اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وُلدت رجاء في الرابع من أبريل عام ۱۹۹۹ بحي التفاح شرق مدينة غزة، وعاشت كما أبناء القطاع الذين شقّوا طريقهم بالإرادة رغم الحصار والحروب. درست “الدعوة والإعلام” في الجامعة الإسلامية بغزة، فجمعت بين الإيمان والكلمة، لتكون صوتًا نقيًا ينقل الحقيقة، وصورة تلامس القلوب قبل العيون.
تميّزت بموهبة فطرية في الإلقاء والتقديم والعرافة، وكان حضورها يترك انطباعًا قويًا أينما ظهرت. لم تكتفِ بالإعلام التقليدي، بل برعت في إدارة المحتوى الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، وقدّمت دورات تدريبية في التصوير باستخدام الهاتف المحمول، نقلت من خلالها خبرتها لشباب وفتيات طموحين، دعمتهم بوقتها وجهدها لتساعدهم على صناعة واقع أجمل.
تقول رسمية حسونة، زوجة شقيقها الأكبر ياسر الذي لحق بها بعد أربعة أيام من استشهادها: “كانت رجاء روح البيت وسعادته. عندما دخلت إلى حياتنا كانت صغيرة، محبة للتعلم، لا تعتمد على أحد، مجتهدة في كل ما تقوم به. خلال دراستها الثانوية حفظت نصف القرآن، وكانت تقول إن حفظه سرّ تفوقها. وبعد انتهاء العام الدراسي، أكملت حفظ القرآن الكريم بالكامل، والتحقت بالجامعة بروح مفعمة بالتفاؤل والإصرار”.
وتتابع رسمية: “كان الصغار يتعلقون بها، ينتظرون عودتها من العمل، فهي من تجمعنا دائمًا بالضحك والحديث. فقدانها صعب على الجميع، لكنها قضاء الله، ونسأله أن يجمعنا بها في الفردوس الأعلى”.
تصفها صديقتها المقربة بشرى لبد قائلة: “رجاء لم تكن مجرد صديقة، كانت رفيقة عمر ودرب طويل. جمعتنا مقاعد الدراسة، ثم جمعتنا الميادين الإعلامية. كانت ضحوكة بطبعها، تزرع الفرح حتى في أكثر الأيام قسوة. تقول دائمًا: لا شيء يعادل جبر الخواطر، وكانت تطبّق ذلك في حياتها اليومية، تساعد وتساند وتبتسم رغم وجعها”.
وتضيف بشرى: “كانت تؤمن أن الإعلام رسالة، وأن الكلمة أمانة، فلم تفوّت دورة أو تدريبًا يقربها من حلمها. شغفها كان وقودها، وطموحها لا سقف له. في جلساتنا الأسبوعية كانت أكثرنا تفاؤلًا، تشعل حماسنا وتداوي خيباتنا. رحلت رجاء، لكنّ صوتها ما زال يهمس في دواخلنا: ابتسموا وواصلوا، فالحياة لا تتوقف، والحلم لا يموت”.
تقول إسراء فروانة، رئيس فريق “سنابل” الذي كانت تعمل فيه الشهيدة رجاء حسونة خلال الإبادة: “رجاء كان لها أسلوب حواري مميز، وطلة مريحة وجذابة أمام الكاميرا. كانت مثابرة، ذكية، وجدعة بكل معنى الكلمة، متفانية في عملها بشكل لافت، وملتزمة بوقتها ولا تتأخر أبدًا. كانت دائمًا حريصة على أن تصل المساعدة للناس، حتى لو نسيت أنا، تذكّرني. كانت دائمًا تجلب لي الأفكار، تبادر وتشارك وتدفعني للأمام. وجودها كان طاقة دعم وإلهام خلال العمل”.
عرفها كل من حولها بضحكتها الصادقة، تلك التي “تُرى وتُسمع”، كما وصفها أصدقاؤها. كانت ضحكتها بصمة تملأ المكان دفئًا، وعدستها شاهدًا على الحياة في غزة، لا على الحرب وحدها. كانت تبحث عن الضوء في أحلك الزوايا، وتزرع الأمل في الوجوه المنهكة من الحصار.
في أبريل ۲۰۲۵، ارتدت رجاء فستان زفافها الأبيض، وبدأت مع زوجها حياة حلمت بها طويلًا، لكن الحرب سرقت الحلم سريعًا. في لحظة إنسانية خالصة، كانت توزّع الماء على النازحين العطشى في ميناء غزة، حين استهدفتهم آلة الحرب الإسرائيلية بلا تمييز، فاستشهدت رجاء إلى جانب زوجها، تاركةً خلفها وجعًا كبيرًا في قلب كل من عرفها.
ارتقت رجاء شهيدة الكلمة والإنسانية، شهيدة الحلم الذي لم يكتمل، والضحكة التي أُطفئت برصاص الغدر، لكنها بقيت شاهدًا على ظلم لا يعرف حدودًا، وجرح لا يندمل في ذاكرة غزة.
بنفسج