الاتفاق على الارتباط لفترة لتقييم العلاقة يعكس خللا في منظومة الزواج.

“الزواج محدد الصلاحية”: إلى أين تتجه العلاقات الأسرية في مصر؟

يؤكد الباحثون في الشؤون الأسرية بالقاهرة أن المسميات الدخيلة على الزواج ارتبطت بارتفاع معدلات الطلاق وحدوث تشققات حادة لغياب التفاهم بين الشريكين، مشيرين إلى أن الزواج المؤقت يحمل إهانة لقدسية مؤسسة الزواج ويعكس تراجع الدور التربوي للأسر في تنشئة الأجيال الصاعدة على احترام تلك العلاقة وتوقيرها، وتستند فكرة الزواج المؤقت إلى اتفاق الشريكين على أن تكون العلاقة مقتصرة على فترة محددة.

 أكدت تحذيرات أطلقتها لجنة الفتوى بمؤسسة الأزهر في مصر بشأن وقائع الزواج محدد الصلاحية، تراجع قدسية العلاقة الزوجية بين شريحة من الأجيال الجديدة، مقابل اللجوء إلى زيجات مستحدثة الشكل والهدف والمضمون بحجة أن الطرفين يحق لهما اختبار سلامة العلاقة وما إذا كانت تستحق الاستمرار فيها أو الانسحاب منها فورا.

وتقوم فكرة الزواج محدد الصلاحية على اتفاق الشريكين على أن تكون العلاقة قاصرة على فترة محددة، وبعدها يتم تقييمها وفق رغبات وتطلعات كل طرف من مؤسسة الزواج، فإذا حدث بينهما توافق يستمر الزواج وإذا اختلفا وشعرا بأن العلاقة غير صحية يلجآن إلى الطلاق في صمت بعيدا عن الدخول في صراعات أو محاكم، وهو ما حرمته مؤسسة الأزهر.

وأكدت لجنة الفتوى بالأزهر أن عقد الزواج إذا اقترن بشرط ينافي قدسية العلاقة الزوجية، كان هذا الشرط باطلا، ولا يقتصر البطلان على الشرط وحده، بل يمتد ليكون العقد نفسه باطلا، أي أن العلاقة محرمة على الطرفين، لأن الزوج ليس مادة كيميائية تخضع للتجربة، وهو أسمى من ذلك بكثير، والعلاقة يجب أن تكون أبدية.

وجاء بيان لجنة الفتوى عقب سؤال تلقته من رجل قال فيه إنه “تم الاتفاق بينه وبين زوجته على أن يكون الزواج لمدة معينة، فإن توافقنا استمر الزواج وإن لم نتآلف حدث الطلاق”، ما يعكس تمرد جيل صاعد على الزواج التقليدي الذي يتحمل طرفاه مسؤوليات كبيرة بالتزامن مع ضغوط معيشية تفوق قدرة شباب وفتيات على تحملها.

ولم يُعرف بعدُ ما إذا كانت هناك أسر تدعم هذه النوعية من الزيجات الحديثة أم أن الأمر يكون باتفاق بين الشريكين فقط، لكن تلك الوقائع أظهرت إلى أي درجة صارت هناك توصيفات غريبة ودخيلة على المجتمع تقوم على أشكال جديدة للعلاقات الزوجية بعيدا عن تقبل الأسر والمجتمع والدين لهذا النوع من الارتباط أم لا، لكنه موجود كأمر واقع على الأرض.

واعتادت بعض المؤسسات الدينية في مصر التصدي بالتحريم المطلق للمسميات العصرية التي ترتبط بالزواج، لكن ذلك لم يحد منها أو يمنعها، في ظل إصرار شريحة من الشباب والفتيات على التطبيع مع عادات وتقاليد غريبة عن المجتمع، مثل الزواج لفترة محددة أو الارتباط لغرض الإنجاب ثم الانفصال دون تدخل أسري يعيد الأمور إلى نصابها.

وتؤكد تلك الوضعية أن الكثير من الأزواج الجدد أصبحوا أكثر استقلالا عن العائلة خاصة في نمط العلاقة والغرض منها، ولم يعد بينهم من يرغب في الاستمرار في زيجة ميؤوس منها أو متوقع لها الفشل، وبدلا من الدخول في صراعات تجلب منغصات حياتية مستدامة على الطرفين، فإن قرار الانفصال سريعا يجب أن يكون حلا متوافقا عليه بعيدا عن تدخلات الأسرة.

وتوجد شريحة تدافع عن الزواج المرتبط بفترة زمنية على أن هذا الحل وسطي ومنطقي، بحيث يتوافق الشريكان على العيش معا لمدة ليست طويلة ليستطيع كل طرف أن يحكم بشكل عقلاني وواقعي على مدى التفاهم الفكري والنفسي مع الشريك الآخر، وقياس جدوى الحياة بينهما وهل جيدة وتستمر أم مستحيلة ومن الضروري وقوع الطلاق الرسمي.

يبني أصحاب هذا الرأي وجهات نظرهم على أن العلاقة في السنة الأولى من الزواج مثلا، غالبا ما تكون كاشفة بوضوح عن سلوكيات وتصرفات وأفكار كل طرف، وبدلا من أن يتورط الشاب أو الفتاة في حياة أسرية فاشلة عليه أن يختار الاستمرار أو الانسحاب مبكرا، المهم أن يكون ذلك بتوافق بين الشريكين وتقييم العلاقة بعد فترة للحكم على صلاحية استمرارها.

وتصل معدلات الطلاق في مصر بعد السنة الأولى من الزواج إلى مستويات مرتفعة ومخيفة، وقد يكون ذلك مبررا كافيا أمام الشريحة التي قررت اختبار صلاحية العلاقة بعد فترة معينة، بدلا من الاستمرار في زيجة حتما ستكتب نهايتها لاحقا، لكن تتوقف المواجهة الدينية بالفتوى مع تلك الشريحة من الأزواج على مدى اقتناعهم بمشروعية تدخل الدين في حياتهم أم لا.

وثمة رفض أسري واسع لمبررات الأزواج الذين يخططون لأن تكون علاقتهم محكومة بفترة زمنية معينة يُعاد فيها تقييم الزيجة، لأن حساب إيجابيات وسلبيات العلاقة بعد السنة الأولى أو الثانية من الزواج ليس منطقيا، مع انتقال كل طرف (الشاب أو الفتاة) من مرحلة العزوبية إلى الحياة الزوجية، وتلك الفترة دقيقة وحساسة وقد تكون طقوسها صعبة على الشريكين.

كما تظهر مشكلات وسلوكيات سلبية تحتاج بعض الوقت لاكتشافها، وهو ما يحدث عقب مضي سنوات طويلة من الزواج والعِشرة وتراكم المسؤوليات، فتصرفات المرأة كزوجة تختلف عن دورها كأم لديها أبناء وتعيش ضغوطات نفسية وحياتية متعددة، ومهما كانت فترة التقييم متفقا خلالها على عدم الإنجاب كي يصبح اختبار العلاقة شائبا من المسؤوليات، فإنه لا يقدم نتائج منطقية.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أنه مهما كانت هناك مبررات لطرفي العلاقة حول أسباب الزواج محدد المدة، لكنه يحمل إهانة بالغة للمرأة بما يسهل استغلالها جنسيا بدعوى تقييم العلاقة، وقد يفتح الباب لإقامة علاقات محرمة يتم تغليفها بغطاء مطاط بداعي التقييم واختبار درجات التقارب أو التباعد، فالشاب من السهل أن يدّعي عدم الارتياح.

وأكدت عنان حجازي الباحثة في الشؤون الأسرية بالقاهرة أن الزواج المؤقت يحمل إهانة لقدسية مؤسسة الزواج ويعكس تراجع الدور التربوي للأسر في تنشئة الأجيال الصاعدة على احترام وتوقير تلك العلاقة، وما يحدث من مسميات دخيلة على الزواج مرتبط بارتفاع معدلات الطلاق وحدوث تشققات حادة لغياب التفاهم بين الشريكين.

وأضافت لـ”العرب” أن وجود مشكلات زوجية لا يبرر تحول الزواج ليصبح محدد المدة، أو يستغله البعض لأغراض خبيثة مثل المتعة، وعلى الأسر أن تقوم بتوعية أبنائها بأن من الطبيعي حدوث خلافات وأن العلاقة الزوجية متقلبة ومتغيرة لأسباب كثيرة، ويصعب أن تظل ثابتة وقد تطرأ مستجدات لم تكن موجودة قبل الارتباط أو الإنجاب.

وبقطع النظر عن تأثير الفتوى والتحريم المطلق للزيجات المؤقتة من عدمه، فالأهم أن تقتنع كل أسرة بمسؤوليتها عن وصول العلاقة الزوجية بين أجيال صاعدة حد التقييم المبكر، أمام انسحاب العائلات من المشكلات المرتبطة بحياة الأبناء بعد الزواج لتحل المحاكم بديلا في حسم الصراعات بما زرع في أذهان البعض أن اختبار الزيجة يجب أن يكون أمرا واقعا.

العرب