اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
إلى مستشفى أوغستا فكتوريا (المُطّلع)، اتجهت الجزيرة نت للقاء مرافقين ومرضى غزيين يتعالجون من مرض السرطان، ولن يغادروا المستشفى حتى تضع الحرب أوزارها.
من كافة الفئات العمرية، يرقد أطفال يتعالجون من أورام مختلفة، وبينهم من يدرك ما يجري في مسقط رأسه وآخرون رُضّع ترافقهم أمهاتهم وجداتهم اللواتي أنهكت الحروب المتتالية على غزة ملامح وجوههن وجففت دموع بعضهن.
حنان أبو كلوب (۵۷ عاما) ترافق حفيدتها الرضيعة التي أكملت عامها الأول في مستشفيات القدس بعد تشخيصها مؤخرا بمرض سرطان الدم (اللوكيميا).
تعيش هذه المسنة مع عائلتها الممتدة في مخيم الشاطئ بغزة الذي ناله نصيب من القصف في العدوان الأخير، وتقول إن “أصعب ما في هذه الحرب هو القصف دون تحذير، الأمر الذي يضع السكان في خطر شديد”.
وتضيف للجزيرة نت “بمجرد تحليق الطائرات في المكان تبدأ بعض العائلات بإخلاء منازلها خوفا من أن تكون الهدف المقبل للطائرات، وهكذا فعلت عائلتي التي تعيش الآن حالة من التشتت والرعب، وما يؤلمني هو صعوبة التواصل معهم في ظل الحرب”.
تقطع الجدّة حنان حديثها مع الجزيرة نت كلّما بدأت حفيدتها سما بالبكاء، فتهدئها برفق في حضنها تارة وتمسح شعرها وتداعبها تارة أخرى.
“قلبي موجوع على سما وعلى أسرتي هناك”، تقول هذه الكلمات بينما تذرف دموعها وتشرح عن ساعات عصيبة قضتها يوم الاثنين وهي تنتظر معرفة مصير أحد أبنائها الذي فُقد بُعيد قصف أحد المساجد وانقطع الاتصال به لساعات قبل عودته سالما.
ليس بعيدا عن غرفة سما، يرقد الطفل علي جنينة (۸ أعوام) وبجواره تجلس والدته مي تاركة خلفها زوجها و۳ أطفال يتجرعون ويلات الحرب في حي الرمال وتتجرع هي مرارة البعد عنهم وحسرتها على عليّ في آن واحد.
“أعز الحبايب تركت في غزة، قلبي مفطور على طفلي ذي العامين الذي حمله والده وركض به من شارع إلى آخر هربا من الموت، لم أعد أصدق أن أحدا لم يمت منهم في هذه الحرب، أطلب رؤيتهم بمكالمة فيديو لأصدق أنهم أحياء من هول المشاهد”، تقول مي للجزيرة نت.
وعند سؤالها عمّا يعنيه أن تكون فلسطينية تنحدر من غزّة، أجابت “يعني أن أعيش الألم وأصبر، الأم الغزية هي جبل المحامل”.
طمأنها زوجها أنهم جميعا بخير رغم تضرر المنزل بالشظايا المتطايرة من قصف المنازل المجاورة، لكنه أخبرها في الوقت ذاته أنها “لن تتعرف على الحي عند عودتها لأنه نُسف وتغيرت ملامحه، بل إن ملامحه اختفت كليّا”.
يسمع عليّ حديث أمه ويقول إن “أمنيته الوحيدة احتضان والده الذي لم يحظ برؤيته منذ شهر في ظل منعه من الخروج من غزة لمرافقة طفله في رحلته العلاجية”.
يهوى عليّ لعب كرة القدم وكان يمارس هوايته في ناد قريب من منزله، لكنه لا يعلم أن النادي قُصف ودُمّر حلمه بارتداء قميص “رونالدو” والتوجه إليه مجددا.
غادرنا غرفة هذا الطفل الذي يعالج أيضا من مرض “اللوكيميا” بينما كان يردد على مسامع والدته سورة “النصر”، وتعززه الأخيرة وتشجعه على الاستمرار في محاربة المرض لأنه أقوى وأكبر منه.
في الغرفة المقابلة كانت ترقد أميرة (۱۱ عاما) وبمجرد الوصول إلى سريرها انفجرت باكية وقالت لأمها “هيّو (ها هو) الحيط واقع”، بعدما استرقت النظر إلى هاتف أمها ووجدت أن منزل جدّها قد هُدم جزئيا بفعل القصف.
لم تهدأ أميرة منذ صباح السبت الماضي، وببكائها المستمر تعبر عن حاجتها للعودة إلى قطاع غزة لتكون مع والدها وأختها الصغيرة حتى وإن كانت تحت القصف.
تعيش والدتها إيمان العشي ساعات عصيبة بين محاولة تهدئة روع طفلتها المريضة بسرطان الدماغ، وبين بقية أسرتها الراضخة تحت القصف العشوائي.
“نعيش في حي الرمال الذي استهدفه القصف لساعات، قلبي هوى عندما سمعت أن القصف بدأ في هذا المكان، وما يعقّد الأمور أن أميرة لا تتقبل العلاج ولا تريد سوى العودة إلى غزة”، تقول الأم للجزيرة نت.
عبثا حاولنا تهدئة أميرة التي جلب صوت بكائها الممرضين في القسم ووعدوها بأن تغادر إلى غزة عندما تُفتح الطرق باتجاهها.
على أسرّة المرض يمكث الآن ۴۷ مريضا غزيّا مع مرافقيهم في مستشفى المطّلع، وفقا للمدير التنفيذي للمستشفى الطبيب فادي الأطرش، الذي قال للجزيرة نت إن المستشفى اتخذت إجراءات استثنائية منذ اندلاع الحرب يوم السبت الماضي.
وشُكّلت غرفة طوارئ لضمان استمرار العمل في المستشفى عبر ضمان وصول الطواقم الطبية من الضفة الغربية في ظل حالة الإغلاق، ومحاولة تسهيل وصول مرضى الضفة بتوفير حافلات تقلهم باتجاه المستشفى، إضافة إلى متابعة المرضى الغزيين ممن يتعالجون في المستشفى وتقديم كافة ما يلزم لدعمهم نفسيا وتوفير احتياجاتهم ومرافقيهم على كافة الأصعدة، بما في ذلك المبيت في الفنادق.
ووفقا للأطرش، فإن المرضى الغزيين يشكلون ما نسبته ۳۰% إلى ۴۰% من المرضى في المستشفى على مدار العام، وإن ۴۴ مريضا غزيّا كان يجب أن يصلوا لتلقي العلاج الكيميائي هذا الأسبوع لكن تعذر ذلك مع اندلاع الحرب، إلى جانب ۶۴ مريضا للعلاج الكيميائي و۲۸ للعلاج الإشعاعي الأسبوع القادم، وتشير المعطيات على الأرض أن أيّا من هؤلاء لن يتمكن من الوصول.
ويؤثر ذلك على استقرار حالة المريض ونتائج علاجه وفقا للمدير التنفيذي، كما ستؤثر عليه الكوارث البيئية التي قد تحل في القطاع مع استمرار قطع الماء والكهرباء عنه بأوامر احتلالية.
وأكد الأطرش “ما يجري في غزة سيؤدي إلى كارثة إنسانية، لذلك عقدت شبكة مستشفيات القدس الشرقية اجتماعا وضعت فيه خطة طوارئ تتكاتف فيها الجهود في حال وصل جرحى من الحرب إلى المستشفيات”.
المصدر : الجزيرة