اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يتفق كبار السن على أن المطر لم يكن يومًا مجرد حالة جوية، بل جزءًا من الهوية الاجتماعية، باعتباره ذاكرة كاملة، لا يمكن فصلها عن مرحلة عاشوها بحلوها ومرها، حيث كانت أيامهم صعبة وظروفهم قاسية، لأن طفولتهم كانت تخلو من الراحة والترف والكماليات التي تتزاحم في وقتنا الحاضر، وتحاصر ما بقي من الذاكرة، وخاصة أن تلك الفترة لم ينعموا بوجود شبكة للكهرباء، على حد قولهم.
وقال الحاج ابو محمد، الذي يجلس قرب مدفأته اليوم وهو يتذكر ليالي الشتاء قبل ستين عاما: ” قديما كان الشتاء مدرسة وتاريخا، نلتف حول كانون الحطب، نسمع قصص الآباء والأجداد عن الريف والبادية، ونحفظ الحكاية قبل أن نحفظ الدرس”.
وأضاف الشيخ السبعيني لوكالة الأنباء الأردنية، أن تلك الجلسات لم تكن مجرد وقت يمضي، بل كانت ذاكرة تُزرع في قلوب الأطفال، حيث لا كهرباء ولا أجهزة تلفزيون أو حتى راديو، بل دفء العائلة ولمة الأهل والأصدقاء.
من الأخطاء الشائعة مثل ترك المدفأة تعمل أثناء النوم، واستخدامها للطهي والتدفئة معًا، وتجفيف الملابس فوقها، ووضعها بالقرب من الأطفال، أو تشغيلها في غرف مغلقة دون تهوية كافية
وتابع :”في بعض الأحيان، كان صوت الريح لا يهدأ لعدة أيام، مع تساقط الخير من السماء الذي ينعش القلب والأرض، ويتسلل الماء من بين شقوق الشبابيك الخشبية وعتبات الأبواب”.
وتعتبر الباحثة والأخصائية الاجتماعية جمانة العلي، أن الشتاء يعيد ترتيب العلاقات داخل البيت، مشيرة إلى أن انخفاض درجات الحرارة يدفع العائلة للبقاء معًا وقتًا أطول، ما ينعكس على الحوار ويُعيد الكثير من التفاصيل التي تُهملها سرعة الحياة، حتى لو اختلفت الوسائل.
وقالت العلي:” إن الدفء الحقيقي لا يأتي من المدافئ وحدها، بل من الاهتمام والمشاركة والذكريات، مشيرة إلى أن ليالي المطر تمنح شعورًا بالطمأنينة، ولحظات تأمل تُعيد للإنسان ارتباطه بالأسرة.
وأوصت العلي، العائلات بالاستفادة من فصل الشتاء لتعزيز العلاقات الأسرية عبر أنشطة بسيطة، أبرزها التجمع حول المدفأة في غرفة واحدة، وإعداد مأكولات شتوية مشتركة، وتخصيص وقت للحوار العائلي بعيداً عن الهواتف، على اعتبار أن المطر فرصة للاسترخاء واستعادة الذكريات.
وووفق العلي، يبقى الشتاء الصديق الأوفى للعائلة الأردنية، فقد تتبدل الأدوات، وقد تختلف الجلسات بين جيل الحطب وجيل الشاشات، لكن روح الفصل لا تزال كما كانت: موسمًا يعيد للقلوب دفئها، وللذكريات حضورها، وللبيوت نبضها الأول، فالشتاء ليس مجرد طقس بل حكاية عائلة تُروى كل عام من جديد.
ويستعيد كبار السن زمنًا كان الدفء فيه عاطفة أكثر منه حرارة، عندما كانت العائلات تجتمع في غرفة واحدة، تُعد فيها الأم الخبز على الصاج، وتطبخ ما يناسب أجواء الشتاء البارد والماطر، مثل العدس و”المجدرة” والبرغل وغيرها، والتي كانت تسد جوع الليل الطويل.
ومع دخول الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تغيرت صورة الشتاء قليلاً دون أن تفقد روحها، فقد أصبح التلفاز جزءًا من المشهد، يجمع العائلة حول نشرات الأخبار، وبرامج الأطفال، والمسلسلات العربية التي كانت تُبثّ في أوقات ثابتة، على شاشة التلفزيون الأردني، القناة الأولى.
من أجل شتاء دون أضرار بشرية، عزز الأردن التوعية الأسرية بشأن الإسعافات الأولية، وفي ذات السياق، نشر الدفاع المدني عبر موقعه الإلكتروني مطوية إرشادية بشأن فصل الشتاء
وقال أبو مصطفى، وهو من جيل تلك الفترة: ” كان التلفزيون ضيفًا جديدًا في الشتاء لكنه لم يُلغِ اللمة، بل أصبح جزءًا منها، نشاهد نشرات الأخبار، وننتظر المسلسل معا ونعلق عليه، والمدفأة مخصصة للشاي والطبخ وتسخين الخبز والماء”. وتابع: “كانت ليلة المطر آنذاك مناسبة للبقاء في البيت، والاستماع لصفير الريح عبر النوافذ المعدنية، وصوت الرعد والأمطار، بينما نستمتع بشرب الشاي الذي تفوح منه رائحة النعناع والزعتر الأخضر”.ورغم دخول الهواتف الذكية والشاشات الكبيرة إلى كل بيت، إلا أن الشتاء ما يزال قادرًا على جمع العائلة وإن اختلفت التفاصيل، فالأطفال اليوم يجلسون حول المدفأة ولكن بأيديهم هواتفهم، فيما تتابع الأسرة برامج عبر الفضائيات أو المنصات الإلكترونية بدلاً من انتظار مواعيد البث.
ومن أجل شتاء دون أضرار بشرية، عزز الأردن التوعية الأسرية بشأن الإسعافات الأولية، وفي ذات السياق، نشر الدفاع المدني عبر موقعه الإلكتروني مطوية إرشادية بشأن فصل الشتاء، تتضمن تعليمات للسلامة العامة تشمل التدفئة الآمنة، وتجنب الانزلاقات، والتصرف السليم عند الانجماد أو تسرب الغازات.ويضم الدليل خطوات واضحة لاستخدام المدافئ بأمان، بدءًا من اختيار المكان المناسب، والتأكد من صلاحيتها وفحص التوصيلات الكهربائية والخراطيم، وصولًا إلى التشغيل الآمن لتجنب الحرائق أو الاختناق.
ويحذر الدليل من الأخطاء الشائعة مثل ترك المدفأة تعمل أثناء النوم، واستخدامها للطهي والتدفئة معًا، وتجفيف الملابس فوقها، ووضعها بالقرب من الأطفال، أو تشغيلها في غرف مغلقة دون تهوية كافية. كما يشمل الدليل تعليمات للتصرف عند الطوارئ، كفصل التيار الكهربائي في حالات الحريق، واستخدام الطفايات، والابتعاد عن مصادر الخطر، ونقل المصابين لمكان جيد التهوية عند الاختناق أو تسرب الغاز، والاتصال بالإسعاف فورًا.
ويمتد الدليل ليشمل مبادئ الإسعاف الأولي التي يمكن تنفيذها قبل وصول فرق الدفاع المدني، مثل تقييم مكان الحادث لضمان سلامة المسعف، فحص التنفس والدورة الدموية، إيقاف النزيف بالضغط المباشر، وتثبيت المصاب، وتجنب تحريكه إلا عند الضرورة القصوى، خاصة في حالات إصابات العمود الفقري، وهو ما يشكل عنصرًا حيويًا لإنقاذ الأرواح خلال الدقائق الذهبية.
العرب