ضحايا وسطاء الزواج في العراق.. سهى تحذّر

اقترنت سهى برجل من بلد مجاور عبر "وسيط زواج"، على أمل أن تنعم بحياة زوجية مستقرة، ولكنها وقعت ضحية للاستغلال والعنف المنزلي، مسلطةً الضوء على قضية تفشي "وسطاء الزواج".

وروت سهى، وهو اسم مستعار لهذه السيدة السورية، لموقع “الحرة”، المعاناة التي اختبرتها بعد زواجها من رجل عراقي “عبر وسيط كان يبحث عن فتيات سوريات لرجال عراقيين”.

وقالت: “نظرت إلى صورة الرجل، ودفعني وضعي المعيشي الصعب في سوريا إلى قبول الزواج بحثًا عن حياة أفضل”، لكن الصدمة الأولى جاءت فور لقائها بزوجها.

وتردف قائلة: “تبيّن أنه في الخامسة والستين من عمره، رغم أن الوسيط أخبرها أنه في الخمسينيات..”.

ورغم أن الرجل يكبرها بـ۲۵ عاما، وافق أهلها على الزواج، و”أُنجزت الإجراءات القانونية عبر محامية سورية”، وفق ما تضيف.

وسرعان ما اصطدمت سهى بالواقع الأليم، إذ تقول إن الرجل “خدعها في قيمة المهر عبر تسجيله بالليرة السورية بدلًا من الدينار العراقي، مما أحدث فرقًا كبيرًا في قيمة المهر”.

“كما لم يسمح لها حتى بشراء أبسط احتياجاتها الحياتية، وعند وصولها إلى العراق فوجئت بأنها ستعيش في منزل صغير مع زوجتيه الأخريين وأطفاله، رغم وعده بمنزل مستقل”.

وأصبحت، وفق ما تقول، “خادمة” في المنزل، حيث أُجبرت على خدمة زوجتيه وأطفاله، وتعرضت للتعنيف من زوجها كلما اعترضت على معاملته القاسية.

وتقول سهى، بصوت يخنقه الألم: “كان يضربني، يشتمني، ويصفني بالرخيصة لأنه تزوجني بأموال قليلة”.

وبعد ۱۱ شهرًا من العذاب، لجأت سهى إلى المحاكم العراقية وطلبت الطلاق، وتمكنت أخيرًا من “استعادة حريتها”.

وتقول: “أنا الآن أعمل في مصنع وأرسل المال لعائلتي في سوريا. أدركت أن العديد من السوريات المتزوجات من عراقيين يعانين من الاستغلال والعنف، وأحذر كل امرأة من الوقوع في الفخ نفسه”.

وعود كاذبة

وكشف المحامي محمد جمعة عن تصاعد المشكلات القانونية والاجتماعية التي تواجه السوريات المتزوجات من عراقيين عبر وسطاء الزواج، خاصةً مع غياب الضمانات القانونية.

وقال جمعة، لموقع “الحرة”، إن الزواج يتم بطرق مختلفة، منها سفر الرجل إلى سوريا لإتمام عقد القران هناك، قبل أن تنتقل الزوجة إلى العراق بتأشيرة دخول على كفالة الزوج.

أما في حال كانت المرأة السورية مقيمة قانونيًا في العراق، فيتم الزواج عبر المحاكم العراقية، وفق ما يضيف المحامي.

ويردف قائلًا إن الزواج خارج المحكمة هو الأكثر شيوعًا، إذ يتم عبر رجال الدين دون تسجيل العقد، مما يعرض الزوجة لوضع قانوني هش.

العنف والتخلي عن المسؤولية

وتولى المحامي محمد جمعة النظر في أكثر من ۱۰ قضايا تفريق لسوريات تعرضن للعنف، وفق ما يقول.

وسلط جمعة الضوء على إحدى القضايا التي تولاها، وقال إنها لامرأة سورية تعرضت لضرب مبرح من زوجها، وكانت آثار التعنيف واضحة على جسدها.

وكان مطلبها الوحيد العودة إلى أهلها، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب رفض زوجها منحها الموافقة اللازمة للسفر، وفق ما يضيف جمعة.

وأشار إلى أن معظم هذه الزيجات تكون الثانية أو الثالثة للزوج، وبعد فترة قصيرة، تبدأ الزوجة في مواجهة سوء المعاملة والتخلي عنها دون حقوق.

تحذير من وسطاء الزواج

وحذّر جمعة من الزواج عبر وسطاء غير موثوقين، مؤكدًا أن غياب التوثيق الرسمي يجعل النساء عرضة للاستغلال، مشددًا على ضرورة مراجعة القوانين لحماية السوريات من الابتزاز والعنف.

وأفاد مدير عام مديرية حماية الأسرة والطفل، اللواء عدنان حمود سلمان، في تصريح لموقع “الحرة”، بتسجيل حالات عنف ضد سوريات متزوجات من عراقيين، لكن بنسبة ضئيلة.

وأوضح أن بعض الضحايا تم إنقاذهن وإعادتهن إلى بلدانهن بالتنسيق مع الجهات المعنية.

وأشار إلى أن هذه الحالات تحدث نتيجة استضعاف المرأة السورية بسبب بُعدها عن أهلها، لافتًا إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأزواج المعنِّفين.

الزواج غير الرسمي.. باب للاستغلال

وأوضحت الوزيرة السابقة والناشطة في حقوق المرأة، بشرى زوين، أن الزواج غير المسجل رسميًا يحرم الزوجة من أي حقوق قانونية، خاصة في حالة القاصرات، مشيرةً إلى أنها تابعت أربع حالات تعنيف لنساء سوريات.

ولفتت إلى أن بعض الرجال يُقبلون على الزواج من السوريات بسبب انخفاض تكاليف الزواج، التي لا تتعدى ألف دولار، لكن الزوجة تجد نفسها بعد الزواج في واقع مختلف تمامًا عن الوعود التي قُدمت لها.

تحذيرات من زواج القاصرات

وكشفت منظمة آيسن لحقوق الإنسان عن تزايد زواج عراقيين من سوريات خلال السنوات الأخيرة، خاصة في عامي ۲۰۲۳ و۲۰۲۴، حيث تتم هذه الزيجات غالبًا عبر وسطاء أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أكد محفوظ حذيفة، مسؤول الجالية السورية في العراق، أن حالات الزواج بين عراقيين وسوريات شهدت زيادة ملحوظة منذ ما قبل سقوط النظام السوري، مستشهدًا بتصريحات سابقة للسفير السوري.

وكان السفير السوري في العراق، صطام جدعان الدندح، قد كشف في تصريحات لموقع “أثر برس السوري” في ۱۵ يناير ۲۰۲۴، عن تسجيل حوالي ۵۰۰۰ عقد زواج لسوريات من عراقيين خلال عام ۲۰۲۳٫

وقال الدندح، في المقابلة التي أُجريت في ۱۵ يناير ۲۰۲۴، إن عدد السوريين في العراق يتراوح بين ۳۰۰ و۴۰۰ ألف، رغم عدم وجود أرقام دقيقة.

وقالت رئيسة منظمة آيسن، أنسام سلمان، لموقع “الحرة”، إن المشكلة تكمن في أن معظم هذه الزيجات تتم دون تسجيل رسمي في المحكمة، مما يحرم الزوجات، خصوصًا القاصرات، من أي حقوق قانونية.

كما يواجهن صعوبات في تجديد الإقامة السنوية بسبب عدم الاعتراف القانوني بزواجهن.

في المقابل، أشارت المنظمة إلى أن بعض الزيجات تتم بشكل قانوني عبر المحاكم، مما يضمن استقرار الأسر الناتجة عنها.

كما وثّقت المنظمة حالات تعنيف لنساء سوريات، من بينها فتاة قاصر تعرضت للضرب والحبس بعد مطالبتها بتسجيل زواجها رسميًا. وتدخلت المنظمة لمساعدتها عبر المؤسسات الحكومية.

ودعت المنظمة إلى تشديد الرقابة على وسطاء الزواج، واتخاذ إجراءات مشددة لمنع تزويج القاصرات وحماية حقوق النساء ومنع استغلالهن.

وتختم سهى قصتها بنداء لكل فتاة: “لا تثقي بوعود الزواج الوهمية، وتأكدي من صدق نوايا من يتقدم للزواج بكِ. لا تجعلي الظروف تدفعكِ إلى زواج قد يكون طريقًا إلى المعاناة والاستغلال”.

المصدر: الحرة