اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
و في الحرب انقلبت الأحوال وعانوا الأمرين، أشهر طوال وهم يتناولون أطعمة لا تسمن ولا تغني من جوع، معلبات لا فائدة غذائية لها. اعتمدوا على ملعبات الفاصوليا والأرز والبازيلاء، إضافة إلى العدس والمعكرونة حتى سئموا. وكثير من الصغار كبروا في الحرب فلم يعرفوا الفواكه ولا الخضروات، ونسوا الأطعمة التي تذوقوها في السنوات الأولى.
مؤخرًا، تواجدت الفواكه والخضروات وأصناف لم تكن متوافرة طوال الحرب في الأسواق، وإن توافرت فعلى فترات متباعدة، وتكون شحيحة ومرتفعة الثمن فلا يستطيع الأهالي على التفكير في شرائها، نتعرف هنا في بنفسج على مشاعر الأطفال الذي تذوقوا بعض أصناف الطعام بعد غياب، وعلى أطفال تعرفوا على أصناف لم يعهدوها من قبل، فنالت إعجابهم.
دجاجة بعد انتظار
يدور الطفل أنس ۱۰ أعوام حول نفسه، وهو يرقص بعدما تذوق الدجاج الذي نسي طعمه الشهي، احتضن الدجاجة بين يديه وطلب من شقيقته الكبرى أن تلتقط الصورة، لتداعبه وتقول سأنشرها على حسابي “الإنستغرام”، فيعقد حاجبيه رافضًا ذلك، فلتقتطها للذكرى ليحكي الحدث لأحفاده، وهم يتحلقون حوله يطلبون منه حكاية الحرب الأشرس في التاريخ الحديث.
كان نفسي أذوق الدجاج من أشهر طويلة، انتظرت كثيرًا، وكلما اشتقت أمسكت هاتف شقيقتي الكبرى لأقلب بالصور، أنظر إلى صور الطعام الذي كانت تطهوه أمي، فما بين المنسف والمسخن والدوالي، أحزن، فتخبرني أمي أنها هانت…
يقول ل ” بنفسج”: “كان نفسي أذوق الدجاج من أشهر طويلة، انتظرت كثيرًا، وكلما اشتقت أمسكت هاتف شقيقتي الكبرى لأقلب بالصور، أنظر إلى صور الطعام الذي كانت تطهوه أمي، فما بين المنسف والمسخن والدوالي، أحزن، فتخبرني أمي أنها هانت، وبالفعل بعد أسبوع أكلت لأول مرة منذ عام الدجاج”.
تعقب والدته: “لقد نسي أنس طعم الأشياء التي يحبها، أذكر أنه اشتهى البندورة ولكن لم تكن متوافرة في الأسواق، كلما اشتهى تذوقها ينظر للصور، حتى رآها في السوق ليقف أمام بسطة الرجل فاغرًا فاه، سألت أنا بكم فقال سعر خيالي؛ نظر لوالدته وشدها ليرحلا”. وقتها لم تشترها خلود له لعدم قدرتها المالية، ولكن بعد أيام بدأت دورة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين لتوزيع المساعدات.
فكان من حظ عائلة أنس دجاجة، ذهب لاستلامها مع والده، تمسك بالكيس البلاستيكي الذي تختبيء الدجاجة به طوال الطريق إلى البيت، حتى وصل ليقيم الأفراح، لتبدأ رحلة التفكير فتة أم مفتول.يكمل الصغير: “كتير فرحت.. طلع الي حصة بورك الجاجة بس.. أكلت الفتة بس مشبعتش كان بدي ا كل كمان.. كنت مشتاق كتير اكل جاج ولسا مشتاق.. مشتاق للخيار والبندورة والبيض ولكل الأكل”.
بعد ذلك اليوم الذي كان في شهر ۸ المنصرم، لم يتذوق أنس الدجاج مرة أخرى، فلم يتوافر في الأسواق إلا لمدة قصيرة جدًا وبثمن باهظ، وكان لديه أمل أن يستمر دخول الدجاج ليستلم مرة أخرى من “الأونروا”، لكن الجيش اجتاح معسكر جباليا، لينزح إلى غرب غزة، ويضحى أكبر حلم له أن يعود للبيت ويتناول المقلوبة بالدجاج مثل أيام زمان.
ينهي الصغير حديثه لبنفسج بابتسامة: “جديد صار عنا بالشمال برتقال وأنا كتير بحبه اشترينا بالبيت واتشاركنا كل اتنين بحبة وقضينا نفسنا، ابن عمي الصغير كان بدو ياكلها بقشرها ما بعرف كتير من الفواكه ولا بعرف طعمهم أما أنا ذاكر”.
أما السيدة أسماء النازحة من الشجاعية إلى مخيم النازحين في خانيونس، استقرت به بعد تنقلها بين محطات النزوح، تقول لبنفسج: “ابنتي حور تبلغ من العمر ۳ سنوات كبرت في الحرب ولا تعرف كثيرًا من الأطعمة، يوم أن توافرت فاكهة الفرسمونة في السوق، اشتريتها لها ولكنها لم تقبل أن تأكلها وبعد إلحاح تذوقتها وأحبتها وتطلبها باستمرار، لكنها شحت في الأسواق وارتفع سعرها، ومن الخضروات التي تحبها الخيار، وعند هبوط سعره لسعر منطقي اشتريه لها لتأكل منه بلا حد”.
أنس الصغير: “كل يوم بدي أفطر كبدة وأتغدى جاجة.. وأتعشى بيض وقلاية بندورة وبطاطا وخيار.. وأحلي بكنافة وموز وتفاح وكيك”.
في أسواق الجنوب تتوافر بعض الخضروات والفواكه لفترة ما ثم تنقطع فجأة من السوق، بينما يتنظر الناس هبوط سعرها، فمثلًا انقطعت المعكرونة من الجنوب لفترة، وحين ظهرت كانت مرتفعة الثمن وخصوصًا في ظل أزمة الدقيق هناك، الصغيرة حور تطلب المعكرونة فتخبرها والدتها أنها غير موجودة بالسوق فتبكي، فتشرح لها أننا في حرب وعندما تنتهي سيتوفر كل الطعام.
كانت حور قبل الحرب من محبي الفواكه، لكن منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي نسيت كثيرًا منها نظرًا إلى صغر سنها، ترى صورها القديمة فتسأل عن الأطعمة التي كانت في يديها فتخبرها والدتها بالأصناف، فتستغرب الصغيرة، تحب الموز والتفاح وعندما ترى التفاح تعرفه وتقول بصوتها الباكي: “ماما بدي من هاد زاكي”، تكمل والدتها: “أذكر أنني كنت أركب وسيلة مواصلات وبجانبي سيدة وطفلتها تمسك بين يديها حبة تفاح حمراء، بمجرد أن رأتها حور صرخت تطلب مثلها، أحرجت جدًا من فعل طفلتي لكن السيدة ابتسمت وقسمت جزءًا من التفاحة وأعطتها لابنتي، التي لم تنفك منذ ذلك اليوم عن طلب التفاح”.
أما الطفلة جوري، ۴ سنوات، بقيت عائلتها في شمال غزة، لتدفع ثمن البقاء بالحرمان من الطعام، وعيش المجاعة بكل تفاصيلها، كانت تبكي طوال الليل من جوعها، تعطيها والدتها خبز الشعير فترفض وتطلب الخبز العادي الذي اعتادت عليه، وتواصل البكاء. في وقت قريب انتشرت الفاكهة في أسواق شمال غزة، فشكلت لوحة فنية لم يرها أهل شمال غزة منذ أكثر من عام، ولكن لم يستطع أغلب المواطنون شراءها نظرًا لغلائها الفاحش.
أصرت جوري على والدتها أن تشتري الموز، فتسألها: “ذاكرة طعمه” فترد: “آه ذاكرة اشتريلي”، اضطررت لشراء قرن واحد من الموز ب ۱۵ شيكلًا، لمعت عينا الطفلة التي لم تكف من بعدها عن طلب كل الفواكه الموجودة بالسوق. تقول والدتها: “عندي ثلاثة أطفال أصغرهم جوري لو بدي أشتري لكل واحد منهم قرن موز لحاله بتكون ميزانية كبيرة عليا، فجبت تفاحة وموزة وحبة إنجاص وقطعتهم وقسمتهم بينهم.. الولاد نسيوا طعم الفواكه والخضار.. هيهم بتعرفوا عليهم من أول وجديد”.
أصرت جوري على والدتها أن تشتري الموز، فتسألها: “ذاكرة طعمه” فترد: “آه ذاكرة اشتريلي”، اضطررت لشراء قرن واحد من الموز ب ۱۵ شيكلًا، لمعت عينا الطفلة التي لم تكف من بعدها عن طلب كل الفواكه الموجودة بالسوق…
وعن سؤال الأطفال ماذا ستفعلون بعد الحرب؟ يبدأون بتعداد الأطعمة الذي يشتهون تذوقها باستمرار، فذلك يقول سأشتري العصير القديم مثل أيام زمان، وتلك الصغيرة تقول سآكل الشوكولاته طوال النهار، لتعوض حرمان العام. وذلك الصغير الذي لم ير الأكلات إلى في الصور يخبر والدته أنه يريد أن يأكل عدة أصناف معًا كما الصور وليس صنف واحد.
منذ أيام، انتشرت البضائع في الأسواق من قبل القطاع التجاري ولكن بأسعار باهظة الثمن، تحديدًا في شمال غزة، والآن بعد اقتراب الهدنة، انخفضت الأسعار بشكل ملحوظ، فبدأ الناس بشراء الحاجيات على استحياء وتنتظر أن تنتهي الحرب لتعود أسعارها مثلما كانت على الأقل، ليقسموا أن يعوضوا عام الحزن والحرمان.
يختم الحديث الصغير أنس مازحًا: “كل يوم بدي أفطر كبدة وأتغدى جاجة.. وأتعشى بيض وقلاية بندورة وبطاطا وخيار.. وأحلي بكنافة وموز وتفاح وكيك”.
المصدر: بنفسج