تونسيات عاطلات بسبب رفض العائلة عملهن

حازت الشابة التونسية عائشة على شهادة جامعية في اللغة الإنكليزية قبل خمس سنوات، لكنها لم تستطع مواصلة دراسة الماجستير بسبب الظروف المادية، وعلى الرّغم من صعوبة الحصول على فرصة عمل في إحدى المدارس الحكومية، إلّا أنّها تمكّنت من الحصول على وظيفة في أحد المعاهد الخاصة لتدرّس اللغة الإنكليزية لتلاميذ الصف الرابع الابتدائي، بأجر يبلغ 250 دولاراً في الشهر.

تضيف عائشة: “للأسف فرحتي بالوظيفة لم تستمر، فقد منعني أخي الأكبر من العمل بسبب رفضه انتقالي إلى المدينة حيث مكان العمل، وبالتالي العيش في مبيت للفتيات. لم أكن أتوقع ردّة فعله، وخسرت فرصة العمل بسبب رفضه عيشي بمفردي بعيداً عن العائلة، على الرغم من أنني كنت بعيدة عنهم طوال فترة الدراسة. قد يستغرب البعض كلامي، لأنّ تونس لطالما تحدّث أهلها عن كونها من أكثر الدول المدافعة عن الحقوق والحريات، وأنها تحظى بمجتمع منفتح أكثر من دول عربية أخرى. لكن هذا هو الواقع. وأعمل حالياً في تقديم دروس خصوصية لبعض التلاميذ من المنزل”.
وكان الوضع أكثر سوءاً بالنسبة للشابة رقية التي تعيش في إحدى قرى محافظة سليانة، والتي لم تستطع مواصلة الدراسة بسبب رفض العائلة انتقالها إلى إحدى المدن المجاورة والسكن في مبيت، ما اضطرها للتوقف بعد الصف السادس الابتدائي، لتتفرغ للأعمال الفلاحية كغيرها من فتيات المنطقة.
وبسبب ركود الأعمال الفلاحية نتيجة قلة الأمطار وانتشار الجفاف، حاولت رقية إقناع عائلتها بالانتقال إلى المدينة للعمل في أحد المصانع، لكن طلبها قوبل بالرفض من والدها الذي لا يقبل عمل البنات بعيداً عن العائلة. تقول: “نفس الأمر تواجهه بقية الفتيات والنساء في عائلتي، فرجال العائلة مقتنعون بأن عمل المرأة متاح فقط في شؤون بيتها، أو المهام الفلاحية داخل القرية، وهم يقبلون ترك الفتاة تتعلم قليلاً لإتقان القراءة والكتابة، لكن لا يمكن أن يتاح لها أكثر من ذلك”.
وتختلف القيود المرتبطة بالأعراف والتقاليد من منطقة إلى أخرى بحسب الذهنية السائدة، لكنها تتشابه في عدم إتاحة حرية العمل للمرأة بحسب الموروث المجتمعي، وفي حين بات السكان بأغلبهم يقبلون تدريس بناتهم، إلا أنّهم يرفضون استقلاليتهن أو عيشهن بعيداً عن العائلة للعمل، ويمكن لهن أن يعملن بعد الزواج في حال قبل الزوج بذلك.

تحظى كثير من التونسيات بفرص التعلم لا العمل (فتحي بلعيد/فرانس برس)
تحظى كثير من التونسيات بفرص التعلّم لا العمل (فتحي بلعيد/فرانس برس)

لكن الكثير من المتزوجات أيضاً يصطدمن برفض الأزواج عملهن، على الرغم من الحاجة المادية. كانت فاطمة (۳۹ سنة) تعمل معلمةً للغة العربية في معهد خاص قبل زواجها، لكن بعد الزواج رفض زوجها عملها، لأنه مقتنع بضرورة وجودها في البيت، وأنه لا حاجة لعملها، على الرغم من أنهم يعيشون في منزل مستأجر، وأجر الزوج لا يفي بمتطلبات الأسرة في ظل غلاء المعيشة. تضيف: “زوجي متعلّم ومثقف، ويعمل في شركة خاصة، ورغم مستواه التعليمي فإنه شخص تقليدي لا يقبل فكرة عمل المرأة”.
وحسب إحصائيات رسمية، فإن ۶۷ في المائة من خريجي الجامعات التونسية من الإناث، بينما نسبتهن في سوق العمل لا تتجاوز ۲۸ في المائة، وتصل نسبة النساء العاملات في وظيفة عمومية إلى ۳۷ في المائة، وتبلغ نسب البطالة بين الإناث ۲۲ في المائة مقابل ۱۲ في المائة بين الذكور، كما تتفاقم نسب البطالة في المناطق الريفية بسبب انعدام فرص العمل.

يقول المختصّ في علم الاجتماع، أسامة بن صالح، لـ”العربي الجديد”، إنّ “العديد من المناطق التونسية، خصوصاً الداخلية منها، ما زالت تحكمها الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تجعل المرأة غير قادرة على تحصيل حقوقها، على غرار النساء في المدن، وما زالت الذكورية تُسيطر على أحوال المرأة في مجتمعات وعائلات عدة، فتجد المرأة خاضعة لولاية أو سلطة الأب أو الأخ أو الزوج، وبالتالي غير قادرة على مواصلة الدراسة، أو محرومة من العمل، حتى لو كانت حاصلة على شهادة جامعية، لتبقى مهمتها محصورة بالاهتمام بشؤون البيت، أو بالأعمال الفلاحية في أرض العائلة، أو بعض الأشغال الحرفية المنزلية”.
يضيف بن صالح: “العديد من العائلات التونسية، ليس في القرى فقط، بل حتى في بعض المدن، ترفض عمل المرأة، ويقف الذكور عائقاً أمام دخولها سوق العمل، ولا تستطيع أغلبهن التمرّد على قرار الأب أو الزوج، إذ ما زالت العديد من العائلات ترى في عمل المرأة عيباً كبيراً، وترفض استقلاليتها بعيداً عن الأسرة، بينما فرص العمل غير متوفرة في كثير من المناطق، وغالبيتها تحتاج إلى الانتقال للعيش في المدن، وهو ما ترفضه العديد من العائلات”.

المصدر : العربي الجدید