اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
هنا تكمن إشكالية جوهرية في التربية المعاصرة بمجتمعاتنا؛ إذ يختزل بعض الآباء مفهوم التربية في إشباع الحاجات المادية. ويتناسى كثيرون أن الطفل كائن وجداني واجتماعي، يحتاج إلى الحنان كما يحتاج إلى الغذاء، وكما يحتاج إلى التعليم، يحتاج إلى الأمان العاطفي.
المؤسف أن أساليب التربية التقليدية في كثير من البيوت العربية لا تزال تعيد إنتاج أنماط سلطوية وقاسية. فالطفل يعاقَب على براءته، ويلام على إخفاقاته، ويحرَم من الحنان بحجة تربيته على القوة
من السهل أن توفر لطفلك مأكلا ومأوى، لكن الأصعب أن تربيه على نفسية سليمة. وهذا يتطلب وعيا وجهدا، وآباء أصحاء نفسيا، لا أغنياء ماديا فقط.
وحسب “جون بولبي”، فإن الطفل الذي يحظى بعلاقة آمنة وداعمة مع والديه يطور قدرة أعلى على الثقة بالآخرين، وتنظيم انفعالاته، ومواجهة تحديات الحياة. وعلى النقيض، فإن غياب هذا التعلق الآمن يخلق فجوة نفسية قد ترافق الفرد مدى الحياة، مهما بلغ مستواه التعليمي أو المادي.
المؤسف أن أساليب التربية التقليدية في كثير من البيوت العربية لا تزال تعيد إنتاج أنماط سلطوية وقاسية. فالطفل يعاقَب على براءته، ويلام على إخفاقاته، ويحرَم من الحنان بحجة تربيته على القوة.
هذه الممارسات لا تنشئ شخصيات قوية، بل تبني أفرادا مثقلين بـ”الندوب النفسية” التي قد تتوارث عبر الأجيال. فالأسرة، بوصفها الوكيل الأول للتنشئة، مسؤولة عن تزويد الطفل ليس فقط بالمهارات المعرفية والأكاديمية، بل أيضا بالقدرة على التعبير عن ذاته، وإقامة علاقة صحية معها.
إن إصلاح الخلل التربوي في مجتمعاتنا يتطلب وعيا بأن بناء الإنسان عملية شاملة، تجمع بين الغذاء للجسد والغذاء للروح، وبين المعرفة الأكاديمية والمهارات العاطفية
إن التربية الحقيقية لا تقاس بكمية الشهادات التي يحملها الطفل، ولا بنظافة ملابسه. بل تقاس بقدرته على الحب، وعلى الثقة، وعلى أن يعيش ذاته دون خوف.
وهذا لن يتحقق برفاهية العيش أو جودة التعليم وحدهما، بل يبدأ من داخل البيت: من حضن سابق للوم، وكلمة طيبة قبل التوجيه، وفهم قبل الحكم.
إن إصلاح الخلل التربوي في مجتمعاتنا يتطلب وعيا بأن بناء الإنسان عملية شاملة، تجمع بين الغذاء للجسد والغذاء للروح، وبين المعرفة الأكاديمية والمهارات العاطفية.
فإن لم ندرك أن العاطفة ليست ترفا، بل حاجة نفسية أساسية، فسنظل نربي أجسادا متعلمة وأرواحا جائعة.
الجزيرة