تمكين المرأة في مجالات العلوم والتكنولوجيا: لماذا يعد سد الفجوة بين الجنسين ضرورة عالمية؟

"عندما تمنح الفتيات فرص الوصول إلى التعليم والموارد، فإنهن يُنجزن ويُبدعن ويُحدثن تحولا في مجتمعاتهن. عندما نُعلّم الفتيات، فإننا نصنع مستقبلا مليئا بالفرص والتنمية الاقتصادية والسلام". كانت هذه شهادة فتاة صغيرة تسمى أوليفيا كون شاركت في فعالية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم.

أوليفيا كون هي عضوة في المجلس التنفيذي للمنصة الدولية للفتيات في العلوم من أجل أهداف التنمية المستدامة، وهي مبادرة تابعة للأكاديمية الملكية الدولية للعلوم تهدف إلى تضخيم أصوات النساء والفتيات في مجال العلوم والنهوض بأهـداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

قالت كون إن مشاركتها في احتفالات العام الماضي ألهمتها ودفعتها إلى كتابة ورقة بحثية عن رعاية صحة المرأة، وتحديدا في مجال التبرع بالبويضات. ومضت قائلة: “بحثتُ كيف تُشكّل التوقعات المجتمعية والروايات الجنسانية تجارب المتبرعات بالبويضات، مما يؤكد الحاجة إلى إصلاحات”.

وقالت إن العلم هو أداة للإنصاف والتغيير، مشيرة إلى أن أكثر من ۱۳۰ مليون فتاة حول العالم لا يزلن محرومات من الحصول على تعليم العلوم، أو أي تعليم على الإطلاق. وتابعت: “هذه ليست مجرد خسارة لهؤلاء الفتيات، بل هي خسارة للبشرية جمعاء. تعليم الفتيات ليس مجرد قضية واحدة من بين قضايا عديدة، بل هو أساس لكل ما نحاول تحقيقه”.

شهد مقر الأمم المتحدة في نيويورك فعالية رفيعة المستوى بعنوان: “رسم خريطة التقدم لتشكيل المستقبل: الأفضل لم يأت بعد”بمناسبة اليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم.

حركة عالمية قوية تنبض بالهدف والإمكانات

تحيي الأمم المتحدة هذا اليوم الدولي سنويا في ۱۱ شباط/فبراير. ويجئ احتفال هذا العام تحت شعار “بناء مستقبل المرأة في العلوم”. وبهذه المناسبة، شهد مقر الأمم المتحدة في نيويورك فعالية رفيعة المستوى بعنوان: “رسم خريطة التقدم لتشكيل المستقبل: الأفضل لم يأت بعد”. ونظمت الفعالية بالشراكة بين الأكاديمية الملكية الدولية للعلوم والبعثة الدائمة لدولة مالطا في الأمم المتحدة.

الدكتورة نسرين الهاشمي الأميرة العراقية والمديرة التنفيذية للأكاديمية الملكية الدولية للعلوم استذكرت الاعتماد التاريخي لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ۲۰۱۵ والذي تم بموجبه اعتماد هذا اليوم إقرارا بمساهمات النساء في مجالات العلوم.

ومنذ ذلك الحين، حسبما تقول، تطور هذا اليوم ليصبح منصة تدافع عن المساواة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بدعم من الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية.

وسلطت الأميرة نسرين الضوء على إنجازات العالمات الشابات، وأكدت على الدور الحاسم للإرادة السياسية في معالجة الفجوات بين الجنسين في العلوم، مشيرة إلى أن النساء لم يشكلن سوى ۲۸% من القوى العاملة العلمية في عام ۲۰۱۵٫

وأشارت الأميرة العراقية إلى “العاصمة العالمية للمرأة والفتاة في العلوم”، التي تمنح اللقب لدولة رائدة في جهود تحقيق المساواة بين الجنسين، حيث حملت مالطا اللقب لعام ۲۰۲۳٫ وشددت على المسؤولية الجماعية في بناء مستقبل تزدهر فيه النساء في مجال العلوم.

ومضت قائلة: “نحن لسنا مجرد مراقبين للمستقبل، بل نحن مهندسوه. من خلال تمهيد الطرق للجيل القادم من النساء في العلوم، نحن نصنع إرثا يستمر عبر الزمن. في كل يوم ولحظة، نمسك بالقلم الذي يكتب تاريخ المستقبل، تاريخا من الشجاعة والابتكار والإصرار الذي لا يتزعزع. لنخلق عالما تتألق فيه النساء في مجال العلوم. يومنا هذا ليس مجرد تاريخ على التقويم، بل أصبح حركة عالمية قوية تنبض بالهدف والإمكانات“.

قطر: رؤية وطنية دامجة للنساء

تمكين النساء والفتيات في مجال العلوم لا يتعلق فقط بالعدالة، بل يتعلق بإطلاق العنان لقدراتهن، هذا ما جاء على لسان الدكتورة ديمة عرفة وهي أستاذة مساعدة في قسم الصحة العامة بجامعة قطر – وعضوة في مجلس شباب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط.

وقالت خلال حديثها في الفعالية إن بلادها أدركت منذ فترة طويلة هذا الأمر، وأدمجت المساواة بين الجنسين والتقدم العلمي في رؤية قطر الوطنية لعام ۲۰۳۰، مشيرة إلى أن أكثر من ۴۰% من النساء القطريات يشغلن حاليا مناصب تنفيذية وإدارية عليا في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة والسياسة الخارجية.

وأضافت أن ۷۰% من خريجي مدارس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، و۸۰% من خريجي الجامعات الأخرى هن من النساء، والعديد منهن أصبحن رائدات في البحث والابتكار، حسبما قالت.

سد الفجوة بين الجنسين ضرورة اقتصادية واجتماعية

وتحدث في الفعالية أيضا السيد فيليمون يانغ، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيدا بالتقدم المحرز، مع تسليط الضوء على العقبات المستمرة التي تحد من مشاركة النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما أكد أهمية هذا النقاش في ظل تنفيذ “ميثاق المستقبل” والذكرى الثلاثين لإعلان بيجين والذي يعطي الأولوية لتعليم وتدريب النساء.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يقول رئيس الجمعية العامة إن الفجوة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لا تزال واضحة. فالنساء يشكّلن ۳۵% فقط من طلاب هذه التخصصات، في حين أن ۱۵% فقط من الخريجات الشابات يخترن مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنة بـ ۳۵% من الرجال. كما أن النساء يشغلن أقل من ۲۵% من الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ولم تتجاوز نسبة براءات الاختراع المسجلة من قبل النساء عالميا ۱۷% في عام ۲۰۲۲٫

وأكد يانغ أن سد هذه الفجوة ضرورة اقتصادية واجتماعية. فمن الممكن أن يؤدي مضاعفة عدد النساء العاملات في التكنولوجيا بحلول عام ۲۰۲۷ إلى إضافة ۶۰۰ مليار يورو إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وشدد على أهمية تبني سياسات مستهدفة، والاستثمار في تعليم العلوم والتكنولوجيا، وتوفير برامج الإرشاد، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص. وجدد التزامه بالمساواة بين الجنسين، داعيا إلى تعاون عالمي مستدام لضمان تحقيق تقدم حقيقي يتجاوز الإنجازات الرمزية.

تشجيع انخراط الفتيات في ميادين العلوم والتكنولوجيا

أقرّ اليوم الدولي الأول للنساء والفتيات في ميدان العلوم منذ عشر سنوات خلت بحقيقة أساسية هي أن مشاركة المرأة ضرورية لبناء عالم أفضل عن طريق العلوم والتكنولوجيا.

ونبه الأمين العام للأمم المتحدة في رسالة بمناسبة هذا اليوم الدولي إلى أنه كلما زاد إقصاء النساء من ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، زاد حدُّنا من قدرتنا الجماعية على التصدي للتحديات العالمية الملحة، سواء تعلق الأمر بتغير المناخ والأمن الغذائي أم بالصحة العامة والتحول التكنولوجي.

ويؤكد الأمين العامين أن بوسعنا بل من واجبنا أن نبذل المزيد من الجهد لتحقيق التكافؤ. “ويكون ذلك بتوسيع نطاق المنح الدراسية وفرص التدريب الداخلي والتوجيه لفتح الأبواب أمام النساء والفتيات في ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ وإيجاد أماكن عمل تجذب النساء العاملات في ميدان العلوم وتستبقيهن وتفتح لهن أبواب الترقي؛ وتشجيع انخراط الفتيات في ميادين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات منذ أولى مراحل الطفولة؛ ومناصرة القيادات النسائية في ميدان العلوم عبر وسائل الإعلام؛ والقضاء على القوالب النمطية الجنسانية.

وأوضح الأمين العام أن ميثاق المستقبل، الذي وافقت عليه الدول الأعضاء في أيلول/سبتمبر الماضي، يعطي زخما جديدا لهذه الأهداف عبر الالتزام بالتصدي للحواجز التي تعيق انخراط النساء والفتيات في الميادين العلمية على قدم المساواة مع الذكور وبطريقة كاملة ومجدية.

المصدر: نساء FM