اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
لطالما تناولت الدراما المصرية قضايا اجتماعية حساسة مثل الإدمان وحضانة الأطفال وحقوق المرأة، إلا أن موضوع الاعتداءات الجنسية على الأطفال بقي خطاً أحمر، لما يمثله من تهديد لقيم مجتمعية ترتكز على مفاهيم “الشرف” و”الصمت العائلي”.
يروي المسلسل، الذي تؤدي بطولته الممثلة أمينة خليل بدور “نيللي”، قصة امرأة تصطدم بجدار من الإنكار حين تكتشف أن ابن زوجها “يوسف” (يجسده الطفل علي البيلي) تعرّض للتحرش على يد صديق مقرب من العائلة، أستاذ جامعي يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة. التحدي لم يكن فقط في إنقاذ الطفل، بل في الوقوف بوجه مجتمع يفضّل غض الطرف على أن يواجه الحقيقة.
اختار صناع العمل عمداً طبقة اجتماعية ميسورة، لتوفير الحد الأدنى من أدوات المقاومة كالدعم النفسي والمساندة القانونية. ولكنهم أشاروا بوضوح إلى أن معظم ضحايا هذه الجرائم، خاصة من الفئات المهمشة مثل أطفال الشوارع، لا يملكون حتى أوراقاً ثبوتية، ناهيك عن فرصهم المحدودة في نيل العدالة أو العلاج.
وبحسب إحصاءات رسمية، فإن ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن قضية مثل العنف الجنسي ضد الأطفال ليست فقط مؤلمة، بل تتضاعف مأساويتها في ظل غياب الخدمات الأساسية.
في عام ۲۰۲۴، تلقى الخط الساخن لنجدة الطفل، التابع للمجلس القومي للأمومة والطفولة، ۲۱ألف بلاغ تتعلق بأطفال في خطر، بما في ذلك حالات عنف جنسي. لكن بحسب مدير الخط صبري عثمان العدد الفعلي أكبر بكثير“، لأن كثيرا من العائلات تفضل الصمت خوفاً من الفضيحة أو التشهير.
لكن المسلسل أحدث تأثيرا فوريا، حيث سجلت منظمات مثل “اليونيسف” زيادة في المكالمات والاستفسارات بعد عرضه. إذ تؤكد سلمى الفوال، مديرة برنامج حماية الطفل في يونيسف مصر في تصريح لها لوسائل الإعلام، أن العمل فتح الباب لموجة شهادات مؤثرة شاركها ناجون عبر الإنترنت، وأعاد إشعال النقاش حول طرق الوقاية والدعم.
بل إن التأثير تجاوز الشاشات، ففي الأسبوع نفسه الذي عُرضت فيه الحلقات الأخيرة، صدر حكم بالسجن المؤبد على موظف مدرسة أدين بالتعدي على طفل في الخامسة، تزامنا مع حملة ضخمة طالبت بمحاسبته.
اختارت كاتبة العمل مريم نعوم رمز “اللام الشمسية” كمجاز عن الأشياء التي تُكتب ولا تُقال – كما هي الاعتداءات التي تتم في الخفاء من قِبل أقرب الناس. وفي مشهد مؤثر، يحفظ الطفل يوسف نشيدا مدرسيا يقول: ” اللام الشمسية. مختبئة كالسر والذنب…لام مسروقة…ليس كل ما هو مكتوب يُقال.” وترى نعوم أن ” الناس يفضلون ألا يصدقوا هذه الجرائم إذا كان مرتكبها من المقربين، لأن ذلك يهزّ أعماق ثقتهم الاجتماعية والعائلية.”
يعاقب القانون المصري مرتكبي “هتك العرض” للأطفال دون ۱۸ عاما بالسجن سبع سنوات على الأقل، وقد تصل العقوبة إلى ۲۵ سنة إذا كان الجاني صاحب سلطة. لكن المشكلة، كما تشرح المحامية هالة عبد القادر، أن “التاخر في الإبلاغ والخوف والتردد” كلها عوامل تؤثر على سير العدالة. فالكشف الطبي والطب الشرعي يتطلبان بلاغا سريعا، وهو ما لا يحدث غالبا.
أما الطفل علي البيلي، الذي أدى الدور الصعب، فقال في مقابلة صحفية إنه قبل المشاركة لأنه أراد أن يكون “صوتا للأطفال الذين لا صوت لهم”. وأضاف أن حديثه مع المخرج أقنعه بأن العمل سيشجع ضحايا العنف على الكلام والمواجهة.
أثبت هذا العمل الدرامي أنه شرارة لتحريك مياه راكدة، وكسر محظورات رسّخت ثقافة الصمت لعقود. لقد فتح نافذة على واقع قاس لا يُشفى منه إلا بالصدق، بالوعي، وبالشجاعة.
المصدر: مونت كارلو الدولیة