النساء والأطفال يدفعون الثمن الأكبر.. تقرير دولي يوثق تدهور الوضع الصحي في السودان

كشفت مجلة "ذا لانسيت" أن النساء الحوامل يُجبرن على الولادة في ظروف بدائية، من دون كوادر طبية مؤهلة أو أدوات معقمة، ومن دون إمكانية الوصول إلى رعاية طارئة.

كشفت مجلة “ذا لانسيت” أن خدمات رعاية الأم والطفل في السودان تتعرض لانهيار متسارع، ما يخلّف آثارًا مدمرة بعيدة المدى. وأشارت إلى أن النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا من الحرب: أكثر من ۱۲ مليون نازح، نصفهم تقريبًا من الأطفال، كثير منهم يعانون من سوء تغذية حاد، أو يعيشون دون أسرهم، أو يحملون آثار صدمات نفسية قاسية.

وأوضحت أن النساء الحوامل يُجبرن على الولادة في ظروف بدائية، من دون كوادر طبية مؤهلة أو أدوات معقمة، ومن دون إمكانية الوصول إلى رعاية طارئة. 

كما لفتت إلى أن العنف الجنسي في ازدياد، وسط توثيق تقارير حقوقية لاستخدام الاغتصاب بشكل ممنهج كسلاح حرب، حتى بحق طفلات لا تتجاوز أعمارهن السنة. أما الناجيات، فيواجهن عزلة اجتماعية وحرمان شبه كلي من خدمات الدعم النفسي. 

أطفال سودانيون يعانون من سوء التغذية يتلقّون العلاج في عيادة لـ"أطباء بلا حدود" في مخيم متشي قرب الحدود السودانية، 6 أبريل 2024.

منذ نيسان/ أبريل ۲۰۲۳، دخل السودان في عامه الثالث من حرب طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أسفر عن مقتل أكثر من ۱۵۰ ألف شخص وفق التقديرات.

وباتت المنظومة الصحية هدفًا مباشرًا، إذ لم يبق سوى أقل من ۳۰% من المرافق الصحية قيد العمل. المستشفيات تُنهب، تُقصف، أو تُستخدم كثكنات عسكرية. وفي النصف الأول من عام ۲۰۲۵، سُجّل ۳۸ هجومًا استهدف مرافق طبية، سيارات إسعاف، وقوافل إغاثية، بحسب المجلة.

كما تعرضت مستودعات الأدوية للنهب، بما في ذلك تلك التي تحتوي على علاجات للأطفال المصابين بسوء تغذية حاد.

وفي غضون هذه الفوضى، تتفشى الكوليرا والملاريا والحصبة بسرعة، وقد سُجلت أكثر من ۸۳ ألف إصابة بالكوليرا و۲۱۰۰ حالة وفاة.

والجوع بدوره أيضًا يتفشى في السودان، حيث يُعاني ۲۰ مليون شخص من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينهم ۸٫۷ مليون في مراحل الطوارئ أو الكارثة بحسب التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC).

“عجز دولي”

تتهم “ذا لانسيت” المجتمع الدولي بتجاهل ما يجري في السودان، حيث تُقصف المستشفيات، ويُغتصب المدنيون، ويُهجّر السكان قسرًا في ما يشبه الإبادة الجماعية، بينما يبقى العالم صامتًا. وتقول إنّ خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية للعام ۲۰۲۵ لم يُموَّل منها سوى ۲۳% فقط من أصل ۴٫۱۶ مليار دولار أمريكي، رغم الحاجة الماسة لنحو ۲۶ مليون شخص.

والجهات الإنسانية على الأرض تكافح لتقديم الرعاية في ظروف شبه مستحيلة، وسط شح كبير في التمويل. أما الولايات المتحدة، عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، فقد شكّلت ۴۴% من إجمالي التمويل الإنساني للسودان عام ۲۰۲۴٫ لكن الخفض الأمريكي في تمويل برامج الصحة العالمية ترك فجوات كبيرة في سلاسل الإمداد، ما أدى إلى تعليق العديد من المبادرات الحيوية.

أما على مستوى العدالة، فلا تزال المحكمة الجنائية الدولية عاجزة عن التدخل الفعلي، مقيّدة بعرقلات سياسية تُبقي دورها هامشيًا في وجه مأساة إنسانية متصاعدة.

یورونیوز