اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
سرعان ما ابتعد عنّي زوجي بعد اكتشاف ورم في صدري، وصار يتجنب الأكل معي على المائدة، ويتحجج للنوم بعيداً عنّي، وحين توالت مصاريف علاجي، سلّم الدكان لصاحبه وهرب إلى حيث لا أعلم”؛ تقول جميلة الوحيشي (۴۰ عاما)، التي تقطن في حي شعبي بتونس العاصمة، وهي تروي ما حصل معها بعد هجر زوجها لها، وتركها تواجه قدرها برفقة طفلين.
وتضيف الوحيشي في حديثها لـ”العرب”، “كنا نعيش بشكل بسيط، إذ كان لزوجي دكان بقالة، وكنا نستأجر شقةً صغيرةً في الحي نفسه، ونعيش باستقرار إلى أن أصابني ورم سرطاني في صدري، وتوالت زياراتي إلى المستشفى وكثرت الوصفات الطبية، فهرب بحجة أنه لا يستطيع العيش مع امرأة بثدي واحد”.
وسألت الوحيشي عن زوجها كثيراً، لكن من دون أن تنجح في الوصول إلى خبر عنه، إلى أن أخبرها أحد أصدقائه بأنه سمع منه سابقاً عن رغبته في الهجرة وبدء حياة جديدة هناك. فلم تعد تأبه لحاله، فقد تركها وهي في أمسّ الحاجة إلى الدعم المعنوي والمادي، “شهور طويلة من الكراء لم أدفع ثمنها بعد، ومصاريف العلاج بعضها من الجمعيات وأخرى من المحسنين”؛ تسترسل الوحيشي في حديثها، مشيرةً إلى أنها عاشت لمدة سنتين على أمل أن يتراجع عن قراره ويعود إلى أطفاله، لكن دون جدوى، مما دفعها لطلب الطلاق عن طريق المحكمة، كي لا يترسخ في داخلها شعور الرفض والهجر وتركها للمرض ومسؤولية الأطفال.
وقد تلخص هذه الواقعة مقولة أن الزوج يعرف عند مرض زوجته وأن دوره مهمّ للغاية في تقديم الرعاية الجسدية والنفسية لها. ومن واجبه إذا مرضت زوجته أن يتحمّل مسؤولية العناية بها على أكمل وجه، لكن ما يحدث هو العكس..خذلان وهجران وقسوة.
صدمة الفقد تؤثر على الزوجة ويتضاعف شعور الألم عندها إن كانت مريضةً، لكن الزوجة المتروكة قد تكتسب الصمود والصلابة النفسية
بدورها تتحدث فوزية السلطاني عن مرارة إحساسها لمّا تركها زوجها بسبب المرض، إذ تقول فوزية (۴۵ عاما) لـ”العرب”، “في كل المرات التي كنت أتنقل فيها من محافظة الكاف إلى تونس العاصمة كنت أتنقل بمفردي.لم يكن زوجي يرغب في مرافقتي خوفا من أن يتحمل مصاريف التنقل والعلاج.. كنت أعرف ذلك لكنني لم أقدر على مصارحته حتى لا يزداد إحساسي بالدونية.. ولمّا بقيت في المستشفى أشهرا طويلة بسبب العلاج الكيميائي أعلم الجيران أنني على فراش الموت وأن أيامي باتت معدودة. ولما عدت بعد ذلك صدم الجميع.. وحين يئس من موتي خبأ دفتر العلاج حتى لا أتمكن من مواصلة العلاج”. وتضيف أن كل ما يتمناه أن تموت حتى يبدأ حياته من جديد مع أخرى.
ولم تكن هندة بن ظافر، من الهوارية، وهي أم لثلاثة أبناء، أحسن حظا من سابقاتها فقد تركها زوجها بعد ۲۷ عاما من الزواج وتخلى عنها بمجرد إصابتها بسرطان الثدي. فقد تغيرت معاملته وأصبح ينام في غرفة مستقلة ويتجنب البقاء معها في الغرفة نفسها ويفتعل المشاكل لأتفه الأسباب. تقول لـ”العرب”، ” لم أتخيل يوماً أن يكون قاسي القلب وناكرا للجميل إلى هذا الحد. بعد ۲۷ عاماً من الزواج، تنكّر لي بمجرد مرضي”. وتضيف أنها اضطرت إلى العمل على الرغم من مرضها لإعالة أبنائها، خصوصاً أنهم في سن المراهقة.
وتؤكد رئيسة جمعية مرضى السرطان روضة زروق أن هؤلاء لا يمثلون جميع الأزواج، حيث هناك فئة تكون خير عون للنساء في مرضهن، وفئة تتخلى عن الشريك بمجرد المرض. وتضيف أن ذلك يرتبط بأسباب عدة، وهي أن الشريك غير مناسب وعادة ما يكون المرض مجرد حجة لطلب الطلاق. وتلفت إلى أنّ “عقلية البعض للأسف قائمة على الجحود وعدم قبول مرض الطرف الآخر”، مشيرة إلى أن القانون أحياناً غير منصف للمريضات، خصوصاً في مثل هذه الحالات، ويخوّل للأزواج طلب الطلاق للضرر، وهذا غير مقبول إنسانياً واجتماعياً، ولا بد من العمل على تنقيحه”، مشيرة إلى أن الجمعية تتكفل بعدد من مريضات السرطان وتؤمن لهن طبيباً نفسياً ومحامياً، وقد ساعدتهن على نيل حقوقهن في النفقة والسكن.
في السياق ذاته، يؤكد الباحث في علم النفس الاجتماعي محمد حبيب أن “المرض ليس مبرراً لتخلي الزوج عن زوجته، لكن للأسف هناك عدد كبير من الرجال ممن يتخلون عن زوجاتهم لهذا السبب، والعكس غير صحيح، إذ أن الرجل إن مرض يجد زوجته بجانبه”، مشيراً إلى أن “صدمة الفقد بطبيعة الحال تؤثر على الزوجة ويتضاعف شعور الألم عندها إن كانت مريضةً، لكن الزوجة المتروكة قد تكتسب الصمود والصلابة النفسية، فقد يكون هذا التخلي رغم مرارته مفتاحها للعودة من جديد إلى صحة أفضل”.
واجب الزوج إذا مرضت زوجته يُعَدّ أحد أهمّ الأدوار التي يجب أن يؤدّيها بصدقٍ وحبّ
وأكدت دراسة نُشرت عام ۲۰۱۹ أن احتمالية انفصال المرأة أو طلاقها تزداد بنسبة ستة أضعاف بعد تشخيص إصابتها بالسرطان أو التصلب المتعدد مقارنة بمرض الرجل. وتوصلت الدراسة إلى هذه النتيجة عندما فحصت الدور الذي يلعبه الجنس في ما يسمى “هجر الشريك”. ووجدت أيضا أنه كلما طالت فترة الزواج زادت احتمالية صموده أمام المرض. في السياق ذاته، أشارت دراسة أخرى إلى أن معدل الطلاق أو الانفصال الإجمالي بين مرضى السرطان يصل إلى ۱۱٫۶ في المئة. ومع ذلك، فوجئ الباحثون بالاختلاف في معدلات الانفصال والطلاق حسب الجنس، كانت النسبة عندما تكون المرأة مريضة ۲۰٫۸ في المئة، مقابل ۲٫۹ في المئة عندما يكون الرجل مريضا.
وحول الدوافع التي تجعل بعض الأزواج يتركون زوجاتهم بسبب المرض تتعلق عند البعض بشكل مؤسف حسب الأخصائية النفسية منيرة النمر بأمور مادية وعدم الرغبة من قبل الزوج بالتضحية بصرف المزيد من المال من أجل علاج زوجته، ويعتبر بعض الأزواج وبتفكير سلبي وغير إنساني أن مريض السرطان لا يتعافي وإهدار المال من أجل علاج السرطان لا فائدة منه ومن هذا المنطلق جعل بعضهم ذلك مبررًا للتخلي عن الزوجة المصابة بالسرطان.
وأكدت النمر أن بعض أزواج النساء المصابات بالسرطان تخلوا عن زوجاتهم أو طلقوهن وهذا حسب النمر “يتسبب بتدهور كبير في حالة المريضة وقد يعجّل بوفاتها”.
وحول أهمية وجود دعم نفسي للنساء المصابات بمرضي السرطان تقول الأخصائية النفسية منيرة النمر “إن الأسرة الداعمه لمريضة السرطان تقلل الإجهاد النفسي عليها وتساعدها على التعافي”.
وتضيف أن فقدان المريض بالسرطان لدعم من هم قريبون منه في كل شيء من حيث الرعاية ووجودهم بجواره يعني تدهور الجانب النفسي له وفقدانه للأمل وشعوره باليأس وقرب الموت، ويؤثر سلبًا على تطور العلاج وفعاليته.
وأشارت النمر إلى”أنه يجب تغيير نفسية المريض بتقبل فكرة المرض وأنه متغير من متغيرات الحياة، وبث روح الأمل للمريض بدلًا من تفكيره بالأسوأ” ويتم ذلك حسب النمر بوجود شبكة دعم اجتماعي لمريض السرطان لمساعدته للخروج من إطار الانغلاق واليأس من خلال إخراجه من جو المرض بالأنشطة المختلفة التي تجعل المريض لا ينشغل بالتفكير في المرض حسب تعبيرها.
ولفتت النمر إلى أنها لاحظت أن مريض السرطان الذي لديه استعداد للعلاج والتفاعل بشكل إيجابي مع العلاج يتماثل للشفاء حسب تعبيرها عندما يكون وضعه النفسي طبيعيا وهذا يتحقق بوجود سند نفسي للمريض من أسرته.
ويمكن أن تؤدي إصابة أحد طرفي العلاقة بمرض خطير إلى ظهور عدم المساواة بين الجنسين بصورة صادمة، فقد نشرت الجمعية الأميركية للعلوم الاجتماعية، عام ۲۰۱۵، دراسة عن تأثير الصحة والتقاعد على العلاقات الزوجية، تتبّع خلالها الباحثون ۲۷۰۱ علاقة، ليكشفوا عن أن ۶ في المئة فقط من العلاقات الزوجية تنتهي بالطلاق في حالة مرض أحد الطرفين.
لكن الدراسة أثبتت أيضا أن معظم حالات الطلاق تلك وقعت بقرار من الزوج لتضرره من مرض الزوجة. وأكدت دراسة سابقة لمعهد الصحة الأميركية أن أقوى مؤشر على الانفصال عن الشخص المريض هو ما إذا كان الشخص المريض امرأة أم لا، فالرجال أكثر عرضة ۷ مرات لترك شريكاتهم إذا أصابهن المرض.
وتختلف الأسباب الخاصة بقبول النساء الاضطلاع بالدور الأكبر عند وجوب التضحية، من الحب، إلى حكم الآخرين عليهن إذا رفضن، أو الشعور بالذنب.
ويُعَدّ واجب الزوج إذا مرضت زوجته أحد أهمّ الأدوار التي يجب أن يؤدّيها بصدقٍ وحبّ. فهو لا يعكس فقط الالتزام الزوجي ولكنه يمثل أيضًا التجسيد الحقيقي للعلاقة العاطفيّة والإنسانيّة بين الشريكين. فالعلاقة الزوجيّة ليست مجرّد عقد بين طرفين، بل هي شراكة تقوم على التعاون والمودّة، وتمرّ بالعديد من المواقف التي تختبر قوّة هذه الشراكة.
المصدر: العرب