اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وقد أخبرنا عن صيرورة التاريخ التي جاء نبؤها في العلو الهبوط، يصبر فيها المؤمن ويجاهد إلى حين النصر، فلا تنازعه فيها قيد أنملة إشاعة للفتن وسماعًا لصوت الباطل. وما غزة اليوم إلا شاهد على ما أنبأ به الرسول عليه الصلاة والسلام، فحنثا على الثبات على الحق.
وبما نستذكر الرسول الحبيب إلا رحيمًا عطوفًا عليه السلام، يواسي طفلًا مات عصفوره الذي كان يلعب معه، عن أنس بن مالك أن نبي الله كان يزوهم في بيتهم، وكان له أخ من أمه، طفل صغير يجلس حزنيًا، فسأل أمه فقالت: مات عصفوره، فذهب إلى الطفل فقال: “يا أبا عمير ما فعل النُغير؟” أي العصفور.
وكان صلى الله عليه وسلم صلبًا قويًا، عزيزًا لا يقبل أن تُهان امرأة في أمته، حاصر يهود بني قريضة ۱۵ يومًا حتى استسلموا، وأجلاهم عن المدينة في غزوة بني قريضة، لأن يهوديًا ربط ثوب امرأة من الأنصار وأضحك عليها من في السوق كما يروي ابن كثير. وهان نحن نرى النساء في غزة يستهدفن دونًا عن غيرهن في حياتهن ومعاشهن وخصوبتهن وهن القائمات على عوائلهن في الجوع والفقر والتشرد والنزوح.
وهو في سيرته الحركية صلى الله عليه وسلم إمام المجاهدين، قاد جيش تبوك حين جمعت الروم الحشود لغزو المسلمين، التي سُميت بغزوة العسرة بسبب طول المسافة وقلة الطعام والشراب، وشدة الحر، حتى ربطوا أقدامهم بالأقمشة والخِرق، فسيمت أيضًا ذات الرقاع.
تحضر سيرته صلى الله عليه وسلم لا كحكاية تاريخية تُروى، بل نورًا يضيء للإنسانية دروبها في مثل هذه الأيام التي نعيش فيها من الاختبارات أقساها، وفي زمن المحنة التي نبيت ونصحو ونحن نسأل الله فيها الثبات على الحق.
كانت حياته صلى الله عليه وسلم منذ بداياتها مدرسة في الصبر واليقين والثبات على الحق رغم كل أشكال الأذى والحصار. من شعاب مكة حيث جاع المسلمون ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر، إلى الهجرة القاسية والنزوح القسري عندما ترك الأهل والبلد ومسقط الرأس، ثم إلى ميادين المعارك حين وقف مع أصحابه ثابتًا لا تهزه الجراح ولا الخسائر، كلها محطات تُخبرنا أن طريق الحق محفوف بالجراح والألم والحزن، ويُسقى بالدموع والصبر.
اليوم، ومع اشتداد حرب الإبادة على غزة، نستحضر هذه المعاني النبوية كزادٍ على الطريق، وهي عنوان المرحلة لتجنب الفتن والشائعات واليقين بالله عزل وجل في التمكين والنصر. فكما صبر الرسول ﷺ على حصار قريش، يصبرون على حصارٍ خانق يُحرمهم الغذاء والعلاج والتشافي. وكما صبر على فقد الأحبة واحدًا تلو الآخر، وصبر على الهجرة والحصار والتجويع، نستدل بطريقه صلى الله عليه وسلم اليوم وفي كل يوم، صبرًا وحكمة واهتداء ونوارًا.
في ذكرى مولده، نقول إن صبر الرسول ليس قصة مضت، بل هو منهج حيّ يتجسد اليوم في غزة، حيث يُعاد إحياء دروس النبوة في قلوب أمة لا تنكسر مهما تكاثرت عليها الجراح.
و صبر الرسول لم يكن إلا صبرًا يصنع الأمل ويؤسس لمستقبل أفضل، صبرًا يوقن أن الفرج آتٍ مهما طال البلاء. وهذا تمامًا ما يعيشه أهل غزة اليوم، إذ يقفون في وجه آلة الموت بقلوب عامرة باليقين، يرددون بلسان الحال: “إن مع العسر يسرا”.
المولد النبوي ليس مناسبة للاحتفاء العاطفي فحسب، بل هو دعوة للتأسي بالرسول في صبره وثباته، والتعلم من سيرته كيف نصنع من الألم قوة، ومن الفقد أملاً، ومن الحصار بابًا نحو الفرج. وإذا كان النبي قد واجه أعتى طغاة قريش بالإيمان والكلمة الصادقة، فإن غزة اليوم تواجه آلة الإبادة بذات الروح: صبرٌ راسخ، وإيمانٌ لا ينكسر، وأملٌ بأن النصر والحرية حقٌّ موعود.
أحبنا صلى الله عليه وسلم قبل أن يرانا، وتنمى أن يلقانا، إذ ورد عنه أنه قال: وددت أني قد رأيت إخواننا، فقالوا: يا رسول الله، ألسنا بإخوانك؟ قال بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض.
بنفسج