اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يترك العدوان الإسرائيلي على فطاع غزة آثاراً كارثية على مختلف شرائح الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم النساء، على اعتبار أنهن الفئة الأكثر تضرراً إلى جانب الأطفال من تداعيات الحرب المتواصلة. وتسببت سياسة التهجير القسري التي اتبعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في نزوح مليوني فلسطيني، أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء، في وقت تغيب فيه أدنى درجات الاستقرار والخصوصية.
وأدى نزوح الفلسطينيين من بيوتهم التي تم تدميرها أو اضطروا إلى تركها على وقع الاستهدافات والأحزمة النارية إلى خسارتهم مختلف المتطلبات المنزلية، والتي تلزم النساء لأداء مهامهن اليومية، الأمر الذي دفعهن إلى التوجه نحو البدائل الصعبة، والتي تتطلب المزيد من الوقت والجهد.
تقول الفلسطينية إيمان أبو عجوة، وهي من حي الدرج، شرقي مدينة غزة، إنها أجبرت على النزوح مع زوجها وأسرتها عدة مرات داخل المدينة، قبل أن يتوجهوا نحو المحافظات الجنوبية والوسطى، وتوضح لـ”العربي الجديد”، أن النزوح لم يكن أقل قسوة من الأوضاع الخطيرة التي كانت تعيشها مع أسرتها، إذ يستمر الشعور بالخطر نتيجة القصف الإسرائيلي في مختلف الأماكن، علاوة على نقص مختلف مقومات الحياة. رغم إعلان أنها مناطق (إنسانية آمنة)، إلا أنها لا تتمتع بالأمان ولا بأي من معاني الإنسانية. أنا مضطرة إلى بذل مزيد من الجهد بمساعدة ابنتي سلمى (۱۱ سنة)، لإنجاز المهام اليومية، مثل تنظيف الخيمة، وإشعال النار لطهي الطعام، وصناعة الخبز، وجلي الأواني بطرق بدائية”.
وتحوّلت حياة النساء في غزة إلى تعب متواصل جراء فقدان مختلف الأجهزة الكهربائية المساعدة في عملهن بفعل النزوح والانقطاع التام للتيار الكهربائي، ما أدى إلى اضطرارهن للتوجه نحو الغسيل وصناعة الخبز وطهي الطعام يدوياً من دون أي أدوات مساعدة قد تخفف عنهن أعباء العناية اليومية بالعائلات، الأمر الذي يضاعف الإرهاق اليومي المترافق مع الشعور الدائم بالقلق وعدم الراحة.
تشكو الفلسطينية سعاد مهاوش من آلام شديدة في الظهر جراء الإرهاق اليومي في ظل أوضاع نفسية ومعيشية غاية في السوء. تقول لـ”العربي الجديد”: “لم نذق طعم الراحة منذ اليوم الأول للنزوح مجبرين من بيوتنا ومناطقنا السكنية نحو مناطق تفتقر إلى كل شيء. الروتين اليومي اختلف بالنسبة لكافة أفراد الأسرة، إذ اعتدت على تجهيز أطفالي للمدارس ورياض الأطفال، فيما يتوجه زوجها إلى فتح المحل التجاري الخاص به. الآن، فقدنا بيتنا الآمن بكل ما فيه، وخسر زوجي مصدر رزقه الوحيد، وبتنا نعيش معاناة يومية لتوفير لقمة تبقينا على قيد الحياة”.
وتشير مهاوش إلى اختلاف الروتين اليومي الخاص بتجهيز الطعام، إذ تفتقر حياة النزوح إلى الأجهزة الكهربائية والأدوات التي كانت تعينها على قضاء مهامها بوقت وجهد أقل، الأمر الذي تسبب في زيادة آلام ظهرها، في حين لا تتمكن من إيجاد الأدوية أو المسكنات، كما تجد صعوبة إضافية في تنظيف الثياب والأدوات بسبب النقص الشديد في المياه ومواد التنظيف، وضيق الخيمة التي باتت غرفة معيشة ومطبخ، فيما لا تكفي المساحة التي تم تخصيصها لإقامة حمام صغير، لغسل الأطفال بأريحية.
ويؤثّر التغيير الكامل في الحياة اليومية بشكل سلبي ومباشر على النساء، اللواتي يجبرن على الانتقال من منطقة إلى أخرى، ما يخلق صعوبات تحول بينهن وبين إنجاز العديد من المهام لعدم تعودهن على حياة النزوح، أو أماكن الأسواق والعيادات والمرافق الصحية أو المؤسسات المجتمعية والإنسانية.
تنقلت الفلسطينية سومة عويمر بين عدد من مراكز ومدارس الإيواء بفعل التكدس الشديد وانعدام الخصوصية، وصولاً إلى البقاء في خيمة حصل عليها زوجها من إحدى المؤسسات الدولية بالقرب من شاطئ بحر مدينة دير البلح، وهي لا تتسع لأسرتها المكونة من سته أفراد، وبالكاد تستطيع أداء مهامها اليومية فيها.
توضح عويمر لـ”العربي الجديد”، أن “حياة النزوح لا تلبي متطلبات جميع أفراد الأسر الفلسطينية، وتعتبر النساء الأكثر تضرراً. نجهز في كل مكان نزوح مكاناً صغيراً لإعداد الطعام وصناعة الخبز، وحماماً صغيراً. استبدال البيوت المريحة بأماكن نزوح غير ملائمة وغير مجهزة أمر مرهق جسدياً ومادياً. من المرهق جداً استبدال الغسالة بالغسيل يدوياً في ظل الأجواء الباردة، إلى جانب عدم القدرة على حفظ الطعام بفعل عدم وجود ثلاجة أو كهرباء”.
وتبين صعوبة الحياة داخل خيمة تفتقر إلى أي قطعة أثاث، حيث تضطر إلى وضع ملابس جميع أفراد الأسرة داخل أكياس بلاستيكية لعدم وجود خزانات، كما أن الأواني مكدسة بعضها فوق بعض، وإلى جانبها الفراش والأغطية، والبقوليات والمعلبات بفعل ضيق المكان.
من ناحيتها، تشير الفلسطينية أمينة عبد الباري إلى إن ثلاثة عشر شهراً لم تكن كفيلة بالتأقلم مع الأوضاع القاسية للنزوح، سواء التنقل الإجباري تحت خطر القصف والاستهداف، أو الجوع والحرمان الذي أصابهم من جراء شح المواد الغذائية، علاوة على شح الأدوية والفيتامينات الخاصة بطفلها محمد (۱۳ سنة) الذي يعاني من ضمور في العضلات وبطء في النمو.
تقول عبد الباري لـ”العربي الجديد”: “قبل الحرب، كنا نعاني من التأثيرات السلبية للحصار الإسرائيلي، وعدم قدرتنا على توفير الأدوات المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن العدوان جاء ليضاعف تلك المعاناة بفعل الإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول الأدوية والمستهلكات الطبية، علاوة على تدمير المستشفيات ومراكز الرعاية والتأهيل. العدوان ضاعف حجم الأعباء الملقاة على الأمهات، خصوصاً العناية بالأطفال، إضافة إلى صعوبات تحضير الطعام، والتنظيف في ظل النقص الشديد في مختلف المواد والمتطلبات الأساسية، أو تضاعف أسعارها عشرات المرات”.
وتلفت إلى المساهمة الأساسية لسوء الأوضاع الاقتصادية في غزة في تضاعف حجم المأساة، خصوصاً في ظل فقدان زوجها مصدر دخله الوحيد، وعدم قدرته على سحب ما تبقى من مدخراته في البنك بسبب الزيادة الكبيرة في نسبة الفائدة، والتي باتت تزيد عن ربع المبلغ المطلوب صرفه، الأمر الذي يعقد الواقع المعقد أصلاً، ويساهم في تعميق حالة الحرمان والعوز.
وكان للنساء النصيب الأكبر من المعاناة الناتجة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر مع غزة منذ بداية العدوان، وتشديد ذلك الحصار بعد السيطرة الكاملة على معبر رفح، جنوبي القطاع، مطلع شهر مايو/ أيار الماضي، إذ أدى إلى اختفاء معظم المواد الأساسية، مثل مواد التنظيف، ومستلزمات الطهي، والملابس والأحذية، والمواد الغذائية.
المصدر: العربي الجديد