اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
أظهرت دورات تأهيلية يُقدم عليها البعض من الشبان والفتيات في مصر قبيل الزواج، فقدان الكثير منهم للأسس السليمة التي يجب أن تقوم عليها العلاقة الزوجية، وبينهم من يتعامل مع الزواج باعتباره طقسا مجتمعيا يجب الالتزام به، وهي إشكالية تعكس عدم امتلاك البعض من الشباب لثقافة الحياة الزوجية نتاج الفجوة المعرفية حول متطلباتها وأهدافها وضوابطها العملية.
قال مسؤولون عن برنامج “مودة”، الذي أطلقته الحكومة قبل ثلاث سنوات للتوعية بأسس الحياة الزوجية، إن الكثير من الشباب المقبلين على الزواج لا يعرفون بالضبط لماذا يتزوجون؟ وما الهدف من العلاقة؟ وبعضهم يعتقد أنه بلغ العمر المناسب للزواج وعليه القيام بذلك، لكنه لا يُدرك الأسباب التي تقف وراء الخطوة، والمطلوب منه لتلك العلاقة. وأصبح تحمل المسؤولية فكرة غائبة إلى حد كبير لدى مجموعة منهم.
دافع معارضون لتلك الاستنتاجات بأن الشباب غير المتزوج من الطبيعي أن يكون بلا خبرة، خاصة إذا كان الواقع الاجتماعي والاقتصادي لا يدفعه نحو التفكير في خطوة الزواج في ظل الأزمات المعيشية، وصعوبة تكوين أسرة، وهناك حالة أشبه بالنفور من كل ما يرتبط بمؤسسة الزواج، على مستوى الفهم والتثقيف والرغبة.
عندما يغيب التثقيف الأسري للأبناء قبيل الإقدام على خطوة الزواج يحدث التقليد الأعمى من الابن لأبيه، ومن الفتاة لأمها
ولا تكترث الحكومة كثيرا بالمشكلة وتداعياتها النفسية على الشباب، وبدلا من ابتكار حلول لمشاكل يمكن أن تواجهها الأسرة الجديدة، مثل حل أزمات السكن والدخل وتوفير فرص التوظيف والتمكين الاقتصادي، توحي بأن أزمة الأجيال الجديدة تحتاج إلى حلول نفسية وتأهيل سلوكي لمواجهة مشاكل افتراضية يمكن أن تقع ويمكن ألا تحدث.
اكتفت الحكومة بالترويج الإعلامي لنتائج الدورات التأهيلية بأن شريحة ليست بالقليلة من الشباب والفتيات تنظر إلى الزواج على أنه عادة مرتبطة بالتقاليد والأعراف، وليس شراكة وإنجابا ومواجهة صعوبات الحياة بالتضحية، وهناك من يميل إلى إنهاء العلاقة إذا غابت عنها الرفاهية، في ظل وجود حالة من الأمية الزوجية.
في محاولة لإبعاد الحكومة عن مشكلات الشباب، يروج مسؤولون أن الزواج دون الحصول على المعرفة الكافية بالعلاقة الزوجية وإدارة الحياة مع الشريكة بمرونة يقود إلى تعدد الخلافات وتضخيمها سريعا ولو كانت المشكلة تتأسس على تصرف بسيط من أحدهما، وتصبح النتيجة وقوع الطلاق المبكر في السنوات الأولى من الزواج، فبعض حديثي الزواج ينفصلون بعد أشهر لدوافع قد يصعب تصديقها.
انسحبت الحكومة بشكل شبه كامل من دعم المقبلين على الزواج ماديا، ما كانت له ارتدادات نفسية عليهم، جعلتهم لا يُبالون بالتثقيف المبكر قبل بدء مرحلة بناء أسرة، لاعتقادهم أنهم مهما كانوا أكثر جدية ورغبة في الزواج سوف يواجهون منغصات معيشية تجلب إليهم انتكاسات قد تهدم كيان الأسرة.
أمام هموم أرباب الأسر وانشغالهم بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المادية، لم يعد لديهم الحافز أو الوقت للقيام بدور توعوي للأبناء حول أبجديات العلاقة الزوجية، كنوع من الإرشاد المرتبط بالهدف الحقيقي بعيدا عن التناسل، حيث ينهمك الأب والأم في البحث عن موارد مالية لتلبية احتياجات العائلة، أمام الضغوط والأعباء التي تسببت فيها الحكومة، وأصبح الحديث داخل كل أسرة عن الماديات قبل التربية.
عندما يغيب التثقيف الأسري للأبناء قبيل الإقدام على خطوة الزواج يحدث التقليد الأعمى من الابن لأبيه، ومن الفتاة لأمها، وتطبيق تجاربهم التزاما بتقاليد الماضي وأعرافه من دون اكتراث بالمتغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية عموما، ليتم توريث الأمية الزوجية والجهل بالحد الأدنى من المعرفة بأبجديات تكوين أسرة مستقرة، فكريا وثقافيا ونفسيا وعاطفيا، وما قد يترتب على ذلك من طلاق حتمي.
يرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن تثقيف شباب اليوم بسبل مواجهة تحديات الحياة الزوجية يبدأ من دعمه ماديا قبل تعريفه بأسباب وأهداف العلاقة المعنوية، لأن الحفاظ على شراكة راسخة يصعب هدمها مع أول مشكلة لن يتحقق بسهولة في ظل الضغوط المعيشية الحاصلة، والمادة أصبحت تسبق الوعي.
والمشكلة أن الأجيال الحالية تأتي فكرتها عن الزواج من ثقافة الآباء والأجداد، مع أن التحديات والمشكلات التي تواجه الأزواج المعاصرين تختلف عن تلك التي اصطدم بها أرباب الأسر في الماضي، أيّ أنهم صاروا غير مؤهلين لدخول العلاقة من الأساس، لافتقادهم الحد الأدنى من الخبرات والمهارات اللازمة التي تجعلهم يعبرون الصعاب بلا منغصات، ومع أول مشكلة تدخل العلاقة في نفق مظلم ينتهي بالانفصال.
قال الاستشاري الأسري المتخصص في العلاقات الأسرية علاء الغندور إن مشكلة الأزواج المعاصرين أنهم يدخلون العلاقة وهم مثقلون بالهموم ولديهم أفكار مغلوطة عن الحياة الزوجية، نتيجة عدم قيام الأبوين بدورهما في التوعية والإرشاد والتأهيل المبكر، وتكون النتيجة أن الشاب أو الفتاة يحصلان على معارف ومعلومات عن مؤسسة الزواج من دائرة المعارف والأصدقاء والبيئة المحيطة، وغالبا لا تكون صالحة للتطبيق الناجح.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مشكلة الكثير من الأسر أنها تتعامل مع أبنائها باعتبارهم يعرفون كل شيء عن العلاقة الزوجية، وكأنهم عاشوا وتربوا داخل أسرة بها زوجان وأولاد، مع أن هناك نصائح وإرشادات ومعارف يحتاجها الشباب لدعمه نفسيا وسلوكيا قبل دخول العلاقة، وسيكون من الصعب الاقتناع بها بعيدا عن الأسرة نفسها، وتكون الخطورة الأكبر عندما تُهمل العائلة في تربية أبنائها ما يُغذي جهلهم بأهداف الزواج.
وتتعالى أصوات بعض المختصين في التربية منادية بضرورة أن يكون للمؤسسات التعليمية دور فاعل في توسيع مدارك المراهقين والشباب تجاه الأساليب الصحيحة للزواج وتكوين أسرة ناجحة، لأن ذلك يعوض إهمال الكثير من العائلات لتوعية أبنائها ويجعلهم مؤهلين بشكل علمي تربوي يعالج الخلل المعرفي لديهم حول أسس العلاقة الزوجية، ويحصنهم من الاستسلام لطقوس عائلية عن الزواج لم يجن منها المجتمع سوى ارتفاع معدلات الطلاق.
وتكمن المشكلة في أن أغلب العائلات غير مؤهلة للتعاطي مع أزماتها الداخلية بشكل عقلاني، ما ينعكس سلبا على أفكار ومفاهيم الأبناء تجاه العلاقة الزوجية، وقد يصابون باليأس والإحباط وعدم الرغبة في تكوين أسرة أو الاستسلام لمعتقدات الآباء في تسيير العلاقة، وهو ما يؤسس لأفكار كثيرة مغلوطة عن مؤسسة الزواج، وتتملك شخصياتهم تجارب غير سلمية ولا تربوية ولا تتسق كليا مع متطلبات الحياة الأسرية السوية.
كما أن الحكومة لديها توجهات لتكريس التوعية قبل الزواج عبر مبادرات تأهيل متعددة، لكن تلك الجهود تقتصر على النصح والإرشاد دون أن يشعر الشباب ببارقة أمل تجعله يقبل على الزواج بلا هموم ومسؤوليات تفوق قدرته على التحمل، وهي إشكالية تتجاهلها الحكومة وتفترض دائما أن العلاج نفسي فقط من دون إدراك أنه يصعب على شاب مثقل بالديون أن يؤسس أسرة مستقرة ولو امتلك مفاتيح الوعي.
المصدر: العرب