اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
واعتبر المختصون أن ضعف النظام التربوي الذي أدى إلى تفاقم ظواهر الرسوب والتسرب المدرسي وتراجع التحصيل الدراسي، وضعف الأنظمة الاقتصادية التي تؤسس للبطالة وضعف المقدرة الشرائية، وضعف النظام الأسري جراء غياب التواصل والإحاطة، كلّها عوامل مدمرة لفئة الشباب.
وبيّنت سامية بن يوسف، الأستاذة المساعدة في علم نفس الشغل والتوجيه المهني، خلال ملتقى علمي دولي التأم بالمكتبة الوطنية بالعاصمة، تحت عنوان “هشاشة فئة الشباب”، أن أنظمة الأسر في تونس وغيرها من المجتمعات أصبحت تعاني من هشاشة و معاناة النفسية للشباب، جراء الاستعمالات المفرطة لوسائل التكنولوجيات الحديثة، حيث فرضت على أفرادها العيش في عزلة وسط تراجع واضح للتواصل والتعبير والإفصاح عن الشواغل فيما بينهم.
ولفتت إلى أن هذه الوضعية تجعل الشاب فاقدا للإحاطة النفسية والاجتماعية من جهة، وتجعل النجاح مقتصرا في نظره على الماديات والمظاهر المبهرة مثلما تروج له شبكات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن عدم تمكنه من تقليد هذه النماذج يجعله يعيش إحباطا يؤسس إلى هشاشة نفسية تجرفه نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر.
أنظمة الأسر في تونس وغيرها من المجتمعات أصبحت تعاني من هشاشة ومعاناة النفسية للشباب جراء الاستعمالات المفرطة لوسائل التكنولوجيات الحديثة
بدوره، بيّن أستاذ التعليم العالي في علم الاجتماع أحمد خواجين أن كلمة “الهشاشة” من أصل لاتيني وتعني في مجال الطب “جرح في الجسد وجرح في الروح” ، وهو ما يترجم تماما، حسب طرحه، ما يعانيه شباب اليوم، ما يجعلهم يضعون إستراتيجيات ويبتدعون حلولا للتأقلم مع الهشاشة والضبابية والتهميش، قد تكون مدمرة أحيانا مثل إدمان المخدرات أو الانتحار أو الهجرة غير الشرعية أو الجريمة، وقد تكون إيجابية مثل المثابرة في الدراسة والانخراط في المبادرات الاقتصادية الخاصة.
أما أستاذ علم النفس صلاح الدين بن فضل فشدد على أن إصلاح وضع الشباب ينطلق بوضع سياسات وطنية تأخذ بعين الاعتبار رؤيتهم للمستقبل وتراعي نفسيتهم، فضلا عن تشريكهم قبل وضع هذه السياسات والأخذ بعين الاعتبار اقتراحاتهم المتعلقة بإصلاح المنظومات الاقتصادية والسياسية والتربوية.
وأكّد على ضرورة القيام بتشخيص لوضع الشباب اليوم استنادا إلى دراسات وبحوث علمية دقيقة، يتمّ في ضوئها وضع سياسات وإستراتجيات وطنية ذات جدوى وتلبي الحاجات الأصلية والحقيقية لهذه الفئة.
من جهة أخرى، أشار الدكتور محمد الجويلي، أستاذ علم الاجتماع، إلى أنّ العائلة التونسية تمرّ بتحوّل هيكلي عميق، من العائلة الممتدة إلى العائلة النووية الصغيرة، حيث لم تعد العائلة تلعب دورها الرمزي والتضامني السابق، بل تقلّص حضورها إلى مجرد وحدة سكنية تجمع أفرادًا لكلٍّ منهم مشروعه الفردي المستقل، بل والمتناقض أحيانا مع مشاريع بقية أفراد الأسرة.
وأكد الجويلي في تصريح لإذاعة محلية خاصة على أنّ هذا التغيّر أدّى إلى نمط جديد من “التعايش الفرداني” داخل نفس الفضاء العائلي، تُختزل فيه العلاقات إلى تفاهمات آنية، يغيب عنها الانتماء المشترك للمصير ذاته. أما الأدوار الأسرية، التي كانت تُسلَّم وتُمارس دون نقاش، فقد أصبحت الآن محلّ تفاوض دائم، ما يخلق توترا داخليا وتعرّضا أكبر للعنف الرمزي والمادي، بل وحتى النفسي.
ضرورة القيام بتشخيص لوضع الشباب اليوم استنادا إلى دراسات وبحوث علمية دقيقة، يتمّ في ضوئها وضع سياسات وإستراتجيات ذات جدوى وتلبي الحاجات الأصلية لهذه الفئة.
وأدى هذا التحول إلى بروز الفرد في صورة الفاعل المركزي في المجتمع، لكن ليس بالضرورة من منطلق الحرية، بل من موقع المسؤولية الثقيلة والمفروضة. فالمجتمع، تحت تأثير النظام الرأسمالي الحديث ووسائل التواصل الرقمي، أصبح، بحسب الجويلي، يُملي على الفرد أن يكون “ناجعا” في كل شيء: دراسته، مظهره، مسكنه، علاقاته، ووجوده الرقمي.
وأدّى هذا الضغط المستمر إلى ما سماه الجويلي بـ”التعب الجماعي” و”الإرهاق الهوياتي”. حيث يشعر الأفراد، وخاصّة الشباب، على حدّ قوله، بأنهم مطالبون دوما بتحقيق الأفضل، دون تسامح مع الفشل أو التأخر، ما يولّد شعورا عاما بالاكتئاب وانعدام الكفاءة، ليس فقط على المستوى الفردي، بل بوصفه “مرضا اجتماعيا” جماعيا.
وأشار إلى أنّ النظام التعليمي نفسه يُغذّي هذا الضغط من خلال “حمّى النجاعة”، إذ يتعامل مع التلميذ على اعتباره “مشروعا ناجعا” لا كائنا في طور النمو النفسي والمعرفي، ما يخلق توترا كبيرا في علاقته مع أسرته ويُعمّق من هشاشته النفسية.
وينعكس كل ما سبق على نفسية الشباب فيعزف عن الزواج الذي قد تحول في تونس من مناسبة للبهجة إلى هاجس مؤجَّل، رهين الظروف الاقتصادية المتعثرة وتحوّلات المنظومة القيمية. وتشير بيانات المعهد الوطني للإحصاء إلى تراجع نسب الزواج بنسبة ۱۰ في المئة خلال عام واحد فقط.
وكشفت النشرة الشهرية للمعهد الوطني للإحصاء لشهر يوليو عن تسجيل ۷۰٫۹۴۲ عقد زواج خلال عام ۲۰۲۴، مقابل ۷۸٫۱۱۵ عقدا في عام ۲۰۲۳٫ وهذا التراجع الذي يقدر بأكثر من ۸۰۰۰ عقد زواج في عام واحد فقط، ليس سوى حلقة في سلسلة انخفاض مستمرة بدأت منذ عام ۲۰۱۵٫
العرب