تحديات حماية الطفولة في المغرب تتطلب توحيد الجهود

تبذل المملكة المغربية جهودا حثيثة في مجال حماية الطفولة منذ سنوات عديدة، وترسم لنفسها سياسة عمومية في المجال تجعلها تضاهي البلدان المتقدمة. لكن مختصين في المجال يقرون بأن هذه الحماية تبقى منقوصة وتتطلب جهودا إضافية، وخصوصا توحيدها.

وأكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بن يحيى، أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف كافة الفاعلين في قضايا حماية الطفولة، لا زالت توجد تحديات تتطلب توحيد الجهود وفق مقاربة مندمجة.

وأوضحت بن يحيى، في كلمة افتتاح لقاء وطني حول موضوع “حماية الطفولة: التنزيل الترابي وجودة خدمات القرب”، أن الأمر يتعلق بتحديات تهم تكثيف برامج الوقاية، والتنسيق وضمان الالتقائية من أجل الاستجابة لحاجيات الأطفال، وتملك الفاعلين الترابيين لأدوارهم والتنزيل الفعلي لمضامين البروتوكول الترابي وتفعيل مسار الحماية.

وأضافت، وفق ما أوردته وكالة الأنباء المغربية أن هذه التحديات ترتبط أيضا بالموارد البشرية والمادية المرصودة لحماية الطفولة، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتفعيل نظام معلوماتي مندمج لتتبع الطفل في مدار الحماية، بالإضافة إلى الإشكاليات الراهنة المرتبطة بالعنف ضد الأطفال، لا سيما العنف الإلكتروني، وإنتاج المعرفة حول قضايا الطفولة.

المملكة تعمل على إحداث “وكالة وطنية للأطفال المحتاجين للحماية”، كفيلة بتعزيز الإطار المؤسساتي لحماية الطفولة   

وأشارت الوزيرة إلى أنه لرفع التحديات التي تواجهها، بشكل خاص، المؤسسات التي تستقبل الأطفال المحتاجين للحماية، واستحضارا للسياق الاقتصادي والاجتماعي والمشاريع الاجتماعية الجديدة التي تم إطلاقها، والتي تعطي مكانة هامة لحماية الأطفال في إعمال حقوقهم، تعمل الحكومة على إعداد مشروع إحداث “وكالة وطنية للأطفال المحتاجين للحماية” كفيلة بتعزيز الإطار المؤسساتي لحماية الطفولة بالمغرب وتعمل على تحسين الحكامة والجودة في الخدمات الحمائية الموجهة للطفولة.

وأبرزت أن هذا اللقاء الوطني يهدف إلى إعطاء دفعة قوية للدينامية الترابية التي أحدثها الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة على المستوى الإقليمي، والذي يرمي إلى تعزيز التنسيق بين المتدخلين، وتبادل التجارب الفضلى والآراء حول السبل والآليات العملية للنهوض بجودة الخدمات الموجهة للأطفال المحتاجين للحماية، وتحقيق الالتقائية والرفع من جودة خدمات الوقاية وحماية الطفولة.

واعتبرت أن الأجهزة الترابية المندمجة لحماية الطفولة تشكل منظومة متكاملة للوقاية وحماية الطفولة، تروم تعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين على المستوى الترابي، بهدف تحقيق الالتقائية بين الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية، وتلك المتعلقة بالتتبع والتقييم والمواكبة، وانسجاما مع الحماية القضائية.

بدورها، أكدت أمينة أفروخي، ممثلة رئاسة النيابة العامة، أنها ما فتئت تحث، منذ إحداثها واستقلالها، النيابات العامة على ضرورة حماية حقوق الأطفال وسلامتهم ومصالحهم، وتشخيص دقيق لوضعيتهم من أجل تكفل ناجع بهم، وذلك من خلال تفعيل دور خلايا التكفل بالنساء والأطفال بجميع محاكم المملكة.

وأبرزت أن هذه الخلايا لها دور في تسهيل ولوج هذه الفئة للحماية القضائية وتعزيز سبل الانتصاف لديها، حيث يتمثل الهدف الرئيسي لهذه الآلية في الارتقاء بالعمل القضائي في مجال الطفولة، وتسهيل ولوج الأطفال للعدالة، وتوفير عدالة صدقية للطفل، وتوفير المخاطب المتخصص في قضاياهم، وذلك بالسهر على تقديم خدمات ذات جودة، وضبط مسار قضايا الأطفال داخل المحاكم.

وأكدت نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، غزلان بنجلون، أن حماية الطفولة ليست فقط التزاما قانونيا تجاه الاتفاقيات الدولية، بل هي قضية مجتمعية تتطلب تعبئة شاملة وإرادة سياسية وجرأة في الإصلاح.

وأبرزت أن المرصد الوطني لحقوق الطفل راكم، منذ تأسيسه سنة ۱۹۹۵ تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للاّمريم، تجربة متميزة باعتباره مؤسسة وطنية مواكِبة، ومرجعية ومؤثرة في مجال حماية الطفولة، عبر مهامها المتعددة التي تنطلق من الرصد والتتبع، مرورا بالتنسيق والتأطير، ووصولا إلى الترافع وإنتاج المعرفة.

وأضافت أن تفعيل الأجهزة الترابية المندمجة لحماية الطفولة يمثل مقاربة إستراتيجية على مستوى الأقاليم تجعل من هذه الحماية حقيقة يومية، مشددة على ضرورة تفعيل هذه الأجهزة حتى تتمكن السياسة المندمجة لحماية الطفولة من تحقيق أهدافها.

نائبة رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل غزلان بنجلون تؤكد أن حماية الطفولة ليست فقط التزاما قانونيا تجاه الاتفاقيات الدولية بل هي قضية مجتمعية تتطلب تعبئة شاملة

وركزت، في هذا الصدد، على أهمية تعزيز الحكامة الترابية لهذه الأجهزة ومدها بالإمكانيات والموارد البشرية والمالية الضرورية لتعمل بشكل مستدام.

وجدير بالذكر أنه تم توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة وجامعة ابن طفيل، وتوقيع برنامج عمل بين وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة ويونيسف ۲۰۲۶-۲۰۲۷، وذلك في إطار تعزيز الشراكة والتعاون في مجال البحث العلمي وإنتاج المعرفة في المجال الاجتماعي.

وتعد السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة ۲۰۱۵-۲۰۲۵ تجسيدا لالتزام وطني قوي ببناء إطار منسجم ينخرط فيه الجميع لضمان التنسيق وإدراج بعد حماية الطفولة في مختلف السياسات والبرامج العمومية على المستويين المركزي والمحلي.

وتنفيذا للبرنامج الحكومي ۲۰۲۱-۲۰۲۶، وأخذا بعين الاعتبار مكتسبات البرنامج الوطني التنفيذي الأول للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة ۲۰۱۵-۲۰۲۰، وكل المستجدات الوطنية، ووفاء لمقاربتها التشاركية، عملت الوزارة على إعداد البرنامج الوطني التنفيذي الثاني ۲۰۲۳-۲۰۲۶ للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة ۲۰۱۵-۲۰۲۵، بدعم من يونيسيف.

تعتمد هيكلة هذا البرنامج الوطني على الأهداف الإستراتيجية الخمسة للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، والمتمثلة في:

ـ تقوية الإطار القانوني لحماية الأطفال وتعزيز فعاليته.

ـ إحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة.

ـ وضع معايير للمؤسسات والممارسات في مجال حماية الطفولة.

ـ النهوض بالمعايير الاجتماعية الحمائية للطفولة.

ـ وضع منظومة معلومات للتتبع والتقييم والمراقبة.

العرب