التعليم أمام خطر حقيقي في الضفة الغربية بسبب العمليات العسكرية

يعاني القطاع التعليمي في الضفة الغربية جراء الهجمات المستمرة من الجيش الإسرائيلي على المدارس. ولم تقتصر الأزمة على الهجمات المباشرة بل تعدتها إلى معوقات أخرى تقف في وجه العملية التعليمية، مثل حجز الأموال وتعطيل رواتب المعلمين، ومحاولات فرض المنهج الفلسطيني بالقوة، وهو ما جعل من التعليم في الأراضي الفلسطينية تحديا حقيقيا يحتاج إلى تدخل سريع وفاعل من المجتمع الدولي.

يواجه أطفال الضفة الغربية في طريقهم إلى المدارس الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية وهجمات المستوطنين.

وازدادت خطورة هذه الرحلات المدرسية منذ أن شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق في الضفة الغربية خلال يناير. ودخل الآلاف من الجنود الإسرائيليين مخيمات اللاجئين والمدن، ودمروا المنازل والبنية التحتية، بما في ذلك الطرق التي يقطعها الأطفال للوصول إلى المدارس.

وأكدت الأمم المتحدة نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين منذ يناير. واعتبرت هذا أكبر نزوح تشهده الضفة الغربية منذ أن استولت إسرائيل على المنطقة، إلى جانب غزة وأجزاء من القدس، خلال حرب ۱۹۶۷٫

ويشبه تعطيل التعليم في الضفة الغربية ما حدث في غزة بعد الحرب التي أعقبت هجوما قادته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر ۲۰۲۳، وأسفر عن مقتل ۱۲۰۰ شخص واحتجاز أكثر من ۲۵۰ رهينة.

ولم يكن أطفال غزة قد عادوا إلى مدارسهم المتضررة إلا مؤخرا عندما استؤنفت الغارات الجوية الإسرائيلية في الثامن عشر من مارس، واضعة حدا لوقف إطلاق النار الذي استمر لعدة أسابيع.

ونقلت الأمم المتحدة عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن حوالي نصف القتلى الذين تجاوز عددهم ۴۰۰ شخص في ذلك اليوم كانوا من الأطفال، مما جعله أحد أكثر الأيام دموية في الصراع.

وأفاد مسؤولو الصحة الفلسطينيون بأن الهجمات البرية والجوية الإسرائيلية على غزة أسفرت عن مقتل أكثر من ۴۶۶۰۰ شخص. وكان أكثر من نصف الضحايا الذين أمكن تحديد هويتهم من النساء والأطفال وكبار السن.

في سنة ۲۰۲۴، واجه أكثر من ۸۰۶ آلاف طالب في الضفة الغربية والقدس الشرقية عقبات في الوصول إلى التعليم

وصرحت ألكسندرا سايح، رئيسة السياسة الإنسانية والمناصرة في منظمة إنقاذ الطفولة، بأن تمتع الأطفال الفلسطينيين بالتعليم الجيد في الضفة الغربية وغزة لم يواجه قط مثل هذا الضغط.

ازداد العنف في الضفة الغربية منذ بدء الحرب على غزة. وحدد تقرير صادر عن مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة (مجموعة تضم وكالات الأمم المتحدة) مقتل ۸۵ طالبا وجرح ۵۲۵ في عمليات عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية العام الماضي.

وأعلنت إسرائيل أن عمليتها الحالية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ۳۰ فلسطينيا في الضفة الغربية، تهدف إلى استهداف الجماعات المدعومة من إيران مثل حماس والجهاد الإسلامي، التي أسست معاقل في مخيمات اللاجئين التي تؤوي أحفاد الفلسطينيين النازحين خلال حرب ۱۹۴۸٫

وذكر تقرير مجموعة التعليم أن العنف المستمر قوّض الحركة، ففي سنة ۲۰۲۴ على سبيل المثال، واجه أكثر من ۸۰۶ آلاف طالب في الضفة الغربية والقدس الشرقية عقبات في الوصول إلى التعليم.

وحدد أن وزارة التعليم الفلسطينية سجلت خلال نفس السنة أكثر من ۲۲۰۰ حادثة عنف أثرت على النظام التعليمي في الضفة الغربية.

وشملت هذه الحوادث هجمات شنها مستوطنون مسلحون على المدارس واحتجاز طلاب ومعلمين. وتعرضت ۱۰۹ مدارس على الأقل للهجوم أو التخريب. وأكد أكثر من نصف الطلاب الفلسطينيين تعرضهم للتأخير أو المضايقة في طريقهم إلى المدرسة، كما تعرض الكثيرون منهم لاعتداءات جسدية.

كما زادت مسافات السفر الطويلة من التكاليف التي يتكبدها المعلمون الذين يعانون أصلا من نقص الرواتب والأعباء النفسية.

وأضاف التقرير أن نقاط التفتيش زادت من خطر تعرض الطلاب وعائلاتهم والمعلمين للعنف، سواء من جانب القوات الإسرائيلية أو المستوطنين. واستغل المستوطنون في بعض المناطق توقف حركة المرور لإتلاف السيارات ومهاجمة الركاب.

وفقدت العائلات دخلها بسبب الصراع، وأصبحت تنفق الآن أقل على التعليم. وتقول وكالات الإغاثة إن هذا قد يُجبر الأطفال على ترك مقاعد الدراسة.

ويزداد الوضع سوءا، حيث قد تضطر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى وقف نشاطها بعد أن حظرت الدولة العبرية عملياتها على الأراضي الإسرائيلية. ويُذكر أن الأونروا تدير ۹۶ مدرسة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وقد تتضرر الخدمات أكثر بالمزيد من تخفيضات التمويل من الجهات المانحة الرئيسية، وخاصة من الولايات المتحدة، حيث أنهى الرئيس دونالد ترامب الآلاف من برامج المساعدات الخارجية.

وحذّرت سايح من أن الأمر لا يقتصر على تخفيضات التمويل الأميركية، بل يشمل أيضا انخفاضا أوسع في التمويل الإنساني العالمي، وهو ما يثير القلق. وقالت إن هذا قد يؤثر على معدلات القراءة والكتابة المرتفعة تقليديا بين الفلسطينيين.

وأضافت أن “الفلسطينيين يتمتعون بسمعة جيدة في هذا المجال، وهو ما يجعل ما يحدث مُدعاة للإحباط حقّا.”

لقد أوقفت الولايات المتحدة ودول أخرى تمويل الأونروا في يناير ۲۰۲۴، بعد أن اتهمت إسرائيل ۱۲ من موظفي الوكالة البالغ عددهم ۱۳ ألفا بالتورط في الهجوم الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر. كما خفضت السويد دعمها في ديسمبر، وقالت الأونروا إن هذا حدث في وقت حرج بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.

وقال معاوية أعمر، رئيس برنامج التعليم في الأونروا في إقليم الضفة الغربية، في مقابلة مع مؤسسة تومسون رويترز، “نعاني بالفعل عجزا في الميزانية، وهذا ما يؤثر على جودة تعليمنا.”

ودخل حظر عمليات الأونروا على الأراضي الإسرائيلية حيز التنفيذ خلال شهر يناير، لكنه لم يُطبّق بالكامل بعد.

وقال أعمر “قد يتم إيقاف الأونروا عن العمل في أي وقت. نحن نتحدث عن ۴۷ ألف طالب في مدارس الوكالة بالضفة الغربية، وتعدّ هذه مشكلة هائلة.”

وشهدت الأراضي الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة من شهر نوفمبر من عام ۲۰۲۴، تصعيدا غير مسبوق في الهجمات على المدارس والمؤسسات التعليمية في قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

وبحسب وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ارتفع عدد الهجمات على المدارس إلى مستويات قياسية، حيث تعرضت ۶۹ مدرسة في الضفة الغربية والقدس الشرقية لاعتداءات مباشرة. كما وقع ۲٫۳۵۴ حادثا آخر أثر بشكل مباشر على حياة الطلاب والمعلمين سواء داخل المدارس أو في محيطها.

وتكشف الإحصائيات عن حقيقة مقلقة، حيث إن ما يقارب ۸۴ في المئة من المدارس في هذه المناطق بحاجة إلى إعادة بناء كاملة أو تأهيل شامل بعد الدمار الذي لحق بها.

كما تعرضت ۹۳ في المئة من مدارس القطاع للتدمير الكامل أو الجزئي. وتبرز هذه الأرقام صورة قاسية لما يعانيه القطاع التعليمي في فلسطين جراء الهجمات المستمرة.

وفي هذا السياق، جاء حديث ليعكس حجم الكارثة التي تعيشها العملية التعليمية في فلسطين.

ووجه الدكتور أيوب عليان، الوكيل المساعد لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، نداء عاجلا للمجتمع الدولي وللدول الأعضاء في الأمم المتحدة بضرورة توفير الحماية اللازمة للمدارس وتقديم الدعم العاجل لمواصلة التعليم.

وقال إن ما يحدث في فلسطين يعكس نوعا من “الإبادة التعليمية الجماعية”، حيث إن الخسائر فاقت كل التوقعات والأرقام، ما يجعل الوضع أكثر صعوبة على المعنيين بتعليم الأجيال الفلسطينية.

ولم تقتصر الأزمة على الهجمات المباشرة على المدارس، بل تعدتها إلى معوقات أخرى تقف في وجه العملية التعليمية. وأشار الوكيل المساعد إلى أن تقطيع أوصال الضفة الغربية وقطع الطرق الرئيسية جعلا من الصعب على الطلاب الوصول إلى مدارسهم.

كما أن حجز الأموال الفلسطينية وتعطيل رواتب المعلمين، إلى جانب محاولات فرض المنهج الفلسطيني بالقوة والتأثير عليه، قد خلق عجزا كبيرا في سير العملية التعليمية. كل هذه المعوقات جعلت من التعليم في الأراضي الفلسطينية تحديا حقيقيا يحتاج إلى تدخل سريع وفاعل من المجتمع الدولي.

وتابع الدكتور عليان أن الوضع في غزة وصل إلى درجة من الصعوبة حيث لا توجد مدارس في الواقع، بل تم تحويل العديد من الأماكن إلى مدارس إيواء أو خيم تعليمية.

المصدر: العرب