اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
دقت واقعة انتحار شاب مصري رفضت أسرته زواجه من فتاة بعينها، ناقوس الخطر من استمرار تعامل بعض الآباء مع زواج الأبناء من الجنسين بمنطق الوصاية دون مرونة أو وسطية تحفظ لهم مكانتهم كأرباب أسر، وتعطي أولادهم الحق في تقرير المصير وحرية اختيار الشريك قبل الإقدام على زواج غير مرغوب فيه.
وأقدم الشاب على الانتحار بعد أن أبلغ والده برغبته في الزواج من فتاة يرتبط بها عاطفيا، لكن الأب رفض بحجة أن الفتاة غير مناسبة له ولعائلته، ورغم محاولات الابن تليين موقف والده أبلغه الأخير باستحالة تحقيق طلبه، ما دفع الشاب إلى الانتحار كرسالة احتجاج قاتلة.
ويصعب على الكثير من الشبان والفتيات التمرد على رب الأسرة في ما يتعلق بإتمام العلاقة الزوجية، طالما أن الوالدين غير راضيين عنها، خاصة إذا كانت العائلة تعيش في بيئة اجتماعية تقدس العادات والتقاليد، مثل المناطق الشعبية والريفية والقبلية، ومنها الصعيد (جنوب مصر) الذي شهد واقعة الانتحار في إحدى قرى محافظة أسيوط.
وجزء من المشكلة المتجذرة في تلك المناطق يتمثل في أن الكثير من الأسر لديها هواجس بشأن ترك الابن حرا في اختيار شريكة حياته، ويرى الأبوان أن التدخل في الاختيار واجب ديني يرتبط بالوصاية الحتمية في رسم حياة آمنة للأبناء.
أصوات عقلانية ترى أن إرضاء الأبناء لآبائهم عند اختيار الشريك مطلوب كنوع من الاحترام والتقدير وحفظ كيان ومكانة رب الأسرة
وبمرور الوقت أصبح تدخل الآباء في تحديد هوية شريك الحياة للشاب أو الفتاة من الطقوس الأسرية المتوارثة، رغم ما يسببه ذلك من انهيار للعلاقة الزوجية قبل أن تبدأ أمام انصياع الكثير من الأبناء لرغبات آبائهم ولو على حساب سعادتهم، فيضطرون إلى القبول بشريك من اختيار الأسرة، لكن الجديد وقوع حالات انتحار.
وكرست الأزمة الاقتصادية عجز الأبناء عن تجهيز أنفسهم للزواج دون مساعدة عائلاتهم بما يسمح لهم بالهرب من التدخلات الأسرية الفجة في اختياراتهم المرتبطة بشريك الحياة، وهي إشكالية يعاني منها الكثير من الشبان والفتيات، وصار الاعتماد على دعم الأبوين جزءا أساسيا من إتمام الزواج.
وحذرت مؤسسات دينية في مصر من خطورة تدخل الآباء في زواج الأبناء وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع، واعتبرت ذلك نوعا من الإجحاف، ومنحت الأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند الإكراه على الزواج من أشخاص بعينهم، أو رفض طلباتهم بالزواج ممن يرغبون فيهم، لأن ذلك يقود إلى انهيار العلاقات.
وهناك رأي صريح من دار الإفتاء بتحريم إجبار الأهل للأبناء على الزواج من شركاء بعينهم أو رفض الزواج من أشخاص بعينهم، وانتهى رأي مؤسسة الفتوى إلى أن رفض الشاب أو الفتاة الانصياع لرغبة الأب لا يعد من العقوق، لكن لا تزال المعضلة كامنة في خوف الأبناء من إسقاط السلطة الأبوية في اختيار شركاء الحياة.
وحسمت مؤسسة الأزهر تلك القضية برأي صادم للآباء عندما أكدت أن تدخل رب الأسر في قرارات الابن المرتبطة بالزواج نوع من العقوق الأبوي للأبناء، ورفض الانصياع لرغبات الآباء ليس عقوقا لأنه حق مكتسب للابن في أن يتزوج ممن يختار، بعيدا عن قناعات الأسرة، المهم أن يتحقق الوفاق.
ويرى مراقبون أن السلطة الأبوية التي تحتمي بالدين والشرع للتدخل في اختيارات الأبناء عند الزواج، يفترض أنها سقطت بحكم الأزهر ودار الإفتاء، لكن المهم أن تتصاعد نبرة التحريم لتعتبر أن أي عقد زواج تم بالإجبار فاسد ومحرّم، ما يتطلب إطلاق حملة توعوية واسعة تعيد رسم علاقة الأبناء بالآباء.
ويجب أن تشارك المساجد والكنائس ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية في نسف المعتقد الأبوي الخاطئ حول التحكم في قرارات الأبناء عند الزواج، وتأكيد المخاطر بأرقام تتعلق بحالات الطلاق والانتحار والخيانات الزوجية بسبب الإجبار أو رفض الزواج لأسباب واهية، ليكون الخطاب التوعوي واقعيا ومقنعا.
وحذرت دراسة سابقة صادرة عن محكمة الأسرة في القاهرة من تدخلات الآباء في اختيارات الأبناء عند الزواج، والإجبار على شريك بعينه، وقالت إن قرابة ۵۲ في المئة من دعاوى الطلاق في المحاكم بسبب الإكراه والزواج عن غير قناعة من شخص بعينه، ما يعني أن التدخلات الأبوية الفجة تقود إلى كراهية شركاء أولادهم.
وإن لم يحدث الانفصال بسبب الزواج من شخص بعينه عن غير إرادة أو اختيار، فقد يسرع وتيرة الطلاق الصامت أو ما يعرف بالخرس الزوجي؛ أي أن يعيش الشريكان تحت سقف واحد بلا عاطفة أو تفاهم لتصبح العلاقة قائمة على الجفاء والندية وحب السيطرة لغياب الحد الأدنى من المودة بين الطرفين.
وهناك أصوات عقلانية ترى أن إرضاء الأبناء لآبائهم عند اختيار الشريك مطلوب كنوع من الاحترام والتقدير وحفظ كيان ومكانة رب الأسرة، لكن الرضوخ لوجهة نظره الرافضة للزواج من شخص معين وصاية مبالغ فيها تتعارض مع وعي وعقلانية الأجيال الجديدة التي لديها القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة.
كما أن المتطلبات الزوجية للأجيال الحالية مختلفة عن زمن الآباء، ما يفرض على الأسر التعامل بحكمة وعقلانية ومرونة لتجنب الصدام الذي يقود أحيانا إلى هروب الشاب أو الفتاة لتحقيق الرغبة بشكل خاطئ أو الانتقام من النفس كرسالة احتجاج.
وأكد محمد هاني الاستشاري النفسي والباحث في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التدخلات غير المبررة في اختيارات الأبناء عند الزواج لا تؤسس لحياة أسرية سوية يدفع ثمنها كل الأطراف، فالأب قد يصطدم بطلاق الابن أو الابنة وتنهار العلاقة، والخطر أن يضطر الشاب -أو الفتاة- إلى إلحاق الأذى بالنفس انتقاما من ذاته وأسرته.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأجيال الحالية لديها قدرة على اتخاذ القرارات التي تناسبها وتتحمل نتائجها باستقلالية، المهم أن تؤمن كل أسرة بأولادها وتترك لهم الحرية وفق مساحة تضمن لهم اتخاذ القرار المناسب حيال الزواج، وهذا لا يعني تهميش دور الآباء بل هو احترام وجهات نظرهم ونصائحهم لأنهم أكثر خبرة بالزواج ومعاييره.
وتظل المعضلة الحقيقية كامنة في أن الكثير من الأسر التي تعيش في مناطق تقوم علاقاتها الاجتماعية على الأعراف والتقاليد لا تؤمن بأن حرية اختيار الزوج أو الزوجة مرتبطة بحرية الحق في إنشاء أسرة قائمة على التفاهم والمودة والحب والتراحم، عكس الإكراه الذي يقود إلى تدني مستوى السعادة والاستقرار النفسي والعاطفي.
وإذا استمر التعامل مع اختيار شركاء الأبناء كحق للآباء فسوف تظل نفس القناعات والأزمات موجودة، مثل الانفصال السريع والطلاق الصامت وهرب فتاة للزواج ممن ترغب، وانتحار شاب رفض طلبه الزواج من فتاة بعينها، ما يستدعي مواجهة متشعبة توعي الأسر بأن تدخلات الآباء تؤسس لعلاقة زوجية صلاحيتها منتهية قبل أن تبدأ.
المصدر: العرب