اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وفي ظلّ تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، منذ ۲۳ سبتمبر/ أيلول الماضي، تتعرّض نساء كثيرات لمعاناة أكبر بسبب اختلاف وضع المرأة مقارنة بوضع الرجل، وعلى خلفيّة الأعراف الاجتماعية التمييزية، الأمر الذي يجعلهنّ أكثر عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. ويُشار إلى تزايد الأعباء التي تتحمّلها النساء في النزاعات، ولا سيّما في رعاية الأسر والأعمال المنزلية غير المدفوعة، بحسب ما أفادت به تقارير أممية سابقة.
وتكثّف منظمة “كفى” عنف واستغلال في لبنان حملات التوعية وتقديم الدعم الاجتماعي والنفسي والقانوني للنساء تحت شعار أساسيّ يركّز على أنّ حياتهنّ أولوية في السلم والحرب على حدّ سواء، وذلك بالتزامن مع حملة الستة عشر يوماً من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي التي تنطلق في ۲۵ نوفمبر/ تشرين الثاني من كلّ عام، أي في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتستمرّ حتى العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الذي يوافق فيه اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وتنبّه “كفى”، في إطار حملاتها المستمرّة، من أنّ “العنف الأسري هو نوع من أنواع العنف الذي يزداد على النساء في ظلّ الأزمات والحروب، إذ تزيد حينها وتيرة العنف من قبل المُعنِّف على ضحاياه ويُبرِّر ذلك لنفسه بحجّة زيادة الضغوطات النفسية والاقتصادية والتحديات الجديدة التي يواجهها”، وتشدّد على أنّ “النساء يتعرّضنَ بصورة متزايدة لخطر العنف في محيطهنّ الشخصي كما في خارجه”.
وفي هذا الإطار، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة “كفى” في حديث خاص لـ”العربي الجديد” إنّ “وتيرة العنف ضدّ النساء تزيد في الأزمات والحروب، من هنا أهميّة تنظيم حملات توعية بأنواع العنف وكيفية حماية النساء أنفسهنّ مع تشجيعهنّ على التبليغ” عن أيّ عنف يتعرّضنَ له، مشدّدة على “أهميّة أن تعي المرأة أنّ حمايتها وحياتها أولوية دائماً، في السلم كما في الحرب”. وتتحدّث عواضة عن “عوامل عدّة يستغلّها مرتكب العنف في خلال الحرب ليكون أكثر حرية في تنفيذ اعتداءاته، من بينها الاستخفاف بالعنف الذي يحصل في هذه الفترة، وعدم توفّر قوانين رادعة، والفوضى والفلتان الأمني، وتراجع الملاحقات القضائية، خصوصاً أنّ النظام القضائي قد يكون معطّلاً فيما لا يستجيب النظام الأمني لكلّ الشكاوى بحسب ما يظنّ”.
وتلفت عواضة إلى أنّ “نساء كثيرات لا يرَين في التبليغ عن المعتدي أولوية، في ظلّ الحرب والنزوح، مع العلم أنّ حياتهنّ دائماً أولوية”، وتحذّر من أنّ “النساء يصبحنَ عرضة لشتى أنواع الانتهاكات والاستغلال، في أوقات النزاع. وثمّة نساء كثيرات اضطررنَ إلى العودة إلى منزل الزوج للبقاء مع أولادهنّ، وأخريات موجودات في المدرسة تفسها التي تحوّلت إلى مركز إيواء مع المعنّف وعائلته على سبيل المثال، وبالتالي من الممكن أن تتفاقم الأمور”.
وتوضح المحامية في منظمة “كفى” أنّ “الحروب تستهدف المرأة بطريقة مباشرة وغير مباشرة”، مشيرةً إلى أنّ “في الأسبوع الماضي، سُجّلت أوّل جريمة قتل طاولت امرأة هُجّرت من الجنوب، والمتّهمان زوجها وشقيقه”. يُذكر هنا أنّ الجهات المعنيّة في لبنان ما زالت تتابع هذه القضية لتبيان حقيقة ما تعرّضت له المرأة المشار إليها، والسبب الذي أدّى إلى وفاتها؛ هل هو جريمة قتل أم غير ذلك.
تضيف عواضة: “نحن نتلقّى كذلك شكاوى عنف عديدة، وبالتالي فإنّ العنف الذي تتعرّض له المرأة في الحروب والنزاعات والذي قد يصل إلى حدّ القتل ما هو سوى امتداد للعنف الحاصل في أيام السلم”. وتلفت إلى أنّ “لو كان لدى لبنان استراتيجية واضحة لمكافحة العنف ضدّ المرأة وقوانين رادعة في أيام السلم، لما وصلنا إلى تفاقم حالات العنف في أيام الحرب”. وتبيّن أنّ “ثمّة أنواع عنف عديدة تتعرّض لها المرأة في الحروب، من بينها العنف الجنسي مثل التحرّش والاغتصاب، وكذلك الاستغلال الجنسي والعمل القسري، خصوصاً مع انتشار جماعات تستفيد من ظروف مماثلة. وهذا الخطر يمتدّ كذلك إلى اللاجئات والعاملات في الخدمة المنزلية اللواتي قد يتعرّضنَ للاستغلال في خلال النزوح أو في طريق العودة إلى بلدانهنّ”. وهنا تشدّد عواضة على “أهمية أن تتضمّن حملات توعية النساء والفتيات تعليمهنّ كيفيّة التفريق ما بين التحرّش والاعتداء والاغتصاب، مع ضرورة التحذير من أنّ ثمّة رجالاً يعمدون إلى استغلال نسائهنّ في أوقات الحرب في الدعارة، لاستسهال الربح المالي من خلال ذلك، فيصير هو مدخول العائلة. وسبق أن شهدنا حالات استغلال جنسي مع اللاجئات السوريات بنسب مرتفعة”.
وتتناول عواضة كذلك “العنف المعنوي الذي من المهمّ التوقّف عنده. وهو قد يشمل انتزاع الأولاد من أمهاتهنّ أو منعهنّ من مشاهدتهم بسبب بُعد المناطق وتحجّجاً بالأوضاع الأمنية”. وتفيد بأنّ “في بداية توسّع الحرب، ومرحلة التهجير الأولى في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيَين، وصلتنا شكاوى عدّة من نساء تتعلّق بانتزاع أولادهنّ منهنّ. فكان الوالد يتحجّج بالوضع الأمني وبنيّته اصطحاب أولاده إلى مكان آمن، على الرغم من أنّ الوالدة تملك حقّ الحضانة. كذلك، مُنعت نساء من رؤية أولادهنّ في التواريخ المحدّدة لحقّ المشاهدة لهنّ، وذلك على خلفية الحجّة نفسها (الوضع الأمني)، نظراً إلى وجود هؤلاء النساء في مناطق تُعَدّ ساخنة أمنياً”. وتبعاً لذلك، تقول عواضة: “اضطررنا إلى الاستحصال على قرارات منع سفر بحقّ أطفال، نظراً إلى محاولة آباء تسفير أولادهم، خصوصاً إلى سورية، إذ إنّ الانتقال إليها لا يحتاج إلى جواز سفر بل فقط وثيقة إخراج قيد”.
وتتوقّف المحامية في منظمة “كفى” عند مسألة تصفها بأنّها “مهمّة جداً”، شارحةً أنّ “نتيجة التوتّر والخوف المستمرَّين وسط الحرب، قد تتعرّض نساء حوامل إلى حالات إجهاض أو ولادات مبكرة، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض حياتهنّ وحياة مواليدهنّ للخطر. من هنا، لا بدّ من التوعية بهذه المخاطر والتشديد على ضرورة تقديم الرعاية الصحية الطبية المجانية للنساء الحوامل، في خلال فترة الحمل وما بعدها للمرأة وللطفل، بالإضافة إلى توفير التغذية السليمة لهما كذلك”.
وتتحدّث عواضة عن تدخّل أتت به منظمتها “بصورة استثنائية، قانونياً ووقائياً، لتسجيل الزيجات والمواليد الخاصة بالنازحين، إذ نخشى أن نجد أنفسنا بعد الحرب أمام حالات زواج وولادات غير مسجّلة وأولاد مكتومي القيد. فهذه مشكلة كبيرة جداً، ولها تداعيات وأضرار كبيرة خصوصاً على الأولاد والحقوق المترتّبة على الزواج”. وتشير بالتالي إلى “أهمية تضمين الحملات في المدارس، التي تحوّلت إلى مراكز إيواء، توعية بضرورة تسجيل الزواج والولادات، وسوف نقدّم في سبيل ذلك خدمات قانونية مجانية، استثنائياً”.
وتتابع المحامية أنّ “كفى تنظّم كذلك جلسات توعية ودعم نفسي واجتماعي للنساء، بهدف مساعدتهنّ للخروج من الصدمات الناجمة عن الحرب وإعادة ترتيب أولوياتهنّ، مع تزويدهنّ بخطة سلامة تمكنّهنّ من معرفة ما هي الجهات اللازم التواصل معها، وكيفية حماية أنفسهنّ من المعنِّف حيث وُجِدنَ، وكيفية تسهيل وصولهنّ إلى المنظمة في حال قرّرن اتّخاذ خطوة لمواجهة العنف”.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة “كفى” تدخّلت كذلك لمساعدة العاملات في الخدمة المنزلية المهاجرات اللواتي تخلّى عنهنّ أصحاب العمل ومكاتب استقدامهنّ، وأمّنت لهنّ الحماية ومراكز إيواء. وهؤلاء كنّ قد تشرّدنَ أو وجدنَ أنفسهنّ في مناطق القصف، مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وتهجير السكان من المناطق الجنوبية وغيرها.
وتضيء عواضة على مشكلة أساسية ترتبط بـ”الوتيرة القضائية التي تتراجع خصوصاً في حال طال العدوان. ولا ننسى إقفال عدد من المحاكم في مناطق تُعَدّ ساخنة أمنياً، ومنها ما تضرّر بفعل القصف الإسرائيلي، الأمر الذي يحتّم ضرورة إرساء آلية قضائية سريعة لإصدار قرارات تتعلّق بحماية المرأة، مثلما حصل في خلال أزمة كورونا الوبائية”. وتصف المحامية “التجربة حينها بأنّها كانت إيجابية”، لافتةً إلى “إجراء جلسات استجواب عبر تقنيّة الفيديو. ومن هنا، ندعو وزارة العدل اللبنانية وقوى الأمن إلى إيجاد آلية أسرع للتدخّل على الأرض لحماية النساء”.
المصدر: العربي الجدید