اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
د. ليلى صالح
خصّصت الجمعية العامة للأمم المتّحدة يوم ۲۵ من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كلّ عام يوماً دولياً للقضاء على العنف ضد المرأة، كما دعت جميع الحكومات، والمنظّمات الدولية، والمنظّمات غير الحكومية إلى تنظيم فعاليات خاصّة بهذا اليوم لتعزيز مفهوم القضاء على العنف ضدّ المرأة في جميع أنحاء العالم. وأتى قانون العنف الدولي ضد المرأة (I-VAWA) الذي هو تشريع مقترح يعالج مسألة العنف ضد المرأة من خلال السياسة الخارجية لـ “الولايات المتحدة الأميركية” ليدعم إجراءات منع العنف، ومحاسبة مرتكبيه، وحماية الضحايا، إذ إنّه يشتمل على أحكام تختصّ بمنع ممارسة العنف ضدّ المرأة في جميع الظروف. فكيف حرست الولايات المتحدة في سياستها الخارجية على تطبيق هذا القانون في غزة؟
العنف في علم الاجتماع
العنف لغةً: يعرّف العُنْف لغةً على أنّه الشدّة والقسوة، والفعل منه عَنُفَ، فيُقال: عَنُف بالرجل؛ أيّ لم يَرفق به وعاملهُ بشدةٍ وعنفٍ، أو لامه وغيَّره، والفعل منها أيضاً عَنّفَ.
والعنف اصطلاحاً: هو استخدام القوة بطريقة غير قانونية، أو التهديد باستخدامها من أجل التسبّب بالضرر والأذى للآخرين، ويُعرّف العنف في علم الاجتماع على أنّه السلوك العدواني الذي يُمارسه فرد، أو جماعة، أو طبقة اجتماعية معينة هدفها استغلال أو إخضاع الطرف المقابل ذي القوة غير المتكافئة سياسياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً، كما يُعرف على أنّه سلب حرية الآخرين سواء حرية التعبير، أو حرية التفكير، أو حرية الرأي، ممّا يؤدّي إلى أضرار مادية، أو معنوية، أو نفسيّة.
أنواع العنف الشائعة
العنف الجسدي: يُعدّ من أكثر أنواع العنف الشائعة، ويشمل ممارسة القوة للإضرار بجسد المرأة، بالضرب المباشر أو التعذيب أو الاعتداء على الجسد بواسطة آلة أو أسلحة فتاكة قد تصل بها إلى المرض والوفاة.
العنف النفسي: غالباً ما يرتبط العنف النفسي بالعنف الجسدي، كما يرتبط بالعنف المجتمعي، كأن تتأثر الحالة النفسية للمرأة بالعنف الذي يمارس على مجتمعها، فيظهر عن طريق شعورها بالخوف، أو الاكتئاب، أو القلق وقد يأتي نتيجة فقدان الأمن والرعاية.
العنف اللفظي: هو عبارة عن ألفاظ مسيئة، من شتائم وسباب، توجه للمرأة من أفراد، أو جماعات، أو جهات سلطوية، للإذلال، والترهيب، والرهاب النفسي.
العنف الاقتصادي: يشمل الندرة في وصول المرأة إلى الأموال لتلبية احتياجاتها المعيشية من مأكل وملبس وتعليم وغيره، وهو في الغالب يأتي نتيجة ظروف معيشية طبيعية ضاغطة، يمكن للمرأة احتوائها، وقد يمارس عليها من قبل أفراد أو مؤسسات أو شركات من خلال التفاوت بالأجور بين الجنسين، كما قد يأتي نتيجة حصار اقتصادي سياسي على المجتمع تتأثر به.
لماذا شُرع قانون العنف ضد المرأة
يُعد العنف ضدّ المرأة انتهاكاً واضحاً وصريحاً لحقوق الإنسان، ذلك أن عواقب العنف لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثّر على الأسرة والمجتمع بأكمله، فالمرأة مرتكز اطمئنان وسكينة الأسرة بأكملها، وأي خلل قد يصيب هذا المرتكز ستنعكس آثاره على باقي أفراد الأسرة بالاضطراب والتوتر وصولاً للشلل الوظيفي، كما تشمل ارتداداته السلبية مجالات أخرى اجتماعيّة، واقتصاديّة، وصحية وغيرها، هذا ما دفع إلى وضعه كمشروع قانون لأوّل مرّة في عام ۲۰۰۷م، حيث قُدّمت أهدافه والميّزات الرئيسية له، التي لا تزال تؤخذ بعين الاعتبار إلى يومنا هذا.
تطبيق القانون في غزة
تقول هبة الزيان، مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في غزة “أطلقنا حملة مشتركة، بعنوان كلنا ضد العنف، حملة تضم أكثر من ۶۰ شريكا دولياً ومحلياً من مؤسسات بالضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة، هذه الحملة هدفت بشكل أساسي إلى إلقاء الضوء على قضية العنف ضد المرأة وأهمية محاربة ومناهضة العنف بجميع أشكاله.” الحملة انطلقت في ۶ كانون الأول/ديسمبر ۲۰۱۹ في قطاع غزة بإنارة أكثر من مبنى باللون البرتقالي، وهو اللون الذي تم الاتفاق عليه عالمياً كشعار يستخدم تحت شعار اتحدوا ضد ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات.
المرأة الغزاوية في حرب طوفان الأقصى
بدأ الكيان الإسرائيلي الغاصب بفرض الحصار على قطاع غزة في يونيو/ حزيران ۲۰۰۷، حيث أعلن قطاع غزة «كياناً معادياً» وفرض عقوبــات مشددة على دخـــول الوقـــود والبضائع وحركـــة الأفراد مـــن وإلــى القطـــاع. وخلال سنوات الحصار، شنّت القوات الإسرائيلية أربعة هجمات عسكرية مدمّرة على القطاع، أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت المدنية، وأحدثت دماراً واسعاً في مرافق البنى التحتية.
فبموجب القانون الدولي، ما يزال قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من الانسحاب أحادي الجانب من القطاع عام ۲۰۰۵، إذ احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على منافذ القطاع البرية والبحرية والجوية.
ومنذ بداية معركة «طوفان الأقصى» تتعرض غزة لعدوان إسرائيلي أمريكي مدعوم بالأسطول المشترك الأمريكي والأوروبي، في جريمة إبادة جماعية منظمة استمرت لأكثر من شهر ونصف، لم نشهد له سابقة في تاريخ الحروب المعاصرة من ممارسة التوحش والإجرام بحق المدنيين تحديداً، والنساء والأطفال على وجه الخصوص، ما يجعل العنف الممارس من سياسة العدوان الإسرائيلي بإدارة أمريكية صرحت بها، يتجاوز العنف إلى الجريمة المجتمعية الموصوفة بحق المدنيين نظهر أبرزه.
جريمة العنف الجسدي
غزة غير مؤهلة بملاجئ تستوعب الاكتظاظ السكاني، ولم تسلم الأماكن المدنية من مدارس ومشافي، ومساجد وكنائس، من آلية القصف الصهيونية، حيث تعرضت لمجازر أبادة جماعية أبيدت فيها عائلات بالكامل، فضلاً عن ملاحقة النازحين المدنيين بالقتل بالرغم من التنسيق مع الصليب الأحمر، لم يسلم أكثر ۲۰% من النازحين من مشفى الاندونيسي الذي هو أكبر مجمع استشفائي في غزة بعد احتلاله من العدو، كما أعرب مدير عامّ منظمة الصحة العالمية «تيدروس أدهانوم غيبريسوس» عن «صدمته» من الهجوم الإسرائيلي على المستشفى الإندونيسي بغزة، بعد أسبوعين من العدوان، كما طالبت منظمة العفو الدولية بالتحقيق في «جرائم حرب قام بها الصهاينة في غزة»، فلا أماكن آمنة لإيوائهم إذ بلغ عدد المقرات الحكومية المدمرة ۹۵ مقراً حكومياً، إلى جانب ۲۵۵ مدرسة، و۷۶ مسجداً مدمراً تدميراً كلياً، و۱۶۵ مسجداً تعرضت للتدمير الجزئي، إضافة إلى استهداف ۳ كنائس. كما خرجت ۲۵ مستشفى و۵۲ مركزاً صحياً، عن الخدمة، واستهدف الاحتلال ۵۵ سيارة إسعاف حتى اليوم ۴۳ من العدوان، وجريمة العنف الجسدي المجتمعي مستمرة على المدنيين، ولم يراع تطبيق أدنى قوانين المنظمات الدولية لدرء جريمة إبادة منظمة لمجتمع بكامله، إذ أعلن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة عن ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع جراء العدوان الإسرائيلي إلى ۱۴ ألفا و۵۳۲ شهيداً، بينهم أكثر من ۶ آلاف طفل و۴ آلاف امرأة وهو ما يشكل نحو ۷۰% من الشهداء، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غير الذين ما زالوا تحت الركام، ناهيك عن عدد الجرحى الذي بلغ أكثر من ٣٠ الفاً.
جريمة العنف الاقتصادي
واقع غزة بفعل الحصار الاقتصادي كارثي فضلاً عن أنها أكثر اكتظاظا انسانيا عالميا، ولم يسمح بالدخول إليها أكثر من ١٠ % من حاجتها اليومية من مواد غذائية وطبية وغيره بعد أسبوعين من العدوان تحت الضغط العسكري من جبهات محور المقاومة إلى جانب الرأي الجماهيري بالتظاهرات ضد الكارثة الإنسانية الحتمية من التجويع وفقدان الماء والرعاية الصحية، وأدنى متطلبات الحياة، يمكن وصفه بجريمة عنف اقتصادية.
جريمة العنف النفسي
كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، أن النساء الحوامل في قطاع غزة، لا يتمكن من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، مضيفاً في بيان بأن «۵۰ ألف امرأة حامل في قطاع غزة لا يستطعن الحصول على الخدمات الصحية، ۵ آلاف و۵۰۰ منهن سوف يلدن خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري». ناهيك عن خمسة آلاف امرأة وضعت حملها، لم يُعرف ما جرى عليها وعلى مولودها، هذا فضلاً عن وجود ۴۵۰ ألف امرأة حامل في قطاع غزة ما زالت تحت القصف وفي ظروف حصار اقتصادي سياسي عسكري، وهن «يحتجن إلى رعاية صحية وحماية عاجلة»، والفلسطينيات الحوامل يواجهن حالات إجهاض وولادة مبكرة، في القطاع الذي لم تسلم فيه المستشفيات من القصف الإسرائيلي، وخرجت أغلب مستشفياته عن الخدمة بعد تعرضها للاحتلال المباشر وممارسة العنف والترهيب المباشر على المرضى والجرحى، في عملية ممنهجة طالت كل مشفى بالتتالي من المعمودية الى الشفاء وصولاً للمشفى الإندونيسي، لم تتوانَ قوات الاحتلال من إرغام الجرحى والمرضى والنازحين على الخروج من المشافي وتركهم يواجهون مصير الموت تحت قصف الصواريخ الإسرائيلية. هذا ما أكده الطبيب «عبد الحكيم شحاتة»، الذي يشغل منصب القائم بأعمال مستشفى الحلو، للأناضول «منذ بداية العدوان على غزة عدد كبير من النساء يحصل عندهن ولادة مبكرة وحالات إجهاض كثيرة وراءها الخوف والهلع».
جريمة العنف الإعلامي
منذ بداية العدوان عملت كبريات شركات التواصل الاجتماعي وما زالت الداعمة للعدوان على غزة على إغلاق أغلب منصات التواصل الاجتماعي العامة والخاصة التي تنشر أخبار الاعتداءات الصهيونية الأمريكية على غزة، وبفعل التحول في الرأي العام العالمي الذي ظهر في التظاهرات الكبيرة في العواصم الأوروبية والأميركية، منددة بالعدوان ومطالبة بوقفه بعدما استطاع الإعلام المقاوم من تفنيد أكذوبة الرواية الإسرائيلية، مما أحرج كبريات مؤسسات الإعلام العالمية أمام جمهورهم، لجأت القوات الصهيونية إلى إسكات صورة وصوت الحقيقة في ملاحقة ممنهجة للإعلاميين، لم نشهد لها سابقة في حروب معاصرة، ولم تسلم المرأة الصحفية المدنية من الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة فها هي «فرح عمر» تسقط شهيدة مع مسيرة شهداء الإعلام الذي فاق ۷۰ صحفياً أثناء العدوان في عملية استهداف مباشرة، لتُدخل شكل جديد من الجرائم الإسرائيلية إلى المجتمع تحت مسمى جريمة العنف الإعلامي.
مارس الكيان الصهيوني كل أشكال العنف ضد المرأة في العدوان على غزة، بإدارة السياسة الخارجية الأميركية، متجاهلة تماماً قانون العنف ضد المرأة (I-VAWA) الذي أبرمته، وحرصت على تطبيقه مع نشطاء محليين ودوليين في غزة تحديداً كما ذكرنا، ولم نسمع مطالبة جدية من هذه المنظمات الدولية الحقوقية بالضغط لتحييد المدنيين أو السماح لدخول المساعدات الإنسانية المطلوبة لتفادي إبادة مجتمع بكامله، منهم النساء على وجه التحديد. فمجمل هذه المؤشرات المجتمعية وتجاوزاً لوجهتنا السياسية تضعنا بين عالمين مجتمعين لا يمكن الحياد فيهما: عالم التوحش والشذوذ المتمثل بالكيان الصهيوني وأمريكا وأحلافها وعالم الإنسانية والقيم الأخلاقية المتمثل في محور المقاومة.
المصدر: الوفاق