المرأة في مرآة الرواية الرضوية: سكينة، أصالة، قوة

في رواية نورانية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، يُقدَّم مقام المرأة المؤمنة كمصدر للسكينة والوفاء والثقة في الأسرة؛ نظرة عميقة ومتوازنة تؤكد على ا لعقلانية والعاطفة والأمانة، وتقدم صورة معززة للمرأة، وتقدم إجابة واضحة للتحديات الهوياتية للمرأة في العصر الحاضر.

في رواية نورانية، يقول الإمام الرضا (عليه السلام):

«لا يَنفَعُ الرَّجُلَ نَفْعٌ بَعْدَ الإیمانِ بِاللّهِ عزّ وجلّ، أَفْضَلُ مِنِ امرَأَةٍ ذاتِ خُلُقٍ حَسَنٍ، إِنْ نَظَرَ إِلَیْها سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَمَرَها أَطاعَتْهُ، وَإِنْ غابَ عَنْها حَفِظَتْهُ فی نَفْسِها وَمالِهِ»

هذا القول الثمين للإمام الرضا (عليه السلام) يقدم المرأة ليس مجرد زوجة، بل محور السكن والثقة والاطمئنان في الحياة المشتركة. إنه يعدد الخصائص المطلوبة للمرأة المثالية، والتي تؤدي في سياق العلاقات الإنسانية والزوجية إلى نقطة التقاء الحب والعقل والدين.

۱. إمتاع البصر وإرضاء القلب

المرأة، في نظر الإمام، مصدر فرح وسكينة لقلب الزوج. هذه النظرة تتجاوز المظهر؛ بل الابتسامة والمودة والوقار والكلام اللطيف، كلها تندرج في “سرور الزوج من النظر إلى زوجته”. المرأة المسلمة، مع الحفاظ على الحياء، يمكنها ويجب أن تكون امرأة تعطر أجواء المنزل بلطف حضورها.

۲. طاعة عاقلة، لا طاعة عمياء

في هذه الرواية، تُذكر طاعة الزوجة كصفة إيجابية. هذه الطاعة لا تنبع من ضعف، بل من موقف العقلانية والمحبة والإدارة الداخلية للمرأة. المرأة العاقلة تعرف متى تصمت، ومتى ترافق، ومتى توجه؛ وهذه “الطاعة” هي بعد من أبعاد الإدارة الناعمة للمرأة في الأسرة.

۳. الأمانة في غياب الزوج

يمدح الإمام الرضا (عليه السلام) المرأة بصفتها حارسة حرمة نفسها، والأسرة، وأمانات الزوج المادية والمعنوية في غيابه. هذه علامة على قمة الثقة ومكانة المرأة؛ شخص ليس فقط ضابطًا لنفسه، بل حافظًا لشرف الأسرة وكرامته أيضًا. هذه التعاليم تظهر المرأة ككائن جدير بالثقة ورشيد ومحترم.

المرأة اليوم: مزيج من الأصالة والوعي

في عالم غالبًا ما تُنسى فيه المرأة إما في هامش التقليدية المتطرفة، أو تغرق في عاصفة الحداثة المتجذرة، فإن إعادة قراءة أقوال أهل البيت (عليهم السلام)، وخاصة نظرة الإمام الرضا (عليه السلام)، توصلنا إلى فهم متوازن ومعزز للمرأة.

اليوم، تواجه المرأة في المجتمع المعاصر أسئلة مهمة أكثر من أي وقت مضى:

هل يمكن أن تكون زوجة وأمًا جيدة، وفي الوقت نفسه تلعب دورًا في المجتمع؟ هل الاعتماد العاطفي في الحياة الزوجية علامة ضعف أم نضج؟ هل الدين يريد من المرأة فقط الطاعة والصمت؟ هذه الرواية لديها إجابة قوية ومتجذرة على كل هذه الأسئلة.

في هذه الرواية، يقدم الإمام الرضا (عليه السلام) المرأة على أنها “أفضل ما يناله الرجل بعد الإيمان”؛ هذا التعبير لا يضع المرأة بجانب الرجل فحسب، بل يشركها أيضًا في سمو إيمانه.

هذا يعني أن المرأة ليست مجرد “مرافقة” للرجل، بل هي جزء من عملية نموه وتطوره.

نقطة أخرى هي الجمع بين العقلانية والمحبة في حياة المرأة. إن طاعة الزوج في الرواية لا تنفي الاستقلالية، بل تظهر أن المرأة من خلال فهمها الصحيح لمكانة الرجل العاطفية والنفسية، تلعب دورًا فعالاً في تحقيق التوازن النفسي للأسرة. هذه التعاليم، على عكس القراءات المحرفة، لا تعتبر المرأة كائنًا سلبيًا، بل تقدمها على أنها “مديرة العاطفة” و “حارسة السكينة” في المنزل.

في عالم اليوم الذي ترتبط فيه هوية المرأة أحيانًا بالمظاهر أو النجاح الخارجي، يركز هذا الحديث على إعادة بناء المرأة الداخلية؛ المرأة المؤمنة هي التي تحافظ على الحرمة والأمانة والحب والمسؤولية حتى في غياب الزوج. هذا يعني أن المرأة، حتى عندما لا تُرى، تظل الشخصية “الأكثر وضوحًا” في أمن الأسرة وتماسكها.

في‌ الختام:

المرأة في الفكر الرضوي هي مزيج من الجمال والعقل والوفاء والأصالة؛ ليست تائهة في الترف، ولا أسيرة الصمت، بل جوهرة قلب المنزل. ربما يكون العودة إلى هذه الصورة الإلهية هو ما تحتاجه المرأة اليوم أكثر من أي وقت مضى في ضجيج الشعارات البراقة.

إذا كانت المرأة اليوم في العالم الصاخب تواجه صراعًا بين الأصالة والمعاصرة، أو الإيمان والاستقلال، فإن الرواية الرضوية تعلمها أنه يمكن أن تكون مؤمنة وسعيدة ومؤثرة ومخلصة. في هذه الصورة، المرأة ليست متفرجة على الحياة، بل خالقة فضاء آمن ومبهج؛ جوهرة لا تضيء في ظل الرجل، بل في نور الإيمان.

مصادر الحديث: عیون أخبار الرضا، ج۲، ص۵۸/ وسائل الشیعه، ج۱۴، ص۱۵، باب ۱، حدیث۲

مهتا صانعي