اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
يوم عالمي للمرأة!فإذا كنّا نريد أن نجري على ما جرى عليه النّاس من تقاليد، بأنْ جعلوا لكلّ عنوان من العناوين الحيّة في الواقع الإنساني يوماً معيَّناً، كـــ «يوم الأُمّ» أو «يوم المرأة» أو «يوم العامل»، فإنَّ أفضل يوم نجعله عنواناً للمرأة المسلمة هو فاطمة الزهراء عليها السلام، الإنسانة التي تمثّل المثل والنموذج والقدوة للإنسان المسلم، لأنّها كانت البنت كأفضل ما تكون البنات، وكانت الزوجة كأفضل ما تكون الزّوجات، وكانت الأمّ كأفضل ما تكون الأُمّهات، وكانت المسلمة المسؤولة المتحركة في ثقافتها ومواقفها كأفضل ما تكون المسلمات، فهي تجمع كلّ هذه العناوين الإنسانيّة في المرأة وفي الإنسان المسلم.
المرأة القدوةوهناك نقطة لا بدَّ من أن ننتبه إليها، وهي أنّ القرآن الكريم عندما تحدَّث عن القدوة في المرأة، سواء في استحيائها في الجانب السلبي أو في الجانب الإيجابي، فإنّه لم يعتبر المرأة قدوة للنساء فحسب، بل اعتبرها قدوة للنّساء وللرجال معاً، فنحن نقرأ في قوله تعالى، فيما هو العنصر السلبي في المرأة الذي طرحه الإسلام ليبتعد الناس عمّا يتحرّك في هذا العنصر من سلبيات منفّرة:{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} خيانة الرسالة، وخيانة المسؤوليّة {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً}، لأنَّ المسؤوليّة في الإسلام هي فردية، فالإنسان هو الذي يجزى بعمله ولا يُجزى غيره بعمله، كما أنّ الله سبحانه وتعالى لا يحابي إنساناً يعيش الكفر لمصلحة إنسان يمثّل الإيمان كلّه، ولذلك جعل الله امرأة نوح وامرأة لوط مثلين للرَّجل والمرأة، بأنَّ على الإنسان ألا يعتمد على علاقته النسبية أو السببية بالإنسان الكبير جداً، ليفكِّر في أنّ الله سبحانه وتعالى يمكن أن يغفر له، أو يمكن أن يبعده عن المسؤوليّة التي يركّزها على الكافرين لحساب هذا الإنسان الكبير أو العظيم، لأنَّ الله لن يدخل الجنّة كافراً {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}، أي ينطلق الزوج الصالح مع الزوجة الصالحة. أمّا الزوجة الكافرة مع الزّوج المؤمن {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}، هذه الإنسانة التي عاشت في قلب مجتمع الكفر، وفي أعلى مواقعه ودرجاته المهيمنة، والمتمثّلة بادّعاء الربوبيّة، وقد انفتحت أمامها الحياة الرخيّة، بحيث كانت الإنسانة التي تأمر وتنهى فيستجاب لها في ذلك كلّه، كانت المرأة التي تجمّعت عندها كلّ الشهوات والامتيازات التي كانت موجودة آنذاك، ولكنّ انفتاحها على الله تعالى وعبادته ورسالته، وعلى القيم الرّوحيّة التي تفيض من الروح المنفتحة على الله تعالى جعلها ترفض كلَّ ذلك النّعيم وتقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.وإذاً، فإنّ الله ضرب آسيا ــ امرأة فرعون ــ مثلاً للرجال والنساء المؤمنين معاً، بأن ينطلقوا في الحياة في الخطِّ الذي سارت عليه، فإذا طلبت الدنيا منهم أن يخضعوا للظّلم على حساب إيمانهم وإسلامهم، وللحصول على الامتيازات الكبرى، فإن عليهم أن يستحضروا هذا المثل الحيَّ الإنساني، الذي يمثل قمةً في الالتزام، وقمّةً في الروحيّة، فهي المرأة التي رفضت كل ذلك، وتوسّلت إلى الله أن ينجّيها منه، كما لو كان مأزقاً تعيش فيه، وكما لو كان مشكلةً صعبة تواجهها، وكما لو كان سقوطاً في حياتها تريد أن ترتفع فوقه.وكذلك هي «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا»، فكانت مثالاً للعفَّة وللطّهر وللنقاء، «فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ»، هذه الإنسانة التي أنبتها الله نباتاً حسناً، والتي كفلها سبحانه لزكريا، والتي كانت تعيش مع ربها في المحراب «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، وهكذا استطاعت أن تعيش لتصدّق بكلمات ربها، وليمتلئ عقلها وقلبها وروحها وحركتها بها، «وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» الخاشعين لله، المبتهلين له، العائشين معه في كل المجالات.فالمرأة في القرآن ليست فقط مثلاً للمرأة في الجانب السلبي والإيجابي، بل هي مثلٌ للرجال والنساء معاً.
المصدر :القبس