“اغتصاب أمام العائلة”.. روايات مروعة لضحايا العنف الجنسي في السودان

باب صغير هو كل ما كان يفصل أم عن ابنتها التي تتعرض للاغتصاب وتصرخ طالبة النجدة، والاتهام هنا كان لاثنين من أفراد قوات الدعم السريع السودانية، حيث اعتدى أحدهما جنسيا على الابنة في غرفة بمنزلها، ووقف الآخر خارجها يهدد نساء أخريات يتوسلن لمساعدتها.

هذه الجريمة وقعت في الخرطوم، لكنها لم تكن الوحيدة بالعاصمة السودانية، بل وتكررت في مناطق أخرى، حيث حصل موقع “الحرة” على شهادات من ضحايا وذويهم ومنظمة حقوقية، كشفت وقوع انتهاكات جنسية تصل إلى حد “الاسترقاق الجنسي”، وبشكل “ممنهج”.

وكما هو الحال في الخرطوم، تشهد ولاية الجزيرة، وسط البلاد، قتالا واسعا واعتداءات ضد النساء، تُتهم فيها أيضا قوات الدعم السريع.

“أبو محمد” (اسم مستعار) هو أحد أبناء الجزيرة، الذين عاشوا المآسي المرتبطة بالجرائم الجنسية في البلد الغارق في الحرب. فخلال وجوده في منزله بإحدى قرى الولاية، سمع الرجل أصوات رصاص تقترب، وما هي إلا دقائق حتى علت أصوات جلبة كبيرة في الخارج، ثم اقتحم منزله عدد من المسلحين.

حاول أبو محمد، الذي طلب عدم الكشف عن هويته،  الاحتماء مع أسرته المكونة من فتاة وولدين، لكن سارع بعض المسلحين وطالبوه بإحضار الذهب والأموال وفتشوا المنزل بطريقة عشوائية.

وبصوت حزين، قال الرجل لموقع “الحرة”، إنه أكد لهم عدم امتلاكه أي أموال أو ذهب، مما أغضب المسلحين الذين باشروا بالاعتداء عليه بأعقاب البنادق، ليعقبها تهديد بالاعتداء على ابنته.

حينما رفض أبو محمد التهديد، قيدوه واعتدوا جنسياً على ابنته، وبعدها غادروا وتركوه مربوطا هو وبقية أفراد أسرته.

مآس تتكرر

تحدثت رئيسة مركز مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، سليمة إسحق، بشكل مفصل لموقع “الحرة”، عن معاناة المرأة السودانية بسبب الحرب الدائرة منذ أبريل ۲۰۲۳، وكشفت عن شهادتين لناجيات من العنف الجنسي على يد قوات الدعم السريع.

سردت إسحق للحرة تفاصيل الشهادتين، موضحة أن الأولى وقعت في يونيو ۲۰۲۳ لشابة عمرها ۲۴ عاما، والثانية تعرضت لها شابة في الـ۲۷ من العمر، في سبتمبر من العام الماضي.

في الواقعة المروعة الأولى، “تجمعت نساء في منزل بالخرطوم للاحتماء، وكن من الأقارب والمعارف، وفي حوالي الساعة التاسعة صباحا، اقتحمت قوات من الدعم السريع المنزل، وقاموا بتفتيش المنزل”، وفق إسحاق.

وأضافت: “دخل مقاتلان بكامل عتادهم إلى المنزل وطلبا من النساء الاصطفاف وإحضار الذهب والأموال. ثم طلب أحدهما من الضحية إحضار هاتفها، قبل أن يقتادها نحو غرفة في المنزل ويغلق الباب”، حسب شهادة الناجية التي نقلتها إسحق لموقع الحرة.

“أما المسلح الآخر فوقف أمام الغرفة يهدد النساء الأخريات، ومن بينهن أم الفتاة التي أخذت تتوسل إليه بأن يتركوا ابنتها، التي كانت تصرخ في الغرفة وتتعرض لضرب شديد”.

قالت إسحق إن الشابة روت لها تفاصيل ما حدث، بالقول: “كلما استغث زاد الاعتداء وقال (المسلح) لا أحب كثرة الحديث”، وأضافت أنه دفع الضحية نحو السرير وبدأ في اغتصابها.

واستطردت الناجية حديثها الذي نقلته إسحاق، بالقول إنها “أصيبت بهستيريا، فكانت تسمع صوت صراخها خلال الاغتصاب ولا تدري ما يحدث بالفعل”. ثم خرج المسلحان وهددا الأسرة بأنه ستكون هناك “مرة مقبلة إذا تحدث أحد عما جرى”.

وفي الشهادة الثانية للناجية من الاعتداء الذي حدث في سبتمبر ۲۰۲۳، “اقتحمت قوات من الدعم السريع أحد منازل الخرطوم، وبينما كانت الشابة في غرفتها، دخل عليها أحد الجنود واعتدى عليها وبدأ في اغتصابها”.

قالت إسحق إن الشابة لم تجد ما تفعله سوى الاستنجاد بالله، فكانت تقول “يا لطيف”، لكن كلما قالتها كان الرجل يعتدي عليها بعنف أكبر، وقال لها عبارات مثل “أنتم من الخرطوم ما مشكلتكم؟”، في إشارة إلى أن سيدات العاصمة أكثر تفتحًا، وقال أيضًا: “هل لا نعجبكم لأننا من القبائل؟”.

“وصمة عار” تعيق العدالة

ووفق لموقع الحر الذي التقى ة بـ۳ من ذوي ضحايا الاغتصاب، لكنهم رفضوا الإدلاء بإفادات بداعي الخوف من وصمة العار داخل المجتمع، وهو أمر وفق مختصين في رصد الانتهاكات، يصعّب من عملية حصر الضحايا، مما يفقد النساء والفتيات المغتصبات حقوقهن في التقاضي والظفر بالعدالة.

وقالت إسحاق إن الشابة في الخرطوم “تعرضت للاغتصاب أمام أسرتها وداخل منزلها وفي منطقتها التي تربت ولعبت فيها وهي صغيرة، وبعد خروج الأسرة بالكامل نازحة إلى الولاية الشمالية، أكدت أنها لا تفكر في العودة، فكيف ستلتقي الناس وتنظر إلى أعينهم بعدما عرف الجميع ما حدث لها؟”.

وأضافت: “أما أمها فتعيش بذنب أنها لم تتمكن من الدفاع عن ابنتها أمام كل ما عانته”.

وترى المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي “صيحة”، أن الشعور بالعار “يعيق الإجراءات القانونية التي تتطلب فتح بلاغ جنائي بقسم الشرطة.

اعتداءات “ممنهجة”

وقالت إسحاق إن النساء بشكل عام يدفعن ثمن الحرب من التشريد والنزوح وفقدان الأمن والأمان، موضحة أن المركز “وثّق أكثر من ۳۰۰ حالة اغتصاب جنسي”، وذلك دون إضافة تحديثات الاعتداءات التي حدثت في ولاية الجزيرة خلال الأيام الأخيرة.

وأوضحت أيضًا أن العدد “لا يتجاوز ۲ بالمئة من الرقم الحقيقي”، لأسباب كثيرة أبرزها “استمرار الحرب، وعدم توفر المعلومات، وعدم تمكن النساء من الوصول إلى الخدمات التي يقدمها المركز”.

وأوضحت أن “۴۸ حالة من الذين وثقهم المركز تحت ۱۸ عاما، من بينهم طفلة في السادسة من العمر”، مستطردة: “فقدنا ۳ ضحايا بسبب نزيف ناجم عن الاغتصاب الجماعي، وعدم قدرتهن على للحصول على الخدمات الصحية اللازمة. حالة منهن هذا العام وحالتين العام الماضي”.

كما وصفت الجرائم الجنسية ضد النساء بأنها “منظمة وتتكرر بنمط متشابه في الخرطوم والجزيرة ودارفور ومناطق أخرى”، متهمة الدعم السريع بـ”ارتكاب نحو ۹۸ بالمئة من تلك الجرائم، لأن سيطرتهم الميدانية كانت أكبر واستخدموا العنف الجنسي كجزء من التكتيك الحربي”.

وتابعت: “الجرائم التي ارتكبوها لم تحدث في مناطق مواجهة مثل ارتكازات أمنية مثلا، بل كانت هناك نية لديهم لارتكابها عندما توجهوا إلى المنازل”، مستطردة: “للأسف ما حدث هو أن المسلحين يقتحمون المنازل، حيث تجتمع النساء فقط في مكان واحد للشعور بالأمان”.

وأوضحت أنهم (في المركز) يواجهون صعوبة بالغة في التوثيق، وبشكل أكبر في ولاية الجزيرة، فمع أول اجتياح للدعم السريع في ديسمبر، “كانت هناك ۲۶ حالة موثقة لجرائم جنسية، أصغر ضحاياها في السادسة من العمر، فيما رفضت الكثيرات ممن تعرضن لتلك الجرائم، التعامل مع المركز أو حتى الحصول على الخدمات الصحية”.

وعللت إسحاق ذلك بالقول: “مجتمع الجزيرة شديد المحافظة والصرامة”، وذلك رغم أن بعض الحالات كانت تحتاج تدخلات منقذة للحياة.

اتهام أممي ونفي من الدعم السريع

وتنفي قوات الدعم السريع بشكل متكرر الاتهامات المنسوبة إلى عناصرها. وقال مستشار قائدها، الباشا طبيق، في تصريحات لموقع “الحرة”، إن الحديث عن حدوث حالات اعتداء جنسي وعمليات اغتصاب جماعي هو “غير صحيح”.


واتهم من وصفهم بـ”الفلول والكيزان” (أنصار الحركة الإسلامية)، بإدارة “حملة إعلامية ممنهجة وشرسة لإدانة قوات الدعم السريع”.

كما قال طبيق إن “المواطن بالنسبة لهم خط أحمر، وأي اعتداء عليه مرفوض”، مضيفا أن “لديهم لجان تحقيق” تتولى متابعة هذه الأمور، و”قوات لحماية المدنيين ومحاربة الظواهر السلبية”.

وتابع: “لدينا تحقيقات ومحاكمات ميدانية للعناصر، في حال ورود أي اتهامات لهم”.

وذكر تقرير أممي، الشهر الماضي، أن قوات الدعم السريع “مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع” أثناء تقدمها في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك “الاغتصاب الجماعي وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي”.

وأصدرت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان تقريرا مفصلا، سلط الضوء على ضرورة حماية المدنيين.

وخلص إلى وجود “أسباب معقولة” للاعتقاد بأن الأفعال المرتكبة ضدهم “ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي والاضطهاد على أسس عرقية وجنسانية متقاطعة”.

وقالت منسق الحماية والطوارئ بالمبادرة، عادلة أبو بكر، لموقع “الحرة”، أنه “في حالات الحمل غير المرغوب فيه نتيجة للاغتصاب، تكون مسألة التبليغ في أقسام الشرطة مهمة لتلقي العلاج الطبي والمتابعة الطبية في حالات الولادة أو الإجهاض، لكن العائق دائما هو أن الضحية لا رغبة لديها في القيام بذلك، خوفا من الذهاب لقسم الشرطة والوصمة الاجتماعية التي يمكن أن تتعرض لها”.

وكشف تقرير بعثة تقصي الحقائق الأممية أيضا، أن ضحايا العنف الجنسي وأفراد عائلاتهم في السودان، يعانون بشدة من الوصمات الاجتماعية ولوم الضحية والشعور بالعار.

أداة في الصراع

ترى منظمات حقوقية أن حالات الاغتصاب الجماعي من أكثر الانتهاكات انتشاراً، إذ قالت أبو بكر إنهم “وثقوا أكثر من ۲۵۰ حالة اعتداء جنسي مرتبط بالنزاع، من بينها حالات حمل غير مرغوب فيه وحالات اغتصاب لأطفال تحت سن ۱۸ عاما”.

وأوضحت أن الاغتصاب الجماعي “من أكثر الانتهاكات انتشارا، إضافة لحالات الاختطاف، والزواج القسري، والاستعباد الجنسي، والابتزاز الجنسي، والإساءة والتحرش الجنسي”.

كما أشارت إلى أن الانتهاكات الموجهة ضد النساء “وصلت إلى حد الإخفاء القسري والقتل”.

من جانبها، رأت إسحق أن الاعتداء الجنسي ضد النساء “يتم استخدامه في حرب السودان كأداة من أدوات الصراع، وكتكتيك، وليس مسألة اعتباطية أو حوادث فردية، إنما هو سلوك جمعي ممنهج، تحت مبررات الأيدولوجيا أو جزء من التطهير العرقي”.

وفي ذات السياق، قال تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، إن “العديد من الضحايا استهدفوا على أساس انتمائهم العرقي الفعلي أو المُفترض، حتى تعرضوا للضرب أحيانا باستخدام العصي، أو للجَلد”.

احتياجات طبية ونفسية

أوضح التقرير الأممي أن ضحايا الاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى يعانون ليحصلوا على الرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي، لأن العديد من المرافق الطبية “دُمرت أو نُهبت أو احتُلت من قبل الأطراف المتحاربة”.

وذكرت “صيحة” أن المرحلة الأولى في علاج الضحايا، تتطلب “إعطاءهن البرتوكول الوقائي خلال ۷۲ ساعة، الذي يشمل موانع الحمل، ومضادات الأمراض المنقولة جنسيا”، مشددة على أهمية هذه المرحلة، بحيث تخفف الآثار الجسدية الناتجة عن الاغتصاب.

وقالت منسقة الحماية بالمبادرة، إنه في بعض الأحيان “تقوم القوات المنتهكة بالتردد على الضحايا وتكرار الجرائم، وأحيانا يتم ارتكاب جرائم أفظع من المرة الأولى، كما أن نقل الضحية إلى مكان آمن يخفف من الصدمة التي تعيشها في نفس المكان الذي وقعت فيه الجريمة”.

كما أشارت إلى أن الدعم النفسي المستمر لضحايا العنف الجنسي وأسرهن “سيساعد في التقليل من الصدمات وحالات الانتحار، وكذلك بالتخفيف من الوصمة التي تحدث للضحايا بسبب الانتهاك الذي وقع عليهن، إضافة لمساعدة الأسر على تقبل بناتهن ومساعدتهن لتجاوز المرحلة الصعبة التي يمررن بها”.

واندلعت المعارك في السودان منتصف أبريل ۲۰۲۳ بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.

وخلّفت الحرب عشرات آلاف القتلى وشرّدت أكثر من ۱۱ مليون شخص من بينهم ۳,۱ ملايين نزحوا خارج البلاد، حسب المنظمة الدوليّة للهجرة. وتسبّبت، وفقا للأمم المتحدة، بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.

واتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين عمدا ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وسط نفي منهما.

المصدر : الحرة