الوالدان المسنّان وتحديات أبناء الجيل الحاضر

إن تزايد نسبة كبار السنّ يضع أبناء الجيل الحالي أمام تحديات جسدية ونفسية واقتصادية في رعاية والديهم المسنّين

ظهرت أجيال متعاقبة بصفات وسمات غريبة، كما كان علماء الاجتماع يسجلونها وكما كنا نراها بأعيننا، وقد انشغلنا بمحاولة فهمهم والتكيف مع مطالبهم وسلوكياتهم إلى درجة أننا نسينا جذور القصة. لقد غاب عن بالنا أن أنماط الحياة العصرية والانشغالات التي أوجدها الإنسان لنفسه كانت من أهم الأسباب التي أدّت إلى زيادة الفجوة العمرية بين الأطفال ووالديهم. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن هذه الفجوة في بعض مناطق البلاد تجاوزت ۳۵ عامًا، إذ يبلغ متوسط عمر الآباء الإيرانيين عند ولادة طفلهم الأول ۳۲٫۵ عامًا، بينما يبلغ متوسط عمر الأمهات ۲۷٫۶ عامًا.

منحدر يبدو لطيفًا
لم يُدق جرس الإنذار مؤخرًا، فلو راجعنا أخبار وتقارير السنوات الماضية لوجدنا أحاديث متكررة عن «تأخر الزواج» و«الفجوة الجيلية» وأسباب تأخير زواج الشباب. ولم يكن الحديث عن أسباب هذه الظواهر أمرًا جديدًا، فالجميع يعلم أن مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الأخيرة غيّرت من مفهوم ودور الأسرة وفاقمت مشاكل مثل الفجوة الجيلية والتباعد التقليدي بين الوالدين والأبناء. الجديد هنا هو تحطيم الأرقام القياسية للفجوة العمرية بين الوالدين الإيرانيين وطفلهم الأول. فوفقًا للإحصاءات، ارتفع متوسط سنّ الأبوة والأمومة عامًا بعد عام، فمثلاً بين عامي ۲۰۱۹ و۲۰۲۴ ارتفع متوسط عمر الرجال عند إنجاب الطفل الأول من ۳۲٫۱ إلى ۳۲٫۳ عامًا، وارتفع متوسط عمر النساء من ۲۷٫۴ إلى ۲۷٫۶ عامًا، مع تفاوت أكبر في المدن الكبرى مثل طهران حيث يصبح الرجال آباءً لأول مرة بعد سن الخامسة والثلاثين والنساء أمهات في حدود الثلاثين.

لكن هذه الأرقام لا تكشف كل الحقيقة، فالقضية الأعمق هي الانخفاض الحاد في معدلات الإنجاب والمشاكل الديموغرافية التي يتم التحذير منها منذ سنوات. ففي عام ۱۹۸۶ كان لدينا ۱۰ ملايين امرأة متزوجة وفي سن الإنجاب أنجبن مليوني طفل، بينما في العام الماضي (۲۰۲۴)، ورغم وجود ۱۶ مليون امرأة متزوجة وفي سن الإنجاب، لم يولد سوى ۹۷۹ ألف طفل.

فهم متبادل 
تزايد الفجوة العمرية بين الوالدين وأبنائهم يحدث في وقت يبتعد فيه الجيل الجديد ثقافيًا واجتماعيًا عن الأجيال السابقة بسرعة غير مسبوقة. هذا التلاقي بين الفجوة العمرية وتسارع التغييرات الاجتماعية يترك أثرًا عميقًا على بنية الأسرة والعلاقات بين الأجيال. وتشير التقارير إلى أن سن الزواج في ارتفاع (۲۸٫۴ عامًا للرجال و۲۴٫۱ عامًا للنساء في الزواج الأول)، إضافة إلى تأخر إنجاب الطفل الأول بمعدل ۴٫۳ سنوات بعد الزواج. هذا التأخير قد يبدو طبيعيًا لوحده، لكنه عند اقترانه بالتغيرات السريعة في الثقافة والتكنولوجيا يعمّق الفجوة بين الأجيال.

فالوالدون المولودون في الستينيات و السبعينيات عاشوا العالم قبل انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بينما نشأ أطفالهم في بيئة رقمية سريعة الإيقاع. هذا الاختلاف في التجربة الحياتية يصعّب الفهم المتبادل؛ فالوالدون قد يجدون صعوبة في التعامل مع تحديات التربية الحديثة، مثل إدارة حضور الأبناء على الإنترنت أو فهم مخاوفهم النفسية، بينما قد يرى الأبناء أن قيم وأنماط حياة والديهم تنتمي للماضي.

معاناة الشيخوخة
هناك وجه آخر للمسألة، إذ إن زيادة سن الوالدين عند إنجاب الطفل تعني أنهم يواجهون مسؤوليات تربية أطفال مليئين بالطاقة في مرحلة منتصف العمر، في وقت يعانون فيه من بعض القيود الجسدية أو النفسية أو ضغوط الحياة العصرية. وبذلك، فإن «الوالدين المسنّين» في هذا العصر قد يفتقرون للحيوية والقدرة على تحمل جميع مسؤولياتهم، فيلجؤون إلى تفويض التربية لآخرين أو للاعتماد على الإعلام والنظام التعليمي الرقمي، مما قد يؤدي إلى ضعف الروابط الأسرية وشعور الأبناء بالوحدة.

وفي المستقبل القريب، قد تعاد صياغة العلاقات داخل الأسرة، حيث يضعف دورها التقليدي كحلقة وصل بين الأجيالو يزداد تأثير الأقران ووسائل الإعلام على الأبناء. كما أن الدعم المالي والعاطفي من الوالدين قد يأتي متأخرًا أو محدودًا، نظرًا لأنهم يواجهون تكاليف تعليم وزواج أبنائهم في سن متقدمة، مما يفرض ضغوطًا إضافية على الجيل الجديد وقد يدفعهم لتحمل المسؤولية مبكرًا أو العزلة.

ويبقى السؤال: هل تستطيع الأسر الإيرانية التكيف مع هذه التغيرات والحفاظ على جسور التواصل بين الأجيال، أم أن كل جيل سيبقى حبيس عالمه الخاص؟ الجواب يتوقف على قدرة المجتمع على إيجاد آليات جديدة للحوار بين الأجيال وهو حوار يبدو اليوم أكثر ضرورة من أي وقت مضى.

تعریب خاص لـجهان بانو من وكالة أنباء قدس