المعلم المتميز: كيف تُمنح هذه المكانة لمن يستحقها؟

حين تولد وأنت تحمل في جيناتك همَّ القضية، وتعيش المعاناة منذ طفولتك، وتكبر في ظلال الانتفاضة؛ يصبح عبق الوطن متغلغلًا في تفاصيل أحلامك، منذ بداية تفوقها، قررت أن تكون معلمة تربي جيلًا متعلمًا طموحًا، ينفع ذاته ووطنه. المعلمة ظريفة لطفي خالد عابد، معلمة المرحلة الأساسية، تمتلك خبرة تربوية تزيد عن سبع سنوات في مجال تأسيس وتعليم الأطفال، عملت في المدارس الحكومية والخاصة، وشاركت في مشاريع تعليمية طارئة أقيمت في ظل الحروب، إيمانًا منها بأن التعليم رسالة لا تتوقف حتى في أقسى الظروف.

حصلت المعلمة عابد على جائزة المعلم المتميز لعام ۲۰۲۲ ضمن المسابقة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم في غزة، كما تقدم عبر قناتها التعليمية على منصة يوتيوب دروسًا مبسطة وممتعة للأطفال، دعمًا لاستمرار العملية التعليمية وتسهيلها على الطلاب في كل مكان.

التعليم بين النزوح والإصرار

التعليم في غزة في ظل الحر.jpg

تقول عابد: “بدأت رحلتي في التعليم الوجاهي بعد أن أجبرتنا الحرب على النزوح جنوب قطاع غزة، ورغم قسوة النزوح وثقل الوجع، قررت ألا أتوقف، بل أن أواصل رسالتي التعليمية بكل إصرار، لا كواجبٍ وظيفي فقط، بل كجزءٍ من صمود شعبٍ ومقاومة معلمة، أردت أن أترك بصمة نور وسط عتمة الحرب، وأن تبقى غزة تتعلم وتقرأ مهما اشتدّ القصف واشتعل الألم”.

توضح عابد أنه بعد أن أذن الله لها بالعودة إلى غزة في يناير ۲۰۲۵، واصلت مسيرتها التعليمية في مدرسة أوائل وقادة، فجمعت بين التعليم الوجاهي لمن استطاع الحضور، والتعليم الإلكتروني لمن حالت ظروف الحرب دون وصولهم. وتضيف: “رغم النزوح وصعوبة الظروف وقساوة التفاصيل اليومية، كنت أملك إيمانًا عميقًا بأن التعليم يجب أن يبقى مستمرًا دون توقف، خاصة في ظل ما تعيشه غزة من إبادة لكل مقومات الحياة.”

تقول عابد لبنفسج: “كنت أدرّس وأصوّر وأجهز الفيديوهات، وأمشي مسافات طويلة جدًا حتى أصل إلى نقطة إنترنت لأرفع الدروس، لم يغب عن ذهني لحظة أن هناك أطفالًا ينتظرون هذا الجهد، وكان ذلك أكبر دافع لي للاستمرار رغم كل شيء”.

أما عن أبرز المواقف التي عاشتها خلال الحرب فتقول: “نزحت أكثر من ۱۳ مرة، وفي كل مرة كنت أترك مكاني كأنني أخلع جزءًا من روحي، وعندما كنت أقرأ أسماء الشهداء، كنت أدعو ألا أجد بينهم من أعرفه، لكنني كنت أجدهم … أحبابًا وطلابًا وأطفالًا علمتهم وضحكت معهم، ثم غابوا ورحلوا خلال الإبادة المستمرة على قطاع غزة”.

وتتابع: “كان شرح الدروس تحت صوت القصف أمرًا قاسيًا، لكنني قاومت خوفي لأستمر، كي تصل الرسالة التعليمية بقوة إلى الطلاب الذين ينتظرون مني الدروس.

التحدي والإبداع رغم المستحيل

عدد الأطفال الشهداء في غزة.jpg

استطاعت عابد أن تنتزع من بين أنياب الإبادة عزيمةً وإصرارًا لتواصل التعليم وسط الحرب. تقول: “كنت أدرّس صباحًا للطلاب الذين تمكنوا من الحضور، وبعد انتهاء الدوام أخصص وقتًا للحصص الإلكترونية للطلاب المتغيبين بسبب النزوح أو الأوضاع الأمنية، لم أرد أن يُحرم أي طفل من حقه في التعلم، فنظمت وقتي بين التعليم المباشر والتسجيل، حتى لو اضطررت للعمل لساعات طويلة أو السير لمسافات كبيرة لرفع الدروس على الإنترنت”.

ورغم شح الإمكانيات، تؤكد عابد أنها تتبع استراتيجيات تعليمية مرنة تراعي الجوانب النفسية والتعليمية للأطفال، وتربط بين اللعب والتعلم لتشجيع التفاعل، كما تستخدم الوسائل البصرية والسمعية لجذب انتباه الطلاب وتسهيل فهمهم للدروس بشكل ممتع وفعّال.

تقول: “واجهت تحديات كثيرة في التعليم الإلكتروني، منها ضعف الإنترنت في مناطق النزوح، وعدم توفر الأجهزة لدى بعض الطلاب. لكنني حرصت على تبسيط المحتوى واستخدام تطبيقات خفيفة، والتواصل المستمر مع أولياء الأمور، وصناعة فيديوهات قصيرة ومباشرة تناسب ظروف الطلاب، كي لا يتوقف التعلم رغم كل العقبات.”

تختتم المعلمة ظريفة عابد حديثها برسالة مؤثرة: “نحن لسنا أرقامًا في نشرات الأخبار، نحن شعبٌ عصيٌّ على الانكسار، نزرع الأمل في عيون أطفالنا ونبني بالمستحيل مستقبلهم. رسالتي أن غزة لا تُهزم، وأن المعلم الفلسطيني سيظل واقفًا، شامخًا، يُدرّس تحت النار، ويُربّي جيلًا يعرف قضيته ويؤمن بحلمه، استمرارنا في التعليم هو أسمى أشكال الصمود والمقاومة”.

بنفسج