اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وقّع طرفا القتال في ۱۱ أيار/ مايو الحالي، على قواعد أخلاقية للاشتباك، شملت السماح بمرور آمن للمدنيين من مناطق الأعمال العدائية على أساس طوعي وحماية احتياجاتهم الأساسية والامتناع عن الهجمات التي تُسبب أضراراً مدنيةً، بالإضافة إلى تسهيل أنشطة المساعدة الإنسانية والإجلاء وعدم التدخل فيها، والامتناع عن الاستحواذ على المرافق الخاصة والعامة والمشافي ومنشآت المياه والكهرباء.
تبادل الطرفان الاتهامات بخرق هذه القواعد، مثلما تبادلا في أوقات سابقة اتهامات بخرق الهدنات لأغراض إنسانية، إذ لا تزال قوات الدعم السريع تحتل عدداً من المستشفيات ولا يزال الجيش يقصف مواقع مدنيةً، بجانب ارتكابهم انتهاكات أخرى.
وثّقت الجهات المعنية بدعم النساء حالات اغتصاب غالبيتها تمت على أيدي رجال الدعم السريع
قالت مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الحكومية، سليمى إسحاق، إن الوحدة وثّقت خمس حالات اغتصاب، بعضها ارتُكب بواسطة قوات الدعم السريع والبعض الآخر لم تحدد الضحايا هوية مرتكبيها، وجميعها في العاصمة الخرطوم.
وتضجّ مواقع التواصل الاجتماعي بوقوع عشرات حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي، معظمها نُسبت إلى قوات الدعم السريع، لكن سليمى إسحق، قالت لرصيف۲۲، إنها لا تستطيع التحدث -كجهة رسمية- إلا عن الحالات التي أُبلغت بها، مقرّةً بعدم وجود رصد للانتهاكات ضد النساء.
وأشارت إلى أن الوحدة تُقدّم دعماً نفسياً للضحايا عبر الهواتف ودعماً صحياً، من دون أن تستطيع تقديم دعم من نوع آخر في ظل الوضع الحالي.
ويقول أطباء في مستشفى ود مدني، إنهم يعالجون الآن حالات اغتصاب ارتُكبت على طريق الخرطوم-مدني، وهو الطريق الرئيس الذي يربط العاصمة بعدد من الولايات ويستخدمه الفارون من القتال.
وقالت الجبهة المدنية لإنهاء الحرب واستعادة الديمقراطية، وهي تجمّع لقوى مدنية تأسست بعد اندلاع القتال بين الجيش والدعم، إن هناك أنباءً تتحدث عن وجود حالات اغتصاب وتحرش جنسي في أماكن يسيطر عليها الجيش؛ وذلك قبل أن تتراجع لاحقاً وتقول إنها لم تقع في أماكن سيطرة الأخير.
وأفادت، في بيان، بأن الوقائع المرتبطة باستخدام الاغتصاب والعنف والتحرش الجنسي، تُعدّ بمثابة أفعال شنيعة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان لا يمكن تبريره أو قبوله أو التسامح معه.
ودعت الجهات الطبية والمنظمات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والنساء إلى رصد وتوثيق جميع تلك الوقائع وتجميع المعلومات المرتبطة بها، والتي تشمل الزمان والمكان والشهود على هذه الجرائم، وتعريف المتهمين بارتكابها، وأي بيانات مرتبطة بهم، كما تطلب من الجهات الدولية والإقليمية ذات الصلة والاهتمام، تقديم كل الدعم والإمكانات الممكنة في ما يتصل برصد وتوثيق هذه الجرائم وتجميع الأدلة المرتبطة بها وتحديد مرتكبيها.
وتتضاعف مأساة الاغتصاب والاعتداء الجنسي في ظل عدم القدرة على الوصول إلى المرتكبين، أو إلى المستشفيات.
ودعت الجبهة المدنية طرفي هذه الحرب، إلى إدانة جرائم الاغتصاب وإجراء تحقيق فوري وشفاف حولها والقبض على مرتكبيها ومحاسبتهم بشكل علني وإلزام المنتسبين إليها بحماية المدنيين.
وأكدت منظمة “حاضرين”، التي تنشط في تقديم العون الطبي، وقوع سبع حالات اعتداء جنسي وتعمل على التأكد من خمسة ادعاءات أخرى، جميعها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
ويقع ضرران على أي امرأة جرى الاعتداء عليها، يتعلق الأول بجرم الاعتداء نفسه، والآخر بصعوبة الوصول إلى المستشفيات في ظل استمرار القتال والقصف بالمدفعية الثقيلة وغارات الطيران الحربي، يُضاف إلى ذلك خروج ۶۰% من مشافي العاصمة الخرطوم من الخدمة، وفقاً للأمم المتحدة.
وتقول اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء إن ۶۶% من المستشفيات الأساسية المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، إذ يعمل ۵۹ مستشفى فقط من أصل ۸۹٫ ومن بين المشافي المتوقفة جرى قصف ۱۷ مستشفى وإخلاء ۲۰ قسرياً. وتشمل الانتهاكات الواقعة على المجال الطبي الاعتداء على سيارات الإسعاف وعدم السماح لها بنقل المرضى وإيصال المساعدات.
وتلاحق الفتاة المغتصَبة وصمة عار في المجتمع السوداني، ذي السمت الأبوي الذي ينظر إلى العذرية من منظار الشرف؛ ولهذا يُتوقع أن تكون حالات الاغتصاب الفعلية أكثر بكثير من المعلنة، نظراً إلى ميل غالبية الفتيات المغتصَبات إلى الصمت في ظل تحكم النظرة الذكورية.
ويُجرّم القانون السوداني اغتصاب القُصّر والبالغات، لكن المحامي علاء الدين طه، يقول لرصيف۲۲، إن حالات الاعتداء الجنسي في ظل القتال الحالي هي جرائم حرب يختلف سياقها عن الجريمة في ظل الظروف العادية، حيث أن الاغتصاب في حالة الحرب يُعدّ وسيلةً لإذلال الشعوب وكسر إرادتها.
هل تتحول أجساد النساء إلى ساحة اقتتال جديدة في السودان؟
وتتعدى انتهاكات القوّتين المتحاربين الاغتصاب، لتشمل الحق في الحياة وعدم التعرض للأذى والتشريد من المنازل، بالإضافة إلى قصف الطيران الحربي التابع للجيش مواقع مدنيةً، مثل المصانع والمنازل وإخلاء قوات الدعم السريع المواطنين من منازلهم تحت التهديد.
ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، إن القتال المندلع في السودان منذ ۱۵ نيسان/ أبريل المنصرم، أودى بحياة ۶۷۶ شخصاً وأصاب ۵،۵۷۶ آخرين، وذلك حتى ۱۱ أيار/ مايو الجاري.
وتحدث عن فرار ۹۳۶ ألف شخص من منازلهم، منهم ۲۰۰ ألف فرد عبروا إلى البلدان المجاورة للسودان. وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى إن من بين الفارين ۴۵۰ ألف طفل.
وقد فقد الـ۹۳۶ ألف شخص، حياتهم الطبيعية في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، بما في ذلك التعليم في المدارس، فيما فرّت معظم الأسر تاركةً وراءها مقتنياتها من دون وجود أمل في وجودها، عند انتهاء القتال، في ظل انعدام الأمن وانتشار النهب على نطاق واقع.
وبالنظر إلى صعوبة الوصول إلى المستشفيات، وخروج معظمها من الخدمة، فإن العدد الفعلي للقتلى والجرحى قد يكون أضعاف المؤكد، لا سيما وأن الأسر تُفضّل في ظل الوضع الحالي الإسراع في دفن القتيل تماشياً مع الشريعة الإسلامية التي يعتقد بها معظم السودانيين، والتي حثّت على الإسراع في دفن المتوفى.
وأدانت الجبهة المدنية لإيقاف الحرب، انتهاكات القصف الجوي والمدفعي للأحياء السكنية واستمرار الاشتباكات فيها، ما نتج عنه زيادة كبيرة في الخسائر وسط المدنيين بين قتلى وجرحى.
ومع عدم وجود أمل في إنهاء القتال بنحو سلمي، برغم المساعي المحلية والإقليمية والدولية، فإن السودان ساحة لانتهاكات فظيعة شملت المساس بدُور العبادة؛ وفي حال استمرار الحرب لن تتواصل الانتهاكات فقط، وإنما ستقوّض تلقائياً بقاء الدولة التي توقفت مؤسساتها العدلية تماماً منذ اندلاع القتال.
المصدر : رصیف ۲۲