اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
اختتم قبل أيام مهرجان الشارقة القرائي للطفل ۲۰۲۵ وقد حشدت فيه هذا العام أكثر من ۱۰۲۴ فعالية فنية وثقافية وترفيهية، تشمل ۶۰۰ ورشة عمل، و۸۵ عرضا مسرحيا وجوالا، و۳۰ عرضا حيا، واستضاف ۱۳۳ ضيفا من ۷۰ دولة عربية وأجنبية، بمشاركة ۱۲۲ دار نشر من ۲۲ دولة. وقد شهد المهرجان في اليوم الختامي لفعالياته تكريم الفائزين في مسابقة “فارس الشعر” ۲۰۲۵٫
“الجديد” حضرت جل فعاليات المهرجان وسلطت الضوء على باقة من أعماله تعكس التنوع الكبير في فعالياته المتقاطرة من القارات الخمس.
من بين الموضوعات المثيرة التي تناولتها ندوات المهرجان، ندوة حول عقل المراهق سلطت الضوء على شخصية المراهق من خلال أثر الفنون والآداب الموجهة لهذه الفئة من أبناء العالم في محاولة لفك شِفرة عقول المراهقين وفهم ما يدور داخلها من تحولات وصراعات.
الكاتبة البريطانية الشهيرة نيكولا مورغان، الملقبة بخبيرة عقول المراهقين، شاركت في الندوة وعنوانها “إطلاق العنان لذهن المراهق” وقد شاركت أفكارها ومعلوماتها الثمينة مع الحضور معتبرة أن من الأهمية بمكان مدّ جسور الثقة بين الآباء والمراهقين، بدل الاكتفاء بإلقاء الأوامر أو إصدار الأحكام.
في مستهل الندوة، تحدثت مورغان بعمقٍ حول ضرورة فهم طبيعة الدماغ البشري، لأنها ترى أن هذا الفهم هو المفتاح الأهمّ لتحسين عمله والوقاية من مشكلاته، مؤكدة أن أدمغة المراهقين ليست مختلفة كثيرا عن أدمغة البالغين، فهي ترى أننا “نحن البشر نعمل وفق أسس دماغية واحدة”، وعلى الرغم من ذلك أشارت مورغان إلى وجود اختلافات طبيعية ترتبط بـ”حالة الدماغ” البيولوجية ومرحلة الحياة الاجتماعية، وهي اختلافات تبدأ بالظهور منذ سن العاشرة أو الحادية عشرة، حين ينطلق المراهقون في رحلة تدريجية من الاعتماد الكلي على الأهل نحو بناء استقلالهم الذاتي.
وفي هذا السياق رأت مورغان أن “مرحلة المراهقة تشبه رحلة من الاتكال إلى الاستقلال، وفيها يصبح المراهقون أكثر احتياجا لبناء علاقات اجتماعية قوية مع أقرانهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للضغوط.”
في دورته الـ۱۶ ناقش الحدث ترجمة القصص العربية، ونظم مؤتمر الرسوم المتحركة، وندوة عن الشعر الغنائي وخيال الطفل
ثم انتقلت مورغان إلى الحديث عن التغيرات البيولوجية في الدماغ، والتي بإمكانها أن تفسر الكثير من سلوكيات المراهقين الاندفاعية، موضحة أن “قشرة الفص الجبهي لا تكون متطورة بشكل كافٍ لدى المراهقين”، وهي المسؤولة عن التفكير المنطقي واتخاذ القرارات بعيدة المدى. في المقابل، يتمتع الجهاز الحوفي – الذي يدير المشاعر والرغبات الفورية – بنضج مبكر، مما يدفع المراهقين إلى الانجذاب للمتعة الفورية والمغامرة.
وهنا تؤكد مورغان أن الجهاز الحوفي هو الذي يتحرك أولاً في كل موقف تقريباً، حتى عند البالغين، ومن هنا يصبح جلياً أن مقاومة السلوكيات الطائشة لا تعتمد فقط على المعرفة العقلية، بل تخوض معركة حقيقية مع قوة الانفعالات الفطرية في الدماغ.
وفي ما يتعلق بتحفيز السلوك الإيجابي، تؤمن مورغان بأن النجاح لا يتحقق بمجرد شرح المنافع المستقبلية، بل عبر تقديم مكافآت فورية تلامس شعور الإنسان اللحظي. تقول في هذا السياق “يجب ربط السلوك الإيجابي بمكاسب فورية يشعر بها الشخص الآن أو خلال دقائق قليلة”، وتشير إلى أن هذه الإستراتيجية يجب أن تعتمدها الحكومات والمدارس والأسر إذا أرادت تعزيز أنماط حياة صحية، مثل التغذية السليمة أو ممارسة الرياضة.
ترى نيكولا مورغان أن فهم البيولوجيا العصبية للتوتر والقلق أمر أساسي للتعامل معه بفاعلية، خاصة عند المراهقين، وتوضح أن القلق والتوتر يستجيبان للتهديدات الجسدية، مشيرةً إلى أن الاستجابة للتوتر مفيدة، لكن المشكلة اليوم تكمن في أن مصادر التوتر أصبحت متكررة، مما يؤدي إلى تراكم الكورتيزول، مسببا ضعف التركيز، وقلة النوم، وحتى تدهور المناعة، ملفتة إلى أن المراهقين أكثر عرضة للقلق مقارنة بالبالغين، لأن قشرة الفص الجبهي لديهم – المسؤولة عن التفكير المنطقي والسيطرة على الانفعالات – لا تزال في طور النمو.
واختتمت مورغان ندوتها بتقديم ثلاث نصائح هامة للآباء الذين يتعاملون مع المراهقين، أولا “فهم التوتر” لدى المراهق، ولا بد أن يفهم الآباء هذه الاستجابة البيولوجية وأوقاتها لدى أبنائهم، أما النصيحة الثانية فتتمثل في ضرورة أن يكون الآباء أكثر وعيا بما يمر به المراهقون من تحديات، ثالثا بناء المرونة لدى المراهقين عن طريق توفير بيئة داعمة تشجعهم على التعامل مع التحديات بشكل إيجابي. أما النصيحة الأهم هي الطمأنة والدعم العاطفي، وتشجيع المراهق على التعبير عن مشاعره ومخاوفه.
شهد المهرجان انعقاد المؤتمر الثالث للرسوم المتحركة وقد انعقدت في إطاره ندوة تحت عنوان “نقل قصص الشرق الأوسط إلى الجمهور العالمي”، أكد المشاركون خلالها وهم عبارة عن مديرين أدبيين ورؤساء شركات رسوم متحركة، أن نقل قصص الشرق الأوسط إلى الجمهور العالمي يتطلب رؤية شمولية في دعم المحتوى الإبداعي، تبدأ من تطوير النصوص القابلة للتكييف وتحويلها إلى أعمال بصرية مؤثرة، كما أشاروا إلى أهمية تقديم القصص المحلية في قوالب تصلح للرسوم المتحركة، وتوسيع نطاق الترجمة لإيصال الأدب العربي إلى جماهير جديدة، لافتين إلى أن بناء شخصيات تحمل هوية بصرية واضحة يسهم في خلق ارتباط طويل الأمد مع الجمهور، شريطة احترام التنوع الثقافي وتجنب ما قد يثير الحساسيات الثقافية.
تحدث في الندوة كل من تامر سعيد، مدير وكالة الشارقة الأدبية، وأليغرا دامي، الرئيسة التنفيذية لـ Dami for Kids، وإيلاريا مازونيس، المنتج التنفيذي – Mobo Digital الذين ناقشوا سبل تحويل الروايات المحلية إلى أعمال بصرية عالمية تعكس الهوية الثقافية وتصل بوضوح إلى جمهور أوسع.
خلال حديثه في الجلسة، أوضح تامر سعيد أن وكالة الشارقة الأدبية تتبنى رؤية شمولية تتجاوز الشكل التقليدي للكتاب الورقي، لتشمل الكتاب المسموع والأعمال السينمائية المستوحاة من النصوص الأدبية. وأكد أن الوكالة تسعى لتسهيل رحلة الكتاب عبر توفير الدعم والخبرة اللازمة، وربطهم بالناشرين والمخرجين والمنتجين، ليتسنى لأعمالهم الوصول إلى الجمهور المحلي.
المهرجان شهد انعقاد المؤتمر الثالث للرسوم المتحركة الذي قدم ندوة بعنوان “نقل قصص الشرق الأوسط إلى الجمهور العالمي”
وأشار سعيد إلى أن الوكالة تركز على المحتوى القابل للتكيف مع صناعة الرسوم المتحركة، وتعمل على تقديم القصص المحلية للمنتجين بهدف تحويلها إلى أعمال بصرية تواكب التطورات في عالم الإعلام الإبداعي، وتغذي خيال الأجيال الجديدة بقيم إيجابية. وأضاف أنه يسعى لاكتشاف الكتب المناسبة للترجمة والتي تتمتع بجاذبية جماهيرية، خاصة تلك التي تلامس اهتمامات الأطفال واليافعين.
بدورها، أوضحت أليغرا دامي أنها عملت على تحويل الرسوم إلى أفلام نابضة بالحياة عبر التعاون مع الناشرين وتطوير المحتوى، مشيرة إلى أن رسالتها كانت تتمثل في نقل الرسوم من الورق إلى الشاشة، خاصة من خلال دمج الموسيقى لإضفاء بُعد شعوري أقوى، مؤكدة أن هذا الانتقال يحتاج إلى وعي فني وفهم عميق للسرد البصري.
وأشارت دامي إلى أهمية الدمج بين الطابع المحلي والأفق العالمي في صناعة الرسوم المتحركة، مؤكدة أن العالمية لا تعني التنازل عن الهوية، بل تقديمها بطريقة تجعلها مفهومة وجاذبة لجمهور واسع، وفق معادلة عالمي + محلي = محلي عالمي Global + Local = Glocal كما شددت على أن القصة هي المحرك الأساسي لكل أشكال الإنتاج، من المسلسلات إلى المحتوى الرقمي، وهي جوهر أيّ مشروع ناجح.
من جهتها، أكدت إيلاريا مازونيس أهمية بناء شخصيات روائية تحمل هوية بصرية واضحة وعلامة معروفة يمكن تطويرها عبر عدة قصص وأعمال، مشيرة إلى ضرورة الوصول إلى جماهير متنوعة حول العالم. وشددت على أهمية خلق توازن بين احترام الخصوصيات الثقافية من جهة، وتقديم محتوى عالمي من جهة أخرى، مع مراعاة القيم المتفق عليها وتجنب ما قد يثير الحساسيات الثقافية.
كما أوضحت مازونيس أن التأثير البصري يفوق أحيانا تأثير الكتاب المكتوب، ممّا يجعل من الضروري التعمق في بناء الشخصيات المتحركة في المسلسلات، بهدف تعزيز علاقتها بالجمهور. وأضافت أن القصص العالمية التي عايشها الناس في مختلف أنحاء العالم، مثل “أليس في بلاد العجائب”، استطاعت أن تلامس الجميع لأنها تناولت قيما إنسانية مشتركة مثل الصداقة، والإخلاص، والتفاهم. ولهذا، ترى أن الرسوم المتحركة قادرة على أن تكون وسيلة فعالة لترسيخ هذه القيم وتعزيز حضورها في وجدان الأجيال الجديدة.
في ندوة “الشعر الغنائي ودوره في تنمية اللغة” التي عقدت خلال أيام المهرجان ناقش عدد من الخبراء والتربويين قضايا الشعر الغنائي ودوره كلبنة أساسية في بناء الذائقة اللغوية والجمالية لدى الطفل، مشيرين إلى قدرة الألحان المصاحبة للنصوص الشعرية على ترسيخ المفردات والتراكيب اللغوية في أذهان الصغار بطريقة سلسة وممتعة تعزز الفهم والانتماء.
شارك في الندوة الشاعر وكاتب الأطفال المصري عبده الزراع، والكاتبة والباحثة اللبنانية – المكسيكية أمل ناصر، والشاعرة والكاتبة الجزائرية آسيا أحمد عبداللاوي، وأدارتها الإعلامية الإماراتية علياء المنصوري.
وخلال النقاش ذهب عبده الزراع إلى اعتبار الشعر الغنائي بمثابة نافذة واسعة يطل منها الطفل على عالم اللغة بجمالياته وإيقاعاته، خاصة لغتنا العربية التي تحتوي على كنوز عظيمة. واعتبر الزراع أن بساطة الألفاظ وعذوبة الألحان إنما تسهمان في توسيع مدارك الطفل اللغوية وتعزيز قدرته على التعبير عن مشاعره وأفكاره بوضوح.
كما أشار الشاعر إلى أهمية المسرح، وخاصة المسرح الغنائي وكافة الفنون الأخرى في تكوين الطفل، واستعرض نماذج من المقطوعات الشعرية التراثية المصرية الخاصة بهدهدة الطفل والحضور المكثف للشعرية الغنائية الموجهة للأطفال، مشيرا إلى حرص هذه المقطوعات مجهولة الكاتب على اختيار مفردات قريبة من عالم الطفل وقيمه وثقافته، موضحا أن الغناء يغني مخيلة الطفل ويغني مهاراته وقاموسه اللغوي.
من بين الندوات الهامة في المهرجان ندوة “قوة الكتب المصورة”، تبادل المشاركون فيها الأفكار حول الكتب المصورة
بدورها، تحدثت أمل ناصر، عن تجربتها الخاصة في ثنائية الهوية بين لبنان والمكسيك وبين لغتين هما العربية والإسبانية، حيث كانت أمها تغني لها في طفولتها قبل النوم الأغنيات الإسبانية، لذلك رضعت مبكرا العاطفة التي كانت تتدفق من الشعر الإسباني وجعلتها تلم بهذه اللغة. أما اللغة العربية فرضعتها في بيتها وفي مدرستها، مشيرة إلى أن الطفل مولع بالإيقاعات بطبعه، والعاطفة هي أهم شيء في تكوينه، وأن الإيقاع الموسيقي للشعر يساعد على تحسين الذاكرة السمعية واللفظية لدى الأطفال، كما يعزز لديهم مهارات الاستماع والانتباه.
كما تناولت ناصر الجانب التربوي والنفسي ودور الشعر الغنائي في نمو الطفل اللغوي، خاصة في العصر الرقمي والنوافذ المفتوحة المتعددة، ما يتطلب تأصيل اللغة الأم واعتزازه بذاته وهويته، كما أكدت أهمية اختيار النصوص الشعرية الغنائية بعناية، بحيث تكون ذات محتوى هادف وقيم تربوية تساهم في بناء شخصية الطفل بشكل متكامل.
من ناحيتها، أشارت آسيا عبداللاوي إلى أن الكتابة للطفل مجازفة شيقة وكتابة الشعر للطفل مجازفة أكبر من الكتابات الأخرى. وسلطت الضوء على الجانب الإبداعي والفني للشعر الغنائي وأثره في إطلاق خيال الطفل وتنمية حسه الجمالي، موضحة أن الألغاز الشعرية تجذب الأطفال للشعر، إذ إن الصور الشعرية البسيطة والمبتكرة في الأغاني تفتح آفاقًا واسعة لخيال الطفل وتشجعه على التفكير بطرق مختلفة، وهذا ما دفعها إلى التفكير في كتابة شعر يعتمد على الألغاز ويحبه الأطفال، حيث مزجت الغنائية بالتفكير، واستخدمت الإيقاع لتحفيز هذا الذكاء الصوتي.
وأشارت آسيا إلى أهمية التنوع في الأساليب الشعرية والألحان المقدمة للأطفال، لتلبية مختلف الأذواق والمساهمة في تكوين وعي فني لديهم، مؤكدة ضرورة إتقان الكتاب مهارة التواصل، مستشهدة بأكثر الأغنيات متابعة على نوافذ المشاهدة المخصصة للأطفال وتركيزها على الإيقاع والحركة البصرية، ما يستدعي ضرورة الاهتمام بالشعر الغنائي الموجه للأطفال ودمجه في المناهج التعليمية والأنشطة الثقافية، لما له من دور محوري في تنمية لغتهم وقدراتهم الإبداعية.
من بين الندوات الهامة في المهرجان ندوة “قوة الكتب المصوّرة”، تبادل المشاركون فيها الأفكار حول الكتب المصوّرة وقدرتها على تحفيز الخيال ومخاطبة الطفل بعدة حواس مجتمعة. شارك في هذه الندوة كُتّاب ورسّامون متخصصون في أدب الطفل اعتبروا أن الكتب المصوّرة تمثّل مدخلا بصريا ووجدانيا للخيال والمعرفة، وتمكّن الأطفال من تكوين علاقات وجدانية مع الشخصيات التي تحتويها، بحيث تترسخ في ذاكرتهم حتى مراحل متقدمة من العمر، موضحين أن الصورة تتفوّق أحيانا على الكلمة في قدرتها على إيصال المعنى، خاصة للأطفال من أصحاب الهمم.
تميزت الندوة بكونها جلسة حوارية شارك فيها كلّ من الرسّام الإماراتي خالد الخوار، والكاتبة الكويتية شيماء ناصر القلاف، والكاتبة البريطانية كلوي سافاج، والكاتبة الأميركية بيث فيري، وأدارتها الإعلامية تسنيم زياد.
الفنان والناشر الإماراتي خالد الخوار رأى أن الكتب المصوّرة تُدخل الطفل في عالم من الدهشة والارتباط العاطفي، فهي لا تقدم محتوى تعليميا فحسب، بل تُعزز أيضا الخيال وتخلق تجربة ساحرة، وأوضح أن ارتباطه بالرسم نابع من البيئة والذاكرة الشعبية الإماراتية، فهو يستلهم عناصر فنه وألوانه من المكان الإماراتي وتراثه البصري. واعتبر أن إدهاش الطفل أهم من تعليمه المباشر، فالكتاب الذي يُدهش يترك أثرا طويل الأمد في النفس والذاكرة، تماما كما تفعل القصة التي تنبض بالحياة من خلال رسومات مبدعة.
العرب