دور المرأة الأردنية في هندسة المستقبل الرقمي: من التمكين المعرفي إلى التأثير الاستراتيجي في الاقتصاد الرقمي الوطني

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم نحو الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات أصبحت مسألة تمكين المرأة في المجالات الرقمية واحدة من القضايا المحورية التي تعكس مدى تقدم المجتمعات وقدرتها على تحقيق التنمية الشاملة، وفي الأردن الذي يضع التحول الرقمي ضمن أولوياته الوطنية برزت المرأة الأردنية كفاعل رئيسي في هذه المسيرة مستندة إلى تاريخها الطويل في التعليم والعمل العام ومرتكزة على ما تمتلكه من كفاءات ومهارات جعلتها قادرة على اقتحام القطاعات التقنية والرقمية بكل جدارة وتميز.

إن الحديث عن دور المرأة الأردنية في قيادة التحول الرقمي لا يمكن اختزاله في سردٍ نظريٍ عام بل يتجسد في نماذج حقيقية لمهندسات وتقنيات وخبيرات في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني وتطوير البرمجيات وريادة الأعمال الرقمية وقد استطاعت المرأة الأردنية أن تؤسس شركات ناشئة في قطاع التكنولوجيا تنافس على المستويين الإقليمي والدولي وتقدم حلولًا ابتكارية تسهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي كما أنها أصبحت جزءًا من الفرق التي تعمل على تصميم سياسات التحول الرقمي ووضع الاستراتيجيات الوطنية المرتبطة بالتكنولوجيا سواء داخل المؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص وفي الهيئات الوطنية التي تعنى بتطوير بيئة الابتكار وريادة الأعمال.

ولا يتوقف دور المرأة الأردنية عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى دورها في التوعية المجتمعية بأهمية التحول الرقمي وتبسيط المفاهيم التقنية للأجيال القادمة فهناك نساء أردنيات أبدعن في مجالات التدريب والتأهيل الرقمي وساهمن بشكل كبير في رفع مستوى الوعي الرقمي لدى الأطفال والشباب والنساء في المناطق الريفية والمهمشة كما أسهمن في خلق برامج تدريبية متخصصة في مهارات المستقبل مما ساعد على تعزيز فرص الشباب والنساء على حد سواء في الحصول على وظائف ذات صلة بالاقتصاد الرقمي المتنامي.

وقد عكست الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية التي حصلت عليها العديد من النساء الأردنيات في مجالات التكنولوجيا والابتكار الرقمي مدى التفوق الذي حققنه بالرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المرأة بشكل عام فقد استطاعت المرأة الأردنية أن تتجاوز الصور النمطية وأن تثبت أن الكفاءة والمهارة والقدرة على الإبداع ليست مرتبطة بالنوع الاجتماعي بل تعتمد على الإرادة والتصميم والالتزام بالعمل الجاد.

إن تجارب النساء الأردنيات في قيادة التحول الرقمي ليست مجرد قصص فردية بل تشكل معًا نموذجًا وطنيًا يعكس قدرة الأردن على الاستثمار في طاقاته البشرية بشكل متوازن يضمن تمثيل جميع فئات المجتمع في عملية التنمية الرقمية كما أن هذه التجارب تؤكد أن إشراك المرأة في القطاعات التقنية ليس ترفًا أو خيارًا بل هو ضرورة تنموية واقتصادية فالاقتصاد الرقمي لا يمكن أن ينمو دون استثمار متساوٍ في قدرات جميع أبناء وبنات المجتمع على حد سواء.

وبالنظر إلى المستقبل يمكن القول إن تعزيز دور المرأة الأردنية في قيادة التحول الرقمي يتطلب استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى سياسات داعمة تبدأ من تطوير المناهج الدراسية التي تشجع الفتيات على دراسة التخصصات العلمية والتقنية وتستمر عبر توفير فرص تدريبية متقدمة وبرامج تأهيل مستمرة تواكب التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا كما أن بناء جسور تواصل فعالة بين النساء العاملات في القطاع الرقمي محليًا ودوليًا يمثل ركيزة أساسية لتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة وخلق شبكات دعم قوية تفتح آفاقًا أوسع للمرأة للمشاركة الفاعلة في قيادة المؤسسات التكنولوجية الكبرى وتولي مواقع صنع القرار في هذا القطاع الحيوي.

إن نجاح المرأة الأردنية في قيادة التحول الرقمي ليس فقط نجاحًا شخصيًا أو فرديًا بل هو نجاح وطني يعكس صورة الأردن أمام العالم كدولة تؤمن بأن التقدم التكنولوجي الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بمشاركة جميع أبنائه وبناته على قدم المساواة وهو ما يجعل من قصص النجاح النسائية في هذا المجال ليست مجرد إنجازات بل إشارات واضحة على أن مستقبل الاقتصاد الرقمي الأردني سيكون أكثر إشراقًا بفضل عقول نسائه وإرادتهن التي لا تعرف المستحيل.

المصدر: نساء‌FM