“أنا هنا… لا تنسوني” ..صرخة نهام من قلب الألم في مستشفى ناصر

في ركن هادئ داخل مستشفى ناصر التي تتنفس الألم بصمت، تقيم الشابة نهام فرج الله، ابنة الثالثة والعشرين من عمرها، التي تجسد في تفاصيل حياتها حكاية مأساوية تفيض بالصبر والإيمان. بين الجدران الحارة وغياب الإمكانيات، تحمل نهام أكثر مما تحتمل أجساد الأصحاء، فتغدو قصتها صوتًا لا يجب أن يُهمَل.

منذ أن كانت في الثالثة عشرة، بدأ مرض السكري يضع بصمته الثقيلة على حياتها. وعلى مدى عشر سنوات، تزايدت المضاعفات حتى فقدت البصر في عينها اليسرى، وتعرضت أعصاب قدمها للتلف، ما أفقدها جزءًا من قدرتها على المشي. وبالإضافة إلى ذلك، تعاني من تضخم بالكلى، مشاكل في الغضروف، شد عضلي متكرر، وغيبوبات بسبب نقص التغذية.

ورغم تلقيها بعض العلاجات، إلا أن نهام لا تحصل على الرعاية الكاملة، ما يفاقم معاناتها اليومية. تقول وهي تحبس تنهيدة الألم: “أتلقى بعض الأدوية، لكن العلاج الكامل ما يزال بعيدًا عني.”

نهام لا تستخدم كرسيًا متحركًا لكنها  تمشي بصعوبة ، وتبيت وحيدة داخل المستشفى بعدما تحملت مسؤولية كونها الكبيرة بين إخوتها. شقيقتها الصغرى تتحمل عبء إعالة والدتهن في ظل ظروف النزوح، فيما تواجه نهام وحدها واقعًا يصعب احتماله دون سند دائم.

أبسط الاحتياجات الغذائية أصبحت أمنيات بعيدة. تقول نهام إن أكثر ما تتمناه هو قطعة خبز وصحن بندورة وبعض الخضار. فالتغذية غير كافية، وسوء الطعام أدى إلى تكرار الغيبوبات. وتشعر أحيانًا أن مجرد تذوق لقمة حقيقية قد يعيد لها شيئًا من الحياة التي تتآكل بهدوء.

الأمراض التي تعاني منها أثّرت بشكل كبير على نشاطها اليومي. لم تعد قادرة على العمل أو الحركة، وتعاني من ألم مستمر وشعور بالعزلة داخل جدران لا تحمل لها سوى انتظار مجهول.

ومع كل هذا، فإن صوت نهام يخرج بثبات، يحمل في طياته طمأنينة نادرة وسط العتمة، حين تقول:

“لكل الصبايا في عمري… رغم كل شيء بتمروا فيه، ورغم المرض الي فيكم، ما تيأسوش… لأنه بإذن الله الشفاء، وإحنا صابرين. والحمد لله ع كل شيء… ما نيأس، ونخوض مراحل حياتنا ونسعى.”

نهام لا تتحدث فقط بصوتها، بل بصوت كل فتاة مرهقة في هذا الوطن، تحلم بالعلم والحياة، وتواجه بصبر من يُحاصر أحلامها بلا رحمة.

قصتها نداءٌ للمؤسسات الإنسانية والجهات المعنية: دعم بسيط قد يصنع فرقًا كبيرًا. فهي واحدة من آلاف يعيشون خلف الكواليس في ظلّ غياب الدعم. حالتها تستدعي تدخلاً عاجلًا، بدءًا من توفير الغذاء والرعاية، وصولًا إلى علاج منتظم ومستوى مناسب من الراحة النفسية.

تحلم نهام، إن تحسنت حالتها، أن تعود لتلاوة القرآن، وأن تذهب في جولة تسوق بسيطة، تشعر فيها أنها ما زالت قادرة على التنفس خارج الجدران البيضاء. لا تطلب معجزات، فقط أن يراها العالم، ويسمع صوتها الخافت وهو يهمس: “أنا هنا… لا تنسوني.”

نساء FM