير المجاعة والمعاناة بين سكان غزة الفلسطينيين.

وفقًا لأنات ساراغوستي، الخبيرة في شؤون الإعلام، فإن السبب بسيط: أغلب الناس في إسرائيل يجهلون هذه التقارير لأنهم لم يطلعوا عليها.

ونقلت صحيفة الغارديان عن ساراغوستي، مسؤولة حرية الصحافة في نقابة الصحافيين في إسرائيل، قولها إنه “حتى قبل أسبوعين فقط، لم يكن بالإمكان إحصاء سوى عدد قليل من التقارير الواردة من غزة لم يطلع عليها جيش الدفاع الإسرائيلي.” وأضافت أنه باستثناء بعض الصحف مثل صحيفة هآرتس اليسارية “تجاهلت جميع وسائل الإعلام الرئيسية الأخرى تمامًا ما يحدث على الجانب الفلسطيني؛ الخسائر البشرية هناك وأعداد الأطفال الذين قُتلوا في هذه الحرب. ببساطة، لم يرَ الجمهور الإسرائيلي ذلك على الإطلاق.”

وفي الأسابيع القليلة الماضية أدى التركيز المتزايد على هذه القضية في وسائل الإعلام الدولية إلى قيام بعض الصحف والقنوات التلفزيونية الإسرائيلية بتغطية الجوع في غزة لأول مرة، وإن كان ذلك كقضية قابلة للنقاش.

ومنذ الهجمات التي قادتها حماس في ۷ أكتوبر ۲۰۲۳، تركز النقاش العام في إسرائيل بشكل كبير على الأمن القومي، ومحنة الرهائن الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس، والأهداف العسكرية للبلاد في غزة. في ظل هذا المناخ استحوذت الكارثة الإنسانية الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي على غزة على حيز هامشي في أذهان العديد من اليهود الإسرائيليين، الذين يعتبرون الصراع إلى حد كبير عملاً مشروعاً للدفاع عن النفس رداً على هجمات حماس -على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر أيضاً أن أغلبية واضحة تريد التوصل إلى اتفاق مع حماس لإنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين.

ويقول محللون إعلاميون إن أبرز محطات البث الإسرائيلية تبنت إلى حد كبير رواية حكومة تُوصف بأنها الأكثر يمينية متطرفة في تاريخ البلاد.

وعلى مدى أشهر ردّت وسائل الإعلام الإسرائيلية على الغضب الدولي بالتركيز على زعم إسرائيل أن الجوع واسع النطاق الذي وثّقته الكثير من وكالات الإغاثة هو “حملة تجويع منظّمة من حماس”، وهو ما لخصه ادعاء بنيامين نتنياهو الشهر الماضي أنه “لا توجد سياسة تجويع في غزة، ولا يوجد جوع في غزة.”

ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن ثلث السكان الفلسطينيين في غزة يقضون أيامًا دون طعام، ونصف مليون شخص على شفا المجاعة.

حتى دونالد ترامب، الحليف الدولي الرئيسي لنتنياهو، عندما سُئل عما إذا كان يتفق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذه القضية، قال “لا أعرف. يبدو هؤلاء الأطفال جائعين جدًا. هذا تجويع حقيقي.”

وفي مؤتمر صحفي نادر مع صحافيين أجانب في القدس، الأحد الماضي، عرض نتنياهو صورًا لأجساد أطفال هزيلة جدا في غزة ونفى صحتها ووصفها بأنها مزيفة، مدعيًا أنها جزء من مؤامرة حماس لمهاجمة إسرائيل.

وقارن هذه الصور بصورة الرهينة الإسرائيلي إيفياتار ديفيد التي أطلقتها الجماعة الفلسطينية المسلحة في أوائل أغسطس، مشيرًا إلى أنه بينما بدا الرجل المحتجز في غزة يتضور جوعًا حتى الموت، بدت ذراع مقاتل حماس الظاهر في الصورة قوية وعضلية. كان التلميح واضحًا، وفقًا للمصدر الرئيسي.

وقالت ساراغوستي “على الرغم من صور الأطفال الهزيلين التي نشرتها الصحف الكبرى حول العالم، إلا أن إسرائيل تصدت لها. وتبنت وسائل الإعلام الإسرائيلية الرواية التي طرحتها القيادة الإسرائيلية، مصرةً على أنه لا توجد مجاعة في غزة.”

وعلى الرغم من أن إسرائيل تبدو كأنها تعيش في فقاعتها الخاصة، محمية برواية لا تترك مجالًا لمعاناة سكان غزة، إلا أن الآلاف من المتظاهرين الذين ملأوا شوارع تل أبيب مؤخرًا يحثون الحكومة الآن على وقف الفظائع ضد الفلسطينيين.

ودعت منظمة “مراسلون بلا حدود” ولجنة حماية الصحافيين رسميًا إلى فتح غزة أمام وسائل الإعلام الأجنبية، محذرتين من أن الإجراءات الحالية تقوض حرية الصحافة بشدة.

ويجادل كثيرون بأن الحظر الإسرائيلي هو تكتيك متعمد لتقييد التدقيق المستقل، والحد من الرؤية الدولية للصراع، وبالتالي التحكم في الرواية.

وتابعت ساراغوستي “الطريقة الوحيدة لدخول غزة وتغطية الحرب هي الانضمام إلى وحدات الجيش الإسرائيلي،” وحتى هذا نادرًا ما يُسمح به. لا توجد صحافة مستقلة في غزة. لا يوجد سوى الصحافيين الفلسطينيين، الذين قُتل العديد منهم. تدّعي إسرائيل عدم وجود مجاعة، لكنها لا تسمح للصحافة الأجنبية بالدخول للتحقق بنفسها مما إذا كانت هناك مجاعة أم لا.

وأضافت أن “حصار الصحافة نجح حتى الآن في تحقيق هدفه نجاحا باهرا.”

العرب