“بينما ينام العالم”: أحلام الغزيات المؤجلة

يعيش الغزيون حالة مركبة من القهر والحزن، فبعد ما يقارب عامين من حرب الإبادة الجماعية، ما زالوا يرزحون تحت يد الموت التي قد تطالهم في أي لحظة، وبمجرد وقف إطلاق النار المؤقت في كانون الثاني/ يناير المنصرم، بدأ الغزيون بترميم شتات النفس والبدء من الصفر، في كل شيء بلا استثناء حتى في المشاعر، فهذا يرمم ما تبقى من بيته ليعيش منهكًا، يطلب العون من الله، وتلك تواصل حياتها وتتابع من حيث توقفت مرحبة بالنجاة.

 ومنهم من خطب وتزوج ليلعن دخوله لدنيا جديدة. وكثيرون عاشوا تحت بند الانتظار حتى أثناء الهدنة يقولون “بس توقف الحرب”، فتأجلت كثير من الخطط، لكن الاحتلال يصر على قهرنا وقتلنا، اخترق الهدنة ليعود الجميع لنقطة ما بعد الصفر، ليعود الغزي إلى حالة التخبط والحيرة والخوف المطلق من الثانية المقبلة.

نقابل في هذا التقرير فتيات ما زلن يحلمن حتى تحت رصاصة الموت التي يمكن أن تخترقهن في أية لحظة، يرين أملًا من بعيد على الرغم من إنهاكهن، ما زال دفتر الأحلام يجوب معهن في طريق النزوح المرير، يعلن تحديه للغارة الآتية.
 
 
أنغام عودة: فلنطوي صندوق الأحلام

inbound6915248613853654817.jpg

أنغام عودة، صحافية، تعمل مديرة محتوى لمواقع التواصل الاجتماعي التابعة للجامعة الإسلامية، ولها مشروعها الخاص في صنع الإكسسوارات اليدوية، كانت حياتها مليئة بالعمل، وفجأة، أضحى الفراغ جل ما تعيشه، فكانت حياة الفراغ من كل شيء إلا من الموت قاسية عليها.

تقول لبنفسج: “الحرب أنهكتني للغاية، كنت طوال اليوم أتنقل من عملي في الجامعة إلى مشروعي الخاص ثم مشروعي الثاني بإعداد الكيك والحلوى، بقيت خلال الحرب أشهرًا لا أستوعب ما جرى، أصبت بالأروق، وكل أمنيتي كانت أن أعود إلى دفتر الخطط المليء بالأحلام”.

وعند وقف إطلاق النار أخرجت أنغام دفترها الصغير المدون به كل الأحلام لتعلن البدء من جديد، لتصحو على أول صاروخ بعد الهدنة، سمعت صوته وكأنه دب في قلبها، لتقول حينها: “فلنطوي صندوق الأحلام الآن”.

عملت أنغام خلال الهدنة وما قبلها معلمة فنون للأطفال، فهي بارعة في الفن التشكيلي، وبمجرد شعورها أن الحياة ممكنة وأن رسوماتها ما زالت تجوب بين الورق، دب في فؤادها الأمل، لتحلم فقط بغد آمن.

تردف لبنفسج: “كنت أنتظر أن تتفتح مدارس تعليم القيادة لاسجل فيها لأتعلم قيادة السيارات، وخططت لأوسع مشروع الإكسسوارات الخاص بي وافتتاح محل يحتوي على المستلزمات التجميلية أيضًا، وبدأت تعلم التصميم والمونتاج لأكون لي اسم في هذا المجال، لكن كل هذا قضت عليه الحرب”.
 
هداية حسنين: الحرب منعتي السفر

inbound2063983207620497505.jpg

أما هداية حسنين، لم تختلف عن سابقتها كثيرًا، فكلتاهما مليئتان بالأحلام والخطط المجدولة لأعوام قادمة، تقول لبنفسج: “قضيت وقتي في الخيمة بالقراءة، قرأت الكثير وأكثر ما أثر فيَّ رواية بينما ينام العالم التي تحكي قصة عائلة مع النكبة، فكنت أقرأ وأدون مشاعري على الورق، وأبكي كل أحلامي التي ما زالت قيد التنفيذ وأعاقتها الحرب”.

قبل الحرب كان من المقرر أن تسافر هداية إلى دولة قطر للمشاركة في مناظرات القارة الآسيوية، وهي التي حصلت قبل هذا الترشيح على المرتبة الثامنة في مسابقة المناظرات الدولية التي تشمل ۱۸۰ شخصًا، فكانت الأولى من غزة التي تفوز، ما حفز شهيتها للوصول للعالمية، وبينما هي في أوج أحلامها ونجاحها اندلعت الحرب.

وضعت كل أحلامها جانبًا، لتعيش أكثر أيام حياتها رعبًا وألمًا، استشهد شقيقها بين يديها بعدما نزف لساعات حتى الموت، ولم يستطيعوا نقله إلى المشفى نظرًا لمحاصرتهم، لتنزح إلى جنوب غزة، رفقة عائلتها.

وحينما توقفت الحرب بشكل مؤقت، عادت هداية إلى بيتها المدمر بشكل بليغ، لتبكي وهي تقف على نافذته وهي ترى ركا الحي، تضيف لبنفسج: “ما زلت أحلم بالسفر والمشاركة بمسابقات المناظرات الدولية، أطور من نفسي في المجال الصحفي والمناظرات، أقرأ واجتهد، أحلم بلحظة تحقيق المراد، وخلال الهدنة سعيت لكثير من الأمور التي حالت بينها وبين تحقيقها الحرب مرة أخرى”.

لدى هداية خطط كثيرة، ولكن الظروف المحيطة تقف كحائط صد منيع، ولكنها تصر على ما تريد رغمًا عن أنف الظلم، ولكن حلمها الأكبر أن تجتمع والدتها العالقة في فلسطين المحتلة ويمنعها الاحتلال من العودة إلى غزة على الرغم من نيلها التصريح اللازم، حيث كانت مرافقة لحفيدها المريض الذي توفاه الله لاحقًا.

ريما محمود: “شو كتيرة الخططي”

inbound5962790254969811850.jpg

ريما محمود، بدأت فور وقف إطلاق النار التخطيط لكيف سيكون شكل تصوير جلسة تخرجها من الجامعة، إذ كان من المفترض أن يكون عام الحرب عام حفلة تخرجها، وخططت للحظتها كثيرًا، لكنها سرقت منها، وما زالت مصرة على خلق أجواء بهجة لنفسها رغمًا عن كل شيء. 

تقول لبنفسج: “كنت سأتفق مع مصورة وأشتري روب التخرج وقبعة، لأصنع ذكرى جميلة لتخرجي الذي سُرقت فرحته مني، كنت أرى أنني أستحق بعد كل ما عانيته أن أصنع بهجتي الخاصة، لكن قامت الحرب من جديد، لتقضي على خطتي الصغيرة، ولكني أحاول أن ألملم شتات نفسي وأستغل وجودي على الإنترنت لتعلم أشياء في مجال تخصصي لأحصل على فرصة عمل حر في مجال الترجمة”.

وعند سؤالها، ما الخطط التي أفسدها اندلاع الحرب من جديد؟ أجابت بصوت منهك: “اوووه شو كثيرة خططي.. اشتريت لبسًا جديدًا وأغراضًا جديدة، وكنت بدأت بكتير شغلات لأطور من حالي، وكنت رح أسجل بالجامعة لأكمل دراسات عليا،  بس حاليًا مش قادرة أبدأ بولا شي.. منهكة.. حتى طلابي اللي بدرسهم إنجليزي فش في طاقة استقبلهم لندرس سوا..”.

رانية عطالله: توقف الحلم

inbound595336458089412400.jpg

أما رانية عطالله فتحاول الحفاظ على نفسيتها، خلال فترة الهدنة عكفت على تنفيذ خطة يومية لتطوير مهاراتها في بعض المجالات، لكنها اصطدمت بالواقع الصعب التي فرضته الحرب عليها والمهمات المستحدثة ما بين إشعال النيران والغسل على اليدين، والذهاب إلى نقطة الشحن.

تقول لبنفسج وهي تتنهد: “خلال الحرب واجهت نفسي المحبطة وأنهيت عامي الثاني في دبلوم لغة الإشارة، وبعد وقف إطلاق النار، أردت التدرب في مركز للصم وبالفعل اشتركت به لأطور من مهارتي بلغة الإشارة، لكن عودة الحرب أفسدت كل قائمة الخطط المدونة، وها أنا أواجه الموت مجددًا لكني ما زلت أحلم أن تنتهي الحرب يومًا لأكمل الدراسات العليا بتخصصي”.

المصدر: بنفسج