اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
واختارت العالول أن تخلع قبعة البحث العلمي لتتحدث عن الجانب الإنساني وتسلط الضوء على جوانب من معاناة النساء في القطاع، فربطت ذلك بما تعانيه هي نفسها بوصفها أما لابنة مريضة -لم تتجاوز من العمر ۳ أعوام- تحتاج إلى دواء، تسبب فقدانه في إصابتها بمشاكل صحية أخرى.
وقالت إن “أفظع ما تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل خاص هو التحقيق والتفتيش العاري والاعتقال وإهانة إنسانيتها”، وذكرت أن نساء فلسطين يقمن بمهام عديدة من تربية وتوعية وتنشئة ورعاية، كما أنهن يسهمن في “مقاومة سياسة الاحتلال بالاعتكاف في المسجد الأقصى، والوقوف في مقدمة الصفوف التي تواجه مخططات التهويد”.
وتطلّب إجراء الحوار مع العالول أن يتم عبر مراحل عن طريق تطبيق “واتساب” بسبب انقطاع الكهرباء وضعف وتقطع الاتصال بالإنترنت، إضافة إلى ذلك تقول العالول “تنقلت في غزة من مكان إلى مكان هربا من القصف، وبعد ذلك انتقلت إلى جنوب القطاع إلى مدينة خان يونس بحثا عن الأمان، وبعد دخول الاحتلال إلى خان يونس انتقلت إلى مدينة رفح، وتنقلت في رفح لأكثر من مكان، وطبعا حياتنا في خيام”.
يذكر أن إسلام شحدة العالول نالت وسام “امرأة فلسطين لعام ۲۰۲۲” في المجال التطوعي في قطاع غزة، ولها عدة كتب، أهمها “التطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري ومستمر” (۲۰۲۳)، و”نظام الأبارتايد في دولة الاحتلال راهنا وجنوب أفريقيا سابقا وسبل مناهضته” (۲۰۲۱)، و”محطات فاصلة في تاريخ فلسطين القديم والحديث” (۲۰۱۹).
وفي ما يلي نص الحوار مع الباحثة الفلسطينية:
المرأة الفلسطينية هي مصنع الرجال ومربية الأجيال، فهي أم الشهيد وزوجة الشهيد وابنة الشهيد وأخت الشهيد. المرأة الغزية خاصة -والفلسطينية عامة- لا تدفع ابنها لمقاومة المحتل فقط، بل تقاوم بفكرها وبتربيتها وبنشرها الوعي بين الأجيال الصاعدة. ولا ننسى المرأة الشهيدة التي نفذت أعمالا فدائية ضد المحتل، فهي لم تنل الشهادة فقط، بل روت تراب وطنها بدمها، وقدمت نموذجا لمن حولها وزلزلت كيان المحتل الصهيوني.
ورغم أدوار المرأة الفلسطينية المهمة في التربية والتوعية والتنشئة والرعاية، فإنها تقوم بأعباء أخرى كثيرة، لعل أبرزها مقاومة سياسة الاحتلال بالاعتكاف في المسجد الأقصى، والوقوف في مقدمة الصفوف التي تواجه مخططات التهويد، من دون أن ننسى ما تتعرض له من معاملة مسيئة لكرامة البشر لدى تنديدها بجرائم الاحتلال من اعتقال وهدم بيوت وغيرهما من الجرائم.
كما لا ننسى المرأة الأسيرة التي شاركت في أعمال مقاومة، وأيضا هناك المرأة التي رفضت التخابر مع المحتل مقابل سفر للعلاج هي في أمسّ الحاجة إليه.
إن المرأة، مثل الرجل والطفل وكبار السن، جزء من مجتمع كامل يتعرض لجرائم التخويف والإرهاب والقتل، لكن أفظع ما تتعرض له المرأة الفلسطينية بشكل خاص هو التحقيق والتفتيش العاري والاعتقال وإهانة إنسانيتها.
اسمحوا لي بأن يكون حديثي عن المعاناة الإنسانية للمرأة الفلسطينية في قطاع غزة على شكل جمل مركزة ومختصرة لعلّها أن تصف مظاهر الإبادة الجماعية التي تمارس على الشعب الغزي خاصة:
رغم هذه المآسي والجرائم والمعاناة، فمن خلال معايشتي للناس في الواقع الحالي يتبين لنا أن الشعب الغزي لديه قدرة عالية على صناعة الحياة، والتأقلم السريع مع الواقع المتغير.
قامت المرأة في البلدان العربية والإسلامية وحتى في الدول الغربية بأدوار مهمة في دعم المرأة الفلسطينية ودعم صمود أهل قطاع غزة، سواء عبر جمع التبرعات، أو المشاركة في الحشد وفي المظاهرات المناهضة لجرائم الاحتلال الصهيوني ونصرة لأهلنا في غزة.
وقد تابعنا كلنا من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الدور الكبير والبارز للمرأة المكمل لدور الرجل في نشر ثقافة المقاطعة للاحتلال، ولم يقتصر ذلك الدور على المرأة والرجل العاديين، بل شارك فيه المثقف والأكاديمي والسياسي الحر وغيرهم.
لكن يبقى هذا الدور الذي تقوم به على أهميته محدودا ويفتقر لخطة إستراتيجية واضحة تضمن الاستمرارية وعدم الموسمية.
ما تقوم به المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال وجرائمه اللاإنسانية قد يكون أكبر رسالة للعالم كله وليس للنساء وحدهن، لكن هناك رسائل خاصة يمكن توجيهها للمرأة خارج فلسطين، سأقتصر على ذكر بعضها في نقاط:
هناك فروق كبيرة وكثيرة سواء على مستوى معاناة الفلسطينيين، أو الفعل والأداء المقاوم أو حتى على صعيد الإجرام الصهيوني المتنامي، ولكن أذكر أهمها بشكل مختصر:
حركة حماس ليست مبنى تنتهي بهدمه، ولا أشخاصا باغتيالهم تنتهي الحركة، بل “حماس” فكرة متغلغلة في الشعب الفلسطيني، فهي منه وإليه، لكنها تتطور باستمرار، ويمكن أن تخرج “حماس” غدا بشكل جديد، وربما حتى باسم جديد.
من الصعوبة أن تنتهي المقاومة أو يتم القضاء عليها، ولو تم تقويض المقاومة لأيام أو أسابيع وحتى شهور، ستتعافى مع مرور الوقت وترجع للقيام بدورها في إمداد شرايين فلسطين بالحياة والاستقلال عن الاحتلال.
كل مخططات الاحتلال بإنهاء المقاومة ستبوء بالفشل، لأن زيادة الإجرام ستزيد دافعية المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وسينشأ جيل يريد أن ينتقم.
إن إجرام الاحتلال الإسرائيلي سيجعل أبناء قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وفلسطين عامة متمسكين بحق الآباء في أرضهم، ولن ينسوا أن هذا العدو الصهيوني مجرم، ومارس التطهير العرقي بحقهم منذ عام ۱۹۴۷ وحتى اليوم.
ومن المعلوم بالضرورة أن شعب فلسطين تفرقه أشياء كثيرة ولكن تجمعه المقاومة، ولن يزول هذا الشعور حتى تحرير آخر بقعة من أرض فلسطين.
التطهير العرقي بمفهومه لا يعني إبادة شعب بالكامل، لكن يعني استخدام كل أشكال العنف العسكري والبيروقراطي من أجل تقليص نسبة الفلسطينيين قدر المستطاع داخل الحدود التاريخية لأرض فلسطين.
فمنذ عام ۱۹۴۸، يرغب الصهاينة في الحصول على “أرض بلا شعب”، أو في أسوأ الأحوال على أقلية فلسطينية راضخة منزوعة الأملاك تقوم بخدمة اليهود كعمال وفلاحين. وعلى مدى سنوات، تغيرت الخطط الصهيونية وتبدلت، ولكن لم تفلح في إفراغ فلسطين من أبنائها ومواطنيها الأصليين.
في حرب “طوفان الأقصى” استخدم الاحتلال مجموعة من أشكال الإجرام بشكل مخطط لإفراغ قطاع غزة من أهله في مقدمةٍ لإفراغ الضفة الغربية أيضا من أهلها، ومن أبرز هذه الأشكال:
كل ذلك وغيره يهدف إلى تدمير قطاع غزة وجعله مكانا غير صالح للعيش فيه، ويتوقع الاحتلال أنه إذا وجد الفلسطيني في القطاع نفسه فجأة في مدينة مدمرة، ولا يوجد لديه بيت ولا أموال ولا حياة كريمة ولا تعليم ولا صحة، فسيكون خياره الطبيعي هو الهجرة خارج هذا المكان إلى أي مكان يضمن له الحياة الكريمة، لكن الشعب الفلسطيني عامة، وسكان قطاع غزة خاصة، اختاروا أن يبقوا على أرضهم وأن يدفنوا فيها شهداء أو يبقوا فيها أحرارا.
المصدر : الجزيرة