اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
إن الخطبة الفدكية تمثّل منهجاً متكاملاً في التربية الإسلامية، إذ تُرسِّخ القيم الإيمانية، وتربي النفوس على الوعي بالمسؤولية الدينية والاجتماعية، وتُثير الحسّ النقدي تجاه الانحرافات الفكرية والسياسية. وفي طياتها تظهر الأساليب التربوية التي استخدمتها السيدة زهراء عليها السلام ببلاغة فريدة، كالتذكير بنعم الله، والاستدلال بالقرآن، وربط السلوك بالعقيدة، واستنهاض الضمائر عبر مخاطبة العقول والقلوب معاً. ومن هنا ولقرب أيام الفاطمية الأولى في شهر جمادي الأولى، رأينا أن نقدّم إليكم بحثًا حول الأساليب التربوية في الخطبة الفدكية للسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
الكثير من المؤمنين والمؤمنات لايعرفون هذه الخطبة العظيمة والبعض منهم أيضا قد سمع بهذه الخطبة لكن لايدري ما كان السبب في إيراد هذه الخطبة الغراء بواسطة فاطمة الزهراء سلام الله عليها.فهي التي قالت: « خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ أَنْ لاَ يَرَيْنَ اَلرِّجَالَ وَلاَ يَرَاهُنَّ اَلرِّجَالُ » (۱). فما الذي حصل حتى خرجت السيدة زهراء سلام الله عليها من بيتها وجائت إلى المسجد بين المهاجرين والأنصار؟هناك سببان أساسيان لهذه الخطبة الشريفة. السبب الأول، هي غصب خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام. السبب الثاني هي غصب بساتين فدك. بساتين فدك كانت مجموعة بساتين قد أسلمتها يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا أي معركة ونزال. وبحكم الله تعالى في سورة الأنفال: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾(۲). صارت هذه البساتين ملكا طلقا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وبعد أعوام، نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وقال: « إنّ الله يأمرك أن تهب هذه البساتين إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها» وذلك بنص الآية الشريفة: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ﴾ (3).لكن بعد استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قام غاصبو الخلافة بغصب هذه البساتين من فاطمة الزهراء سلام الله عليها. فقد ورد: « أنه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة فدك ، وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ـ فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله… » (۴).
هناك أربعة أساليب أساسية للتربية خصوصا التربية الدينية وسنقوم بمطالعتها من خلال الخطبة الفدكية.
هذا الأسلوب من أهم الأساليب في التربية. لأنّ الشخص إذا توجه إلى النتائج والآثار الموجودة في الأعمال، فيصير فعل الأمور المختلفة خصوصا الأمور الدينية والتعبدية سهلا له. لأنه يدري أنّ لهذا الفعل، أثر ونتيجة عليه. وهذا أحد الأساليب التي استخدمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها حيث قالت: « فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية ﴿ فاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه ﴿ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ﴾ » (۵).وأيضا تنبّه الظالمين والقاسطين إلى يوم القيماة وأهوالها. فقد قالت سلام الله عليها: « فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّـهُ، وَ الزَّعيمُ مُحَمَّدٌ، وَ الْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَ عِنْدَ السَّاعَةِ يخْسِرُ الْمُبْطِلُونَ، وَ لاينْفَعُكُمْ اِذْ تَنْدِمُونَ، وَ لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ، وَ لَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يأْتيهِ عَذابٌ يخْزيهِ، وَ يحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ » (۶).
تقدّم فاطمة الزهراء سلام الله عليها قدوتين لجميع المسلمين في أنحاء العالم وفي جميع الأزمنة حتى يتعلّم المسلمون منهما كيفية الحياة. الأول هو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قالت: « أيها الناس! اعلموا أني فاطمة وأبي محمد… فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا ثبجهم، آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه … يكسر الأصنام وينكث الهام » (۷).القدوة الثاني هو أميرالمؤمنين عليه السلام حيث قالت عليها السلام: « بعد أن مُنِيَ بِبُهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ﴿ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ﴾ أو نجم قرن للشيطان وفغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله … وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال » (۸).
أحد أهم الأساليب في التربية هي أسلوب الإنذار والتنبيه بعاقبة الأمور السيئة. فحينها يعلم المرأ أن عاقبة أفعاله ليست حسنة وفي الحقيقة يمكننا أن نخلّص هذه الأسلوب في الآية الشريفة: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ (9). وفاطمة الزهراء سلام الله عليها قد استعملت هذا الأسلوب بشكل جميل حيث قالت: « فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين … فهيهات منكم! وكيف بكم؟! وأنى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة » (۱۰). وأيضا قالت: « وزعمتم ألا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة ما تخسرون ولا ينفعكم إذ تندمون ﴿ولِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وسوف تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ » (۱۱).
عندما يفشل العقاب والعتاب، يمكن أن ينجح التشويق والتعريف في بعض الأحيان لذوي الضمائر الحية. ولهذا السبب نرى أنّ فاطمة الزهراء سلام الله عليها بعدما نهبت بالمهاجرين والأنصار، توجهت إليهم وقالت: « إيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومبتد ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذا العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت والخيرة التي اختيرت. قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام …» (۱۲).
هذه كانت الأساليب الأربعة للتربية في كلام فاطمة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها الفدكية. أرجوا أن نكون من شيعتها ومحبيها وتابعيها في القول والفعل.
۱) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: ۲۰ / الصفحة: ۲۳۲ / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: ۱٫۲) سورة الأنفال / الآية: ۱٫۳) سورة الإسراء / الآية: ۲۶٫۴) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۰ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۵) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۳ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۶) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۷ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۷) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۴ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۸) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۵ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۹) سورة الزلزلة / الآية: ۸٫۱۰) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۵ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۱۱) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۷ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫۱۲) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: ۲۹ / الصفحة: ۲۲۹ / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: ۱٫
رافد