اتساع الفارق في مستوى التمدرس بين الجنسين في تونس

كشفت نتائج التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 أن نسبة التمدرس ترتفع إلى 79.2 في المئة لدى الفئة التي تتراوح أعمارها من 6 إلى 24 سنة، مؤكدة أن نسبة التمدرس لدى الإناث تفوق نظيرتها لدى الذكور.

ففي حين تتقارب نسبة التمدرس حسب الجنس في الفئة العمرية من ۶ إلى ۱۱ سنة، حيث تبلغ ۹۸٫۳ في المئة لدى الإناث و۹۸٫۱ في المئة لدى الذكور، إلا أنها تُظهر فارقًا في الفئة العمرية من ۶ إلى ۱۴ سنة، حيث تصل نسبة التمدرس لدى الإناث إلى ۹۷٫۹ في المئة، مقابل ۹۶٫۹ في المئة لدى الذكور.

ثم يتسع الفارق في مستوى التمدرس بين الجنسين، بوصول نسبة التمدرس إلى ۹۶٫۸ في المئة لدى الإناث مقابل ۹۳٫۳ في المئة لدى الذكور في الفئة العمرية من ۶ إلى ۱۶ سنة.

كما أفاد تقرير مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) لسنة ۲۰۲۴ بأن نسبة الارتقاء الدراسي لدى الفتيات تفوق نسبة الارتقاء لدى الفتيان في المراحل التعليمية الثلاث: الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهو ما يمكن تفسيره بتأثير البيئة الاجتماعية وطرق التنشئة.

وبيّن التقرير أن نسبة التمدرس الصافية للفئة العمرية ۱۱ – ۱۶ سنة قاربت ۱۰۰ في المئة، ما يعكس نجاح السياسات التعليمية التي انتهجتها تونس منذ الاستقلال. ويعتبر هذا الرقم مؤشرًا إيجابيًا على تحقيق هدف تعميم التعليم.

نسبة التمدرس ۹۶٫۸ في المئة لدى الإناث مقابل ۹۳٫۳ في المئة لدى الذكور في الفئة العمرية من ۶ إلى ۱۶ سنة

وتتصدر الفتيات في تونس قائمات الناجحين المتميّزين على المستوى الوطني وعلى المستوى الجهوي. كذلك تسير نتائج امتحانات الباكالوريا (الثانوية العامة) نحو “التأنيث”، مع تسجيل تفوّق واضح للإناث على الذكور في أعلى معدّلات شهادات الباكالوريا، بالإضافة إلى حلول التلميذات في المراتب الأولى على صعيد الجهات.

ففي دورة ۲۰۲۲ كانت نسبة نجاح الإناث ۶۱٫۴۹ في المئة في مقابل ۳۸٫۵۱ في المئة من الذكور، وهو ما يمكن التأكّد منه بحسب الاختصاصات الدراسية أيضاً. فنسبة النجاح مرتفعة في اختصاص الآداب بنسبة ۸۳٫۰۲ في المئة للفتيات مقابل ۱۶٫۹۸ في المئة للفتيان. وفي اختصاص الرياضيات أتت النسبة أعلى. ونجحت الفتيات بنسبة ۵۴٫۳۸ في المئة مقابل ۴۵٫۶۲ في المئة للفتيان. وفي العلوم التجريبية سُجّلت ۷۷٫۴۴ في المئة للإناث مقابل ۲۲٫۵۶ في المئة للذكور، وفي الاقتصاد والتصرّف ۶۵٫۹۵ في المئة للفتيات مقابل ۳۴٫۰۵ في المئة للفتيان.

وبحسب الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات محرز الدريسي فإنّ “الظاهرة قديمة وتجاوزت نسب التدريس نحو التفوّق في عدة مجالات أخرى.” وأضاف أنّ “ارتفاع نسبة تمدرس الفتيات هو نتيجة عراقة تدريس التونسيات منذ بداية القرن العشرين، إذ تأسّست أوّل مدرسة خاصة بهنّ سنة ۱۹۰۰، وتَواصَل الاهتمام باستثمار دولة الاستقلال في التعليم (التعميم، والإجبارية، والمجانية) بالنسبة إلى الفتيان والفتيات من دون تمييز، كما انخرطت العائلات في أولوية مشروع تعليم الأبناء من الجنسَين. لهذا تُمثّل فئة الفتيات أكثر من نصف التلاميذ المرسّمين بمؤسسات التعليم المدرسي.” كما أنّ “أعداد المتمدرسين من الإناث أعلى من الذكور في المرحلة الثانية من التعليم الأساسي والتعليم الثانوي. وبهذه النسب التي تتجاوز ۵۰ في المئة، تكون تونس قد حقّقت الهدف الخامس من أهداف داكار المنبثقة عن المؤتمر العالمي حول التربية سنة ۲۰۰۰، وهو الذي أقرّ القضاء على التفاوت بين الجنسَين في التعليمَين الابتدائي والثانوي.”

وأكّد الدريسي خلال أشغال منتدى “المدرسة والتحوّلات” الذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس عام ۲۰۲۳، وناقش تميّز الفتيات في مجال الدراسة، أنّ المؤشّرات المرتفعة تتجاوز مسألة التمدرس، إذ تبرز إحصاءات وزارة التربية تفوّق الإناث على الذكور وتميّزهنّ في أغلب المستويات الدراسية، وأنّهنّ يحقّقنَ نسبة نجاح أفضل مما يسجّله الذكور في الامتحانات الوطنية.

وأوضح أنّ “ثمّة عوامل نفسية لتميّز الإناث. فانطلاقاً من التنشئة الأسرية والمجتمعية وسط شعور بالضيم، يأتي هذا التفوّق محاولة لكي تبرز الفتيات أنّهنّ قادرات على تقديم الإضافة،” مشيراً إلى أنّ “جزءاً من الثقة في النفس تُستمَدّ من هذا التفوّق والنتائج الإيجابية.” كما أكد الدريسي أنّ “هذا يفسّر نوعاً ما الحرص على التفوّق، وهو أمر إيجابي في جانب منه،” في حين لفت إلى “جانب خطر وهو أنّ هذا التفوّق يقابله تسرّب للذكور وفشل كثيرين منهم. وهو ما يدعو سلطة الإشراف (على التعليم) إلى النظر في هذا التميّز الذي قد يخلق تفاوتاً يؤثّر على المنظومة التعليمية.”

تونس تسجّل اليوم نسبة ۶۶ في المئة من الإناث من مجموع الطلبة في الجامعة التونسية، إذ بلغ متوسط نسبة الطالبات في مجال العلوم ۶۲ في المئة، ووصل إلى حدود ۷۳ في المئة في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية

بدوره أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير أن تونس تقطف ثمار الآثار الإيجابية للسياسات المتبعة منذ الاستقلال لضمان استباقي لنفاذ الفتيات إلى المدرسة والسّلم الاجتماعي القائم على الجدارة.

وأضاف الوزير في كلمته الافتراضية خلال مشاركته في أشغال المنتدى العالمي لليونسكو المنتظم بباريس عام ۲۰۲۳ ، في إطار الاحتفال بالذكرى الـ۲۵ لبرنامج “لوريال-اليونسكو” لفائدة النساء في مجال العلوم، أنّ تونس منذ استقلالها كانت سبّاقة في اعتماد خيارات تقدّمية وجريئة قائمة على الحقّ العالمي في النفاذ إلى التعليم وتعزيز حقوق المرأة.

ونوّه بأنّ تونس تعيش تحوّلا مجتمعيا هائلا باعتبار ما أصبحت تشهده الأسر التونسية من ارتفاع في مستوى التعليم بين الإناث مقارنة بالذكور، وهو توجّه يترسّخ بشدة مع ارتفاع نسبة الإناث المسجّلات في مؤسسات التعليم العالي التونسي.

وذكّر بأنّ تونس تسجّل اليوم نسبة ۶۶ في المئة من الإناث من مجموع الطلبة في الجامعة التونسية، إذ بلغ متوسط نسبة الطالبات في مجال العلوم ۶۲ في المئة، ووصل إلى حدود ۷۳ في المئة في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية، كما تمثّل الإناث نسبة ۴۸ في المئة من الطلبة في مجال الهندسة والصناعات الإنتاجية والبناء.

وأضاف أن الجامعات التونسية تسجل أداء أفضل للإناث، إذ أن ۷۰ في المئة من الخريّجين هم من الإناث.

كما أن عدد الأطباء الإناث في تونس يفوق عدد الأطباء الذكور، وتمثل الإناث الأغلبية من بين خريّجي الدكتوراه في الصحة والعلوم الاجتماعية والاقتصادية والتصرّف والقانون.

العرب