اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
عادت جرائم العنف الرقمي ضد النساء إلى الواجهة في المغرب بعدما انتحرت شابة تدعى وفاء، بتناول سم الفئران، قبل أيام، في إقليم خنيفرة (وسط)، على خلفية تعرضها لحملة تشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عقب نشر صور خاصة لها إلكترونياً. وحذرت جمعيات نسوية مغربية من مخاطر التشهير الرقمي والعنف الإلكتروني الذي تزايد في المغرب خلال السنوات الأخيرة، داعية إلى تدخل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لحماية الفئات الأكثر عرضة لهذه الظواهر، ومنع تكرار مثل هذه المآسي.
واعتبرت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة (غير حكومية)، أن الشابة وفاء “ضحية جديدة في سلسلة من الانتهاكات الرقمية التي تستهدف النساء والفتيات”، داعية في بيان إلى “تحويل هذه الفاجعة إلى لحظة وعي جماعي، والضغط من أجل منظومة قانونية أكثر صرامة في مواجهة العنف الرقمي. ما وقع يكشف عن درجات خطيرة من تهديد النساء عبر حملات التشهير والابتزاز في الفضاء الرقمي، ما يساهم في تفاقم معاناتهن، ويدفع بعضهن إلى الانتحار“.
وتطرح واقعة الانتحار تحديات قانونية واجتماعية في ظل غياب آليات ردع فعالة، وضعف وعي المستخدمين بخطورة السلوكيات الرقمية المسيئة. تقول مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبده إن “الآثار النفسية التي عانت منها الشابة المنتحرة التي تتحدر من منطقة محافظة، من جراء العنف الرقمي الذي مورس عليها عن طريق التشهير، وتعميم صور ومقاطع فيديو لها، هي التي دفعتها إلى الانتحار”.
وتضيف عبده، في حديث لـ”العربي الجديد”: “بات ضرورياً توفير حماية للنساء والفتيات ضد العنف الرقمي، وإصدار قانون خاص لحمايتهن، لأن هذا الصنف من العنف يعد من أخطر أشكال العنف الممارس ضد النساء والفتيات. محاربة العنف الرقمي تقتضي ضرورة توفر استراتيجية واضحة تشترك فيها كل المؤسسات، من وزارة الداخلية إلى وزارة التربية والتعليم، ووزارة العدل، والنيابة العامة، ووزارة الأسرة. آن الأوان لإصدار قانون خاص لحماية النساء والفتيات من العنف الرقمي، يتضمن الأفعال المتعددة التي تمارس عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، وتشديد العقوبات الزجرية بحق المعتدين”.
بدورها، تؤكد رئيسة “شبكة إنجاد ضد عنف النوع” (غير حكومية)، نجية تازورت، لـ”العربي الجديد”، أن “مأساة الشابة وفاء تعكس الوجه القاتم للعنف الرقمي الذي بات يشكل تهديداً حقيقياً لكرامة وأمان المغربيات، فهذا النوع من العنف لا يختلف في أثره النفسي والاجتماعي عن العنف الجسدي، بل قد يكون أشد وطأة، لأنه يلاحق الضحية في فضاء مفتوح تصعب السيطرة عليه، ويمس بسمعتها وخصوصيتها أمام جمهور واسع”.
وتضيف تازروت أن “العنف الرقمي يمارس عبر التشهير، والابتزاز، والتنمر، ونشر الصور والمعلومات الخاصة من دون إذن، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى انهيارات نفسية، وانعزال اجتماعي، وأحيانا إلى مآس كالانتحار، ولمواجهة تبعاته على المستويين القانوني والاجتماعي، ينبغي تحديث الإطار القانوني لمواكبة الجرائم الرقمية، وفرض عقوبات صارمة على مرتكبيه، وتحسين سبل التبليغ والحماية من خلال تخصيص خلية رقمية للتدخل السريع لحذف المحتوى المسيء”. وتشدد الناشطة النسوية على أهمية التوعية الرقمية لترسيخ ثقافة احترام الخصوصية والمسؤولية في استعمال وسائل التواصل، خصوصاً بين الشباب، ودعم الضحايا نفسياً وقانونياً عبر جمعيات متخصصة وشبكات دعم فعالة، إضافة إلى ضرورة تعاون منصات التواصل الاجتماعي مع السلطات لحذف المحتوى الضار، وكشف هويات المعتدين، كما أن المواجهة تتطلب تعبئة مجتمعية.
وفي السابع من مارس/ آذار ۲۰۲۳، كشفت المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في تقرير بمناسبة يوم المرأة العالمي، أن “نحو ۱٫۵ مليون مغربية وقعن ضحايا العنف الرقمي بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، ما يمثّل ۱۹% من مجموع أشكال العنف ضدّ المرأة في المغرب”، موضحة أن “نسبة التعرّض للعنف الرقمي ارتفعت بين المغربيات من ۱۹ إلى ۳۴% بالنسبة إلى من تراوح أعمارهنّ بين ۱۵ و۱۹ سنة، وإلى ۲۸% لمن تراوح أعمارهنّ بين ۲۰ و۲۴ سنة”.
وأكد التقرير أن “خطر التعرّض للعنف الرقمي يرتفع لدى نساء المدن بنسبة ۱۶%، وبنسبة ۲۵% لدى صاحبات المستوى الدراسي العالي، و۳۰% لدى العازبات، و۳۶% لدى التلميذات والطالبات، ويُرتكب في ۷۳% من الحالات من قبل رجل غريب، وبنحو ۴% من قبل الشريك أو أحد أفراد العائلة، وبنسبة مماثلة تقريباً من قبل زميل في العمل أو الدراسة أو صديق”.
ورغم إقرار المغرب قانوناً يجرّم العنف ضد النساء، دخل حيز التنفيذ في ۱۲ سبتمبر/ أيلول ۲۰۱۸، فإنّ صعوبات مختلفة تواجه تطبيقه على أرض الواقع، كما أنه يثير جدالاً بين من يعتبرونه “قانوناً ثورياً” ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
العربي الجدید