اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
ويحاول فيلم “الأميرة النائمة” الذي أنتجته الجزيرة الوثائقية، الإجابة عن هذا السؤال عبر تسليط الضوء على ظاهرة تأخر سن الزواج في المجتمع اللبناني، وذلك من خلال ۵ شخصيات نسائية مختلفة أعطين الأولوية لبناء مستقبل مهني ناجح، وفضلنه على الزواج وتكوين عائلة.
واللافت في هذا الفيلم أن مخرجه هو ضحية أيضا لتأخر سن الزواج، إذ أنه يبلغ من العمر ۴۰ عاما ولم يتزوج بعد، وعندما نظر حوله وجد أن هناك عددا كبيرا من النساء في نفس سنه ولم يتزوجن بعد، فأراد إعداد هذا الفيلم ليحصل على أجوبة واقعية ومبنية على خبرة بعيدا عن النظريات والتحليلات.
ستكون البداية مع طَرفة عيتاني، وهي مصممة مجوهرات وناجحة في مجال عملها، وتقول إن أول سؤال يطرح عليها هو: “لماذا لم تتزوجي بعد رغم أنك جميلة؟”، ثم يشرعون بنسج حكايات حول أسباب بقائها عزباء، ليأتيهم الجواب بقولها إنها لم تلتق بعد بالشخص المناسب التي تشعر أنها تود الارتباط به.
تقول طرفة إن الزواج ليس هدفا بحد ذاته، لأنك تستطيع أن تجد الشريك في كل المراحل العمرية، وتسأل –باستغراب-: لماذا يُربط الزواج بسن محدد؟ هذا ليس سليما.
ورغم اعترافها أنها وقعت في الغرام أكثر من مرة، فإن هذه العلاقات لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة، من بينها أنها كانت صغيرة في السن، أو لم تكن مقتنعة بشكل كاف بالطرف الآخر. وتقول: الحب غير مرتبط بالزواج، ومحظوظة هي التي استطاعت إيجاد الحبيب الذي أصبح زوجا وعاشت معه سنين عددا، وهذه العلاقة نادرة أو شبه مستحيلة.
وتضع طَرفة اللوم على الأم التي تربي البنت على أنها “ساندريلا” والولد على أنه “بطل خارق”.
تلفت طرفة عيتاني إلى نقطة مهمة، وهي تكاليف الزواج والمسؤوليات والأعباء الملقاة على الرجل كي يقدم على هذه الخطوة التي ترعبه، وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها لبنان، فالرجل لا يستطيع أن يتكفل بمصاريفه الشخصية، فكيف بمسؤولية عائلة كاملة؟
ناهيك عن أن الرجل يجب أن يتكفل لوحده بمصاريف المنزل، وهذا يعود لثقافة المجتمع والتربية المنزلية للنساء الشرقيات بأنهن أميرات، والرجل هو الذي يدفع، والمرأة تربي الأولاد، وإذا كانت امرأة عاملة فإنها لا تساعده، من مبدأ أن ما تجنيه لها وما يجنيه له ولها.
تبحث طَرفة عن رجل طموح مثلها أو أكثر، وتقول إن هذا لن يؤدي إلى صدام اجتماعي طالما أن هناك إدارة للوقت، فالراحة داخل المنزل تنعكس زيادة في الإنتاجية بالعمل.
تتطرق طَرفة عيتاني إلى أن النسب العالية للطلاق بين صديقاتها تؤكد أن الأرضية التي بنيت عليها هذه العلاقات غير سليمة، واللافت أن أغلب طلبات الانفصال في المجتمع اللبناني -الذي تضاعفت فيه نسب الطلاق- تأتي من النساء وليس من الرجال.
وتنظر طَرفة إلى الزواج على أنه علاقة صداقة وحب ومودة ولحظات سعيدة، وليس عبئا ومسؤولية وأفكارا سلبية، وتقول إن أغلبية الناس يتزوجون لإنجاب الأطفال، وهذا ليس أمرا عادلا، لأن هذا الطفل يجب أن يكون ثمرة حب وود، وليس فقط لأن الضغوط المجتمعية تفرض ذلك.
وترى أن العائلة والأطفال لا يقفان بوجه النجاح المهني، والأمثلة كثيرة في العالم، والأهم إنما هو إدارة الوقت، وتختم حديثها بأن الشخص المناسب هو الذي يتفق معها في ۳ مستويات: الكيمياء العقلية والعاطفية والجسدية.
البطلة التالية في فيلمنا هي أدريانا لُبُّس، وهي مصممة شعارات في إحدى شركات الإعلانات، وتروي قصة عن لقاء لها مع زميلة دراسة لم ترها منذ نحو ۲۰ عاما، فقبل السلام والكلام نظرت إلى يدها وصرخت بها “ألم تتزوجي بعد؟”، فنظر الناس الذين كانوا موجودين في المكان إلى أدريانا، وكان جوابها: “حظ سيء، ماذا أفعل؟”، ثم شعرت بالإحراج الشديد وغادرت المكان بسرعة.
تعترف أدريانا أن تأخرها في الزواج بات يزعجها، ولهذا أنشأت مدونة إلكترونية لتكتب فيها عن تجاربها وتشرح أسباب عدم زواجها هي وأقرانها في هذا المجتمع.
وذهبت أدريانا أكثر من ذلك ودخلت أحد تطبيقات التعارف، وحاولت الحديث والتعرف على أكثر من شخص على أمل أن يكون المناسب لها، وكانت تبحث عن رجل تمضي معه حياتها لا أن تكون علاقتهما عابرة، لكنها لم تجده، ووصلت إلى قناعة مفادها أن “الفتاة التي تريد الزواج عليها مغادرة لبنان”.
تسبح أدريانا عكس التيار وتتمسك بمبادئها، رغم أن كل ما يحيط بها يؤكد أن الحب لديه مدة صلاحية، وستنتهي عاجلا أم أجلا، فإن لم تجد هذا الرجل المثالي، فتفضل البقاء وحدها.
وبحسب أدريانا، فإن عدد الإناث في لبنان كبير جدا فالمعدل هو ۸ بنات لكل شاب، ناهيك عن مشكلة تأخر سن الزواج في المجتمع اللبناني، ومن يستطيع الزواج هاجر وترك البلاد. وتكشف أنه بعد عام كامل من التجارب والأبحاث والمغامرات تأكدت أن الرجال في لبنان غير صالحين للزواج، فهي تبحث عن رجل وسطي في كل شيء، حتى يتناسب مع شخصيتها وطبعها.
وتربط أدريانا تأخرها في الزواج -رغم أنها كانت قادرة على إتمام هذه الخطوة في سن الثلاثين- بشغفها في تحقيق ذاتها والانتهاء من إنجاز أول كتبها، ولكن عندما شعرت أنها اكتفت مهنيا وحان الوقت، وجدت أنها كبرت في السن، ولم تعد تجد الرجل المناسب.
وبرأي أدريانا، فإن السن المناسب للزواج هو في الثلاثين لأن الشخص يصبح ناضجا وقراراته مسؤولة، والزواج في سن مبكر يؤدي إلى الطلاق بحسب حالات كثيرة تعرفها. ورغم وصولها إلى سن الـ۳۹، فإن والدتها –غير الراضية عن هذا الوضع- ترى أنها لم تجد الشخص المناسب الذي يستحقها، وكل الذين تقدموا لها في السابق لم يكونوا في المستوى المطلوب.
نصل إلى المحامية والناشطة الاجتماعية رُبى شكر التي تحدثت عن الأمنية المتكررة التي تسمعها كلما التقت بأحد تعرفه: متى سنفرح بك؟
وبسبب تكرار هذا السؤال، بات جوابها الدائم هو أنها كل يوم تقيم حفلة، فمن يريد أن يفرح بها، فهو مدعو لهذه الفرحة. وتتابع أن العائلة والأصدقاء ينصحونها بأن عليها الزواج، لتجد أحدا يهتم بها عندما تتقدم في السن، لأن والدها ووالدتها لن يدوما لها كل العمر.
تقول ربى إنها لا تريد الزواج الآن، وهي متصالحة مع نفسها في الوقت الحاضر، ولا ترغب في الإقدام على هذه الخطوة، لأنها قد تفقدها حريتها، وحين يفقد المرء حريته فإنه يفقد إنسانيته، ولهذا فهي تبحث عن شخص يرتبط بها ولا يسلبها حريتها التي تعتبرها أعز ما تملك.
وهي ترى أن أولويات الحياة تتبدل، ففي كل مرحلة أولوية تتقدم على الأخرى كالعمل والعائلة والنشاطات الاجتماعية، ولهذا فإن هناك تدرجا في هذه المواضيع، وليس بالضرورة أن يكون الهم الأول والأولوية الأولى هو الزواج، ولكن المجتمع لا يتفهم هذا الموضوع.
تشترط ربى شرطا إضافيا للارتباط، وهو أن تعيش حياة هادئة وهانئة مع شريكها، حتى تؤسس عائلة متوازنة ولا تجني على الأطفال، والأهم أنها ترفض التنازل عن أمور أساسية بالنسبة لها من أجل أن تتزوج، فهي تعتبر أن مهنتها قد تشكل عائقا إضافيا أمام زواجها، لأتها تمكث فترات طويلة خارج المنزل واجتماعات مع موكلين ذكور، وقد يكون الزوج متفهما في البداية، ولكن هذا التفهم قد يصل إلى مكان يتحول فيه إلى سؤال وسجال وصدام.
ولهذا قدمت ربى اقتراحا “مجنونا” بأن يتزوج الرجل والمرأة ويسكن كل منهما في منزله، ويلتقيان من وقت لآخر، وعندما يتأكدان أنهما بحاجة لبعضهما يسكنان في منزل الزوجية.
أما نظرية “كل بمنزله”، فوصفها والد ربى بأنه زواج الأصدقاء، وهذا غير مقبول في المجتمع اللبناني، ويتابع أن هذه النظرية مردها إلى شدة تعلقها بالمنزل والأهل والراحة والأمان الذين تشعر بهما في منزلها، وقد تكون هذه مشكلة في الوقت نفسه.
تقول والدة ربى إن كثيرا من العرسان تقدموا لطلب يدها ولكنها كانت ترفضهم، حتى قبل أن يدخلوا المنزل أو يقابلوها هي ووالدها. وتنتظر ربى شخصا يخطفها من واقعها دون تخطيط أو مقدمات أو تفكير.
بطلتنا التالية في الفيلم لها قصة أخرى في موضوع التأخر بالزواج فقد كانت فاديا أبو غانم معلوف أول رئيسة بلدية في لبنان، وانغمست بالشأن العام لدرجة أنها نسيت نفسها. وتقول إن الشأن العام سرق كل وقتها ومطالب الناس والعمل البلدي جعلا يومها –الذي كان يبدأ الساعة ۶ صباحا وينتهي ۴ فجرا- متسارعا، ولا تعرف طعم النوم سوى ساعتين فقط.
تقول فاديا: عندما يقرر الرجل تأسيس عائلة، عليه أن يكون قادرا على تكريم المرأة التي يتزوجها ويدللها ويكرمها كما كانت في منزل ذويها، ولهذا فمن الممكن أن تتفهم عدم قدرة كثيرين ممن بقوا في لبنان على الإقدام على هذه الخطوة، لأن ظروف البلاد سيئة جدا.
وترى فاديا أن الرجل هو من يجب أن يتكفل بحاجيات المنزل ومصاريف والعائلة وعليه أن لا يحسب كم المدخول الشهري الذي تتقاضاه زوجته. ومعنى كلمة رجل -بالنسبة لفاديا التي تزوجت عندما تقدمت في السن- هي: الكرم والكرامة والعقل والقلب وتحمل المسؤولية والطموح.
تروي فاديا أبو غانم معلوف أن والدها ووالدتها تعرضا لوعكة صحية، وكانت هي وأشقائها إلى جانبهما، وكانت والدتها تتمنى أن تتزوج ويكون لديها أطفال حتى يهتموا بها في حال مرضت.
فقد أعربت فاديا، عن ندمها لأنها لم تتزوج في سن مبكرة وتكّون عائلة وتنجب أطفالا، وهذا يبقى الأهم بالنسبة للأهل رغم كل الإنجازات التي تحققها المرأة في المجتمع اللبناني. ورغم هذا الندم على عدم إنجاب الأطفال، فإذا خُيرت فاديا بين إنجاب الأطفال والانغماس في العمل العام، فإنها تختار العمل.
وتتحدث عن خلافات كبيرة في البداية بينها وبين زوجها، فقد أحبته ثم تزوجا وهي الآن سعيدة جدا بحياتها الزوجية، وزوجها “أجمل شيء في هذه الدنيا، لأن الحياة خلقت لاثنين، وأمر جميل عندما تعود إلى منزلك بعد انتهاء عملك أن تجد شخصا يحبك ويحترمك ويقدرك ويكون نصفك الثاني”.
تُقر المنتجة والمستشارة رولا ثلج، أن الجميع يحتاج لشريك كي يكمل حياته معه، وحتى لو حقق الرجل أو المرأة ذاته أو ذاتها مهنيا تبقى الحاجة ماسة لحبيب ورفيق درب يسير معه على دروب الحياة الشاقة.
وتقول إنها كانت تحتاج لطبيب نفسي حتى يساعدها على الخروج من حالتها وعدم الزواج في سن مبكرة، لكنها ترفض العلاقات المعلبة التي تخنق الشخص أو تجبره على أن يكون على صورته، وتكره الكذب ولا تغفر الخيانة. وتقر أن والدها كان “الرجل الخارق” في حياتها منذ طفولتها، فهو الشخص الذي يعمل بجهد وكد لتأمين متطلبات العائلة والعيش الكريم لها.
ومع تقدمه بالسن بدأ يتقاعد من عدة أدوار كان يؤديها بسبب المرض والعجز، ومنذ ذلك الوقت بدأت تشعر بأنها أخطأت برسمها صورة خيالية للرجل الذي يجب أن يكون دائما قويا، ولا يضعف مهما كانت الظروف. ولا تستبعد رولا تقديم التنازلات للعيش مع شخص ينجح في إثارة فضولها وتعلم أشياء جديدة منه، وتعتبر أن دور المرأة أساسي في استمرارية العلاقة.
تروي رولا ثلج الضغوطات والمضايقات التي تعرضت لها من رجال سلطة ورجال أعمال وزملائها في العمل لأنها عندما بدأت بالعمل كانت صغيرة ولم يكن الأمر شائعا، ولكن في الوقت الحالي تغيرت الظروف ۱۸۰ درجة، وباتت المرأة التي لا تعمل هي النادرة.
ورغم أنها متعصبة لعمل المرأة واستقلاليتها فإنها لا توافق على المساواة بين الرجل والمرأة، ففي العلاقة السليمة ينبغي أن يكون هناك دور للرجل وآخر للمرأة. وفي حال لم يحالفها الحظ لتجد إنسانا تكمل معه حياتها فإنها ستلجأ لخيار التبني وتكون ضربت عصفورين بحجر واحد؛ عمل إنساني، وتغيير مستقبل طفل ظلم في هذه الحياة.
وتتمنى رولا رغم سنها أن تعيش الحب من أول نظرة، حتى ولو تراجع مع سنوات الزواج، ولكنها ما زالت تحلم به.
تقول المحللة النفسية باسكال مراد إن المغروم لا يريد الحرية بل يأمل في البقاء قرب خليله حتى آخر لحظات حياته، ومن خلال شهادات النساء الخمس، يتضح لنا أنهن لم يشعرن يوما بالغرام والحب والشغف.
وتتابع قائلة إن خيار الشخص الواحد الذي يبدأ كحبيب ثم زوج وبعدها رب عائلة صعب جدا، ولهذا فاختيار الشريك ينبغي أن يكون على أسس، وإذا لم تنجح هذه العلاقة فهناك خيارات أخرى كالطلاق والانفصال، وما زلنا في لبنان نضع أمامنا هذه المعايير الخيالية أو المثالية والعيش في عالم الأحلام والخيال.
وترى باسكال أن أحد أسباب تأخر الرجل أو المرأة بالزواج يعود إلى صدمة عاشاها، وهذا يحول الرجل إلى آلة حاسبة، فهو يفكر في أدق التفاصيل والمصاريف قبل القدوم على خطوة الزواج هذه.
تسلط المحللة النفسية باسكال مراد الضوء على أن المرأة العاملة باتت مستقلة ماديا واجتماعيا، وباتت فعالة في المجتمع، ولهذا فإن النساء بتن يؤجلن مشروع الزواج لفترة معينة، ولكن دون إلغائه. وفي ظل وجود خيار الطلاق يصبح أسهل على الطرفين الإقدام على خطوة الزواج، وفي حال عدم التفاهم يكون الانفصال خيارا، والأهم أن لا يشكل هذا الخيار هاجسا أو مشكلة اجتماعية لدى الطرفين.
وتشير المحللة النفسية إلى أنه في سن الأربعين تبدأ أجسامنا بالتعب، فلم تعد كما كانت قبل ۱۰ سنوات، ونشعر أننا في حال مرضنا نحتاج لشريك يهتم بنا، وأن يكون بجانبنا ويساعدنا.
وتختم قائلة إن هناك أمرا مهما جدا، وهو علاقة الأهل بأبنائهم، وكيف أثرت على نظرتهم للزواج، وهل تحول الإلحاح من الوالد أو الوالدة على الزواج إلى رفض وتمرد على هذه الخطوة، ولهذا ازدادت في لبنان مؤخرا ظاهرة تأخر سن الزواج.
المصدر : الجزيرة