اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ما إن تقترب منها حتى تتجلى ملامح امرأة جادة صارمة لأن لها الرخام، فقطعته أشكالا مختلفة لكساء مطابخ وسلالم وأرضيات المنازل والساحات.
وحول قصتها مع الرخام تقول فوزية (۵۰ عاما) إن “الحكاية كلها غرام، فعندما نُغرم بشيء، ويُقال لك إنك امرأة لا تستطيعين القيام به، تبدأ قصة التحدي وشق طريق الصعوبات لإثبات الذات”.
وتضيف فوزية “كنت أحفظ المهنة بالعين، والشيء الذي لم أكن أقوم به أصبحت أقوم به، في نوع من التحدي”.
وعن سبب عملها في مهنة تبدو ذكورية، توضح “أتيحت لي الفرصة للاقتراب من صناعة الرخام بحكم أنه شغل (عمل) زوجي، فأحببت هذا المشروع”.
ولا تخلو مهنة تطويع الرخام من صعوبات، إذ تقول فوزية “هو عمل صعب، وتعرضت لحادثين خلال عملي، ذات مرة انقلبت عليَّ شاحنة، وفي أخرى سقطت عليَّ لوحة رخامية، فهذا العمل في العادة حكر على الرجال، لأنه يتطلب بنية قوية وشخصية قوية”.
وبنبرات صوت واثقة، تزيد “أفتخر بنفسي لأنني غيرت عقلية كانت سائدة عندما دخلت الميدان منذ عام ۱۹۹۸، وكنت في البداية عندما أدخل بناية أو منشأة، يُقال لمرافقي أتيت بامرأة لأخذ القياسات.. إنها لا تعرف ولا نقبلها!”.
“ولكن باللمسة الفنية التي تعطيها المرأة للعمل من خلال الزينة وغيرها أصبحت مقبولة والناس تشترط فوزية للعمل.. وأنا الآن أصمم أي عمل بأبعاده الثلاثية”، تستدرك فوزية مفتخرة.
وبحسب فوزية، التي تعيل أسرتها، “يعتقد البعض أن عمل المرأة بالبيت فقط، ولكنهم لا يعرفون أن العمل في المنزل شاق جدا.. فهناك ترتيب البيت، وتربية الأطفال، وفي نفس الوقت العمل في الورشة هو عمل صعب، ولكن أردت فرض نفسي”.
وتضيف “أبي -رحمه الله- كان يقول لي يا ابنتي لا تدخلي عملا لا تتقنيه، فلا بد أن أكون ماهرة، وعندما آخذ لوحة رخام لا بد أن أضبط قياساتي، ولا تكون بقايا زائدة تلقى في ركام النفايات”.
أمضت فوزية ۲۵ عاما من العمل في تطويع الرخام، لم تكن كلها سنوات ربح وفير، فقد “تعرضتُ لعدة خيبات خلال فترة الثورة (بدأت في ديسمبر/كانون الأول ۲۰۱۰) وبعت جزءا من أدوات عملي”، كما تقول.
وتضيف متحسرة “كانت ورشتي كبيرة، لكن نتيجة ضغط الظروف المالية دون دعم ومع كساد السوق، اضطررت أن أعمل بطاحونة رحى للحبوب والبهارات لأخرج من الأزمة الاقتصادية التي وقعت فيها”.
أما عن سر تميزها في تطويع الرخام، فتوضح أن “اللمسات الفنية لأعمالي نتيجة ذوق نسائي رفيع يتمتع بسعة البال والاستماع لرغبات الزبائن المتنوعة، مما يجعلهم دائما يعودون إليّ”.
ولا تجيد فوزية تطويع الرخام فحسب، فهي كما تقول دائمة التعلم “عندما أجد فراغا أقوم بتدريبات لأتعلم حرفا أخرى، فقمت بالتدرب على تقطير الزيوت وصنع الصابون والألياف البصرية والمطهرات والتعليب”.
وتتابع “حصلت على شهادات تثبت كفاءتي، ودرست عن بعد عبر الإنترنت، وحصلت على شهادات في التعامل مع كبار السن والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة”.
وتفسر تعلمها المستمر والمتنوع بــ”الطموح والتحسب للصعوبات التي يمكن أن تعترض حرفا معينة، فيعمل الإنسان في الحرف التي تلقى رواجا في السوق”.
وحظيت فوزية بتكريم وإشادة بمستوى عملها، إذ تقول “تم تكريمي في فرنسا في مجال الرخام، وهم يعملون بالليزر وضغط الماء، ولكنهم ثمّنوا عملي الذي يتم بوسائل بسيطة”.
ومع ربع قرن من العمل ومواجهة تقلبات السوق، توجه فوزية رسالة للشباب الذي يطمح للهجرة، بقولها “كافح مع تونس، هناك (خارج تونس) لن تجد أباك وأمك، فأنت ولدت في هذا البلد، فإذا هاجرت أنت وأنا من سيعمر البلد؟ (…) علينا بمزيد الكفاح والعمل”، كما تختم حديثها.
المصدر: وكالة الأناضول