“ليلة المخاض” .. قصص قاسية لتجارب الولادة في غزة !

روان الخطيب- "كنت أتمنى ألاّ يأتي المخاض والحرب مستمرة، بالرغم من أنها ولادتي الرابعة، فالحمل والولادة في زمن الحرب أصبح كابوسًا خطيرا لا يمكن وصفه." تلك هي أمنية الأم آلاء عايش (30 عاما) من مدينة رفح كما هي أٌمنية الكثير من النساء الحوامل بقطاع غزة الذي يشهد حرب إبادة منذ 6 أشهر.

تقول آلاء عايش وهي أم لأربعة اطفال اليوم : “عندما بدأت الحرب كنت في الشهر السادس من الحمل، كان الخوف يزداد كلما تقدمت بي أيام الحمل ولا تتوقف الحرب، دائماً أتخيل أن الحرب ستنتهي قبل أن يبدأ مخاضي … عبثاً لم يتحقق ذلك وعندما دخلت الشهر الأخير تعبت نفسيتي واكتئبت، هذه ولادتي الرابعة ولكن خوفي على طفلتي داخل أحشائي كان الأكبر، ماذا لو لم أستطع الذهاب إلى المستشفى؟، ماذا لو حدثت الولادة على الأرض كما كانت النساء يخبرنني بذلك؟”

ليلة المخاض

تقول : “قبل أن يبدأ المخاض ذهبت لعيادة متخصصة للنساء والولادة وأخبرتني أن وضعي الصحي والجنين مستقران، ذهبتُ للبيت وأنا مطمئنة نوعاً ما، وفي قرابة الساعة الحادية عشر من مساء يوم الخميس ۱۸ يناير ۲۰۲۴ بدأت آلام المخاض، وكانت تزداد الآلام سريعاً حينها كان زوجي وأخي يحاولون الاتصال بإسعاف لكن لم ينجح ذلك بسبب سوء شبكة الاتصال.”

وبعد ساعتين من الانتظار بالبيت خرج الجنين من أحشائي، حملت طفلتي بيدي وأنا أصرخ من خوفي وأبكي هل حدث شيء سيء؟، أحضر أخي أدوات التمريض كونه يدرس هذا التخصص وقطع الحبل السري، وظل يراقب صحتي وصحة الطفلة التي أسميتها مسك خوفاً من حدوث أي نزيف أو مضاعفات أخرى، وبعد مرور نصف ساعة كانت عائلتي قد أحضرت سيارة خاصة لنقلي إلى المستشفى، في ظل الخوف الشديد الذي سيطر على الجميع حيث تزامن خروجنا من البيت بقصف قريب من مكاننا، ذهبت للمستشفى وهناك تلقيت بعض الخدمات الطبية وأجروا فحوصات عدة للتأكد من سلامة الطفلة.

وتقول عايش إن الوضع الذي تمر به السيدة بعد الولادة أصعب بكثير من آلام مخاضها، لا يوجد أكل صحي تعوض به ما خسره جسمها في عملية الولادة، لا مياه صالحة للشرب ولا حتى مسكن لآلامها، حتى أدنى مقومات الحياة معدومة في ظل استمرار الحرب.

ولادة داخل الخيام ..

يقول د. حيدر أبو سنيمة المدير الطبي في مستشفى الهلال الإماراتي في رفح، إن أغلب حالات الولادة من كافة مناطق قطاع غزة تتم في مستشفى الهلال الإماراتي في مدينة رفح، في ظل النقص الشديد في عدد الطواقم الطبية والمستلزمات الطبية وأسرة المرضى.

ويضيف المستشفى صغير وسعته السريرية لا تتجاوز ۴۰ سريراً، وكل يوم يستقبل ۷۰ حالة ولادة طبيعية و۲۵ حالة ولادة قيصرية، بينما يتعامل قسم الاستقبال يومياً مع ما يقارب ۴۰۰ حالة، ما أدى لإجراء العديد من حالات الولادة على الأرض وفي غاية الصعوبة.

ويضيف أن السيدات الحوامل يجدن صعوبة في الوصول إلى المستشفى، مما يؤدي لولادتهن داخل الخيام أو مراكز النزوح أو في بيوتهن، ونتج عنه وفيات بين الأطفال حديثي الولادة ومعاناة النساء والمواليد من أمراض عديدة.

يوضح د. أبوسنيمة أن الاحتلال يتعمد استهداف المنظومة الطبية، ونجح في تحطيم النظام الصحي الذي يربط مستشفيات القطاع ببعضها البعض، إضافة إلى قلة المستلزمات الطبية بسبب الحصار ومنع دخولها للقطاع.

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، فقد شهد قطاع غزة ولادة أكثر من ۲۰ ألف طفل منذ بداية الحرب، غالبيتهم بمراكز الإيواء وسط ظروف صعبة للغاية، في ظل خروج معظم المستشفيات عن الخدمة.

وفي مكان مجاور لمسكن الأم آلاء عايش تستذكر النازحة حنان حسان من بيت حانون، بألم وحسرة كبيرة ودموعها تملأ عينيها يوم ولادة طفلها الثاني، هذه الولادة بظروفها الصعبة في ظل قصف متواصل على محافظة بيت حانون، شعرت بخوفٍ لم تعرف مصدره من قوة القصف الإسرائيلي العشوائي أما أن آلامها التي بلغت ذروتها لتضع جنينها ؟ ذلك الجنين الذي طالما حلمت هي ووالده بوجوده بينهما وكيف سيستقبلونه وماذا سيعدون له من مستلزمات، تحولت تلك الأحلام إلى رماد بعد بدء حرب الإبادة على قطاع غزة.

تمسح دموعها بيدها وتكمل ” وضعت طفلي بصحة جيدة رغم الامكانيات الصحية التي تكاد أن تكون معدومة في ظل الحصار الذي فرضه الاحتلال على مدينة غزة وشمالها”، وبعد ولادتها بيومين طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي منهم مغادرة شمال مدينة غزة والاتجاه نحو جنوب القطاع لتبدأ معاناة أخرى.

نزحت حسان مع عائلتها للجنوب رغم قسوته عليها لم يأخذوا إلا أشياء بسيطة، لكي يستطيعوا قطع مسافات طويلة في ظل انعدام المواصلات، إضافة إلى عمليات تفتيش الاحتلال للأغراض المصحوبة معهم، كان قلقها الأكبر عند رؤيتها للاحتلال باعتقال بعض النساء والرجال أن يتم اعتقال أحد أفراد عائلتها وخاصة زوجها، “بعدما تجاوزت نقطة التفتيش التابعة للجيش نطقت الشهادتين وسحبت شهيقا ملأ رئتيها برائحة البارود وغبار الردم والقصف” على حد وصفها.

ظنت أن نزوحها نجاة وحياة وأمان لها ولأطفالها، وصلت إلى مركز إيواء في مدينة رفح لم تجد به مقومات الحياة الأساسية، ولا حتى شيء يناسب طفل لم يتجاوز عمره أسبوع، تحدثت وعينيها حمراوتان من حرارة دموعها “بدأ الطفل يصاب بنزلات البرد الواحدة تلو الأخرى، وفقد وزنه تدريجيا، في كل مرة نذهب إلى نقطة طبية تابعة لمركز الإيواء -يقولوا لنا أن الطفل سليم-، كانت إحدى النساء تعطيني من الملابس الثقيلة الخاصة بأطفالها لكي أدفئه بها”.

وتضيف حنان ” كنت دائماً أحمله بين ذراعيّ خوفاً عليه من الجراثيم أو الأمراض المنتشرة في مركز الإيواء بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب أو للاستخدام الآدمي، وفي لحظة استهداف مسجد وأرض زراعية ومنزل في محيط مركز الإيواء، استنشقنا جميعنا الغبار والدخان لكن الطفل بعمره الذي لم يتجاوز ۴۰ يوماً وجسمه الصغير لم يتحمل ذلك فأخذ يسعل كثيراً، ذهبنا به للنقطة الطبية مرة أخرى وقالت الممرضة أن الطفل سليم بعد فحصه، وفي اليوم التالي استيقظت صباحاً وكان الطفل جثة هامدة”.

وأنهت حديثها أن الإمكانيات الطبية المحدودة المقدمة في مراكز الإيواء وإهمال بعض الأطباء للحالات المرضية إضافة إلى عدم أهلية مركز الإيواء كانوا سبباً في فقدان حياة طفلي.

إيواء يحتاج إلى إيواء

وبدورها أكدت شكرية شعت أخصائية نفسية في إحدى مراكز الإيواء في رفح، أن مركز الإيواء لا يصلح للسيدات الحوامل والمنجبات حديثاً من ضيق المكان واكتظاظ أسر عديدة، حيث في كل غرفة هناك ۲۰ سيدة، مما يولد شعور عدم الراحة عندهن في الجلوس والنوم.

وتضيف أن “في ظل نقص الموارد الأساسية للاستخدام الآدمي كالماء والعلاج والملابس والأغطية، تم توفير طرود مساعدة بسيطة جداً، حيث لم تُقدم لهن الفيتامينات اللازمة لرعايتهن”، موضحةً أن الطرود تحتوي على ديتول ومعطر وأوراق وبعض الأدوات الصحية للاستعمال الشخصي وإضافة إلى حفاظات الأطفال.

وتوضح شعت معاناة النساء من انعدام الخصوصية وصعوبة استخدام الحمام، حيث الحمامات تعتبر مشتركة لجميع النازحين، إضافة إلى أن هناك مهددات لحياتهن وحياة المواليد في ظل برود الجو وقلة الامكانيات اللازمة كالأغطية والمفروشات، وأيضاً قلة المياه أدت لانعدام النظافة الشخصية والعامة ما فاقم مشكلة انتشار الأمراض والأوبئة وسط النازحين.

المصدر:نساء FM