اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
أثارت تعديلات مقترحة على قانون المسطرة الجنائية في المغرب موجة غضب واسعة في أوساط الجمعيات النسائية، بسبب عدم تضمنه ما يكفي من الحماية القانونية للمرأة المغربية، وخصوصاً ما يتعلق بجرائم العنف ضد النساء.
وصادق المجلس الحكومي في ۲۹ أغسطس/ آب الماضي على مشروع القانون رقم ۰۳٫۲۳، الذي يهدف إلى تغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية رقم ۲۲٫۰۱، وقد أحيل إلى مجلس النواب ويُنتظر أن يخضع للمناقشة والمصادقة خلال الدورة التشريعية الخريفية المنتظر افتتاحها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وقانون المسطرة الجنائية هو النص التشريعي الذي يحدد المساطر والإجراءات الجنائية التي بموجبها يطبق القانون الجنائي المغربي. ويتضمن مشروع القانون العديد من المضامين والمقتضيات، أبرزها تشديد اللجوء للحراسة النظرية، وتقليل اللجوء للاعتقال الاحتياطي، وتشديد الخناق على هيئات حماية المال العام في ما يخص رفع شكايات تخص جرائم تبديد وهدر المال العام.
ومنذ المصادقة عليه في الحكومة، أثارت التعديلات نقاشاً واسعاً بشأن مضامينه في أوساط الحركة النسائبة المغربية. وفي أول رد لافت، أعلنت “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة” رفضها تعديل قانون المسطرة الجنائية من دون الأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي، “بما يعزز فرص حماية النساء وإنهاء معاناتهن وبالتالي اضطلاعهن بالأدوار المنوطة بهن داخل المجتمع المغربي”.
واعتبرت الجمعية، في بيان، أن مشروع القانون لا يتضمن ما يكفي من الحماية القانونية للمرأة المغربية، خصوصا ما يتعلق بجرائم العنف ضد النساء، مشيرة إلى أن مشروع القانون يفتقر إلى مقاربة النوع الاجتماعي في تعديلات قانون المسطرة الجنائية، ما يجعله نصاً غير كافٍ لحماية النساء وفقاً للتوجهات الاستراتيجية للدولة التي تستهدف تمكين المرأة وتعزيز أمنها القانوني والقضائي.
في هذا السياق، تقول المديرة التنفيذية لجمعية “التحدي للمساواة والمواطنة”، بشرى عبدو: “لدينا ملاحظات عدة حول التعديلات التي تضمنها مشروع القانون، منها أنه لم يتضمن حماية قانونية حقيقية للنساء خصوصاً في ما يتعلق بقضايا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، لأنه لم يحاول ولو قيد أنملة تقديم إجابات عن الاحتياجات الآنية لهذه الفئة من النساء، ولم ينص على إحداث صندوق لجبر ضرر الضحايا في حال تعذر تنفيذ التعويضات المحكوم بها، ولا على حظر الوساطة في جرائم العنف الجنسي والجسدي ضد المرأة، كما لم يمنع كلياً ظروف التخفيف من جرائم الاعتداء الجنسي، ولم ينص على استفادة الناجيات من العنف من المساعدة القضائية بقوة القانون”.
تتابع عبدو: “أمام غياب أي حماية قانونية للمرأة في قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، تؤكد جمعية التحدي للمساواة والمواطنة رفضها لتعديل هذا القانون من دون الأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع الاجتماعي، بما يعزز فرص حماية النساء وإنهاء معاناتهن، وبالتالي اضطلاعهن بالأدوار المنوطة بهن داخل المجتمع المغربي”، وتلفت إلى ملاحظات عدة تم تسجيلها بخصوص مضامين مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، سيتم الكشف عنها في مؤتمر صحافي يعقد قريباً، كما سيتم الترافع عن ملف مطلبي متكامل لدى الجهات المختصة، من أجل الأخذ بعين الاعتبار المقترحات الحمائية الحقيقية للنساء المغربيات ضد العنف الممارس عليهن”.
وعلى الرغم من إقرار المغرب قانوناً يجرم العنف ضد المرأة، دخل حيز التنفيذ في ۱۲ سبتمبر/ أيلول عام ۲۰۱۸، فإن صعوبات عدة تواجه تطبيقه على أرض الواقع بعد أكثر من أربعة أعوام من اعتماده. يثير هذا القانون جدالاً واسعاً بين الذين يعدونه قانوناً “ثورياً” ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها، وبين الذين يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
وترى المحامية وعضو “رابطة فيدرالية حقوق النساء” سعاد بطل أن مشروع قانون المسطرة الجنائية لم يوفر الحماية القانونية للنساء ولا الأمن القضائي والأمن القانوني في ما يتعلق بقضايا النساء والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، خلافاً لما صرح به وزير العدل عبد اللطيف وهبي أكثر من مرة. تضيف: “ليست هناك عناية كبيرة بالنساء ضحايا العنف، كما أن مشروع القانون لم يتضمن آليات خاصة تنسجم مع خصوصية العنف ضد النساء من قبيل التنصيص على قضاء متخصص لمعالجة قضايا العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وشرطة مختصة بقضايا العنف ضد النساء وبصلاحيات محددة”.
وتقول بطل: “كنا نأمل بأن يتناول المشروع المساعدة القضائية والقانونية للنساء المعنفات، لكن مع كامل الأسف، تم تغييب هذا المعطى، وهو ما نعتبره معيباً. زد على ذلك أنه في ظل غياب نصوص صارمة في قضايا العنف ضد النساء ولا سيما الجرائم والاعتداءات الجنسية، فإننا نكون أمام إفلات المعتدين من العقاب”، مؤكدة على ضرورة توفير نصوص قانونية واضحة وصارمة تمنع منح ظروف تخفيف لمن يرتكب ذلك النوع من الجرائم.
من جهة أخرى، توضح المحامية المغربية أن مشروع قانون المسطرة الجنائية سيجعل النساء عاجزات عن الحصول على العدالة وتقديم الشكاوى في وقت يبدو فيه الوضع خطيراً مع استمرار العنف ودق العديد من المؤسسات الحكومية من قبيل المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية والمدنية ناقوس الخطر، معتبرة أن المشروع تجاهل الطرف الآخر الممثل في النساء وأنه ليس هناك تكافؤ بين الضحايا والمعتدين.
وبحسب الأرقام التي كانت قد قدمتها المندوبية السامية للتخطيط، والصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول ۲۰۲۳، فإن “العنف المبني على النوع الاجتماعي يمس المرأة في جميع المجالات، ذلك أن ۵۲٫۱% منهن يعانين من العنف المنزلي، و۱۵٫۴% يواجهن العنف في فضاء العمل، و۱۸٫۹% يتعرضن للعنف في فضاء الدراسة والتكوين، و۱۲٫۶% يواجهن العنف في الفضاء العمومي، ما يؤكد أن ظاهرة العنف ضد النساء عابرة لكافة الفضاءات”.
وتؤكد تقارير رئاسة النيابة العامّة الصادرة بين عامي ۲۰۱۷ و۲۰۲۱ “تزايد حالات العنف ضد النساء التي يتم التبليغ عنها أمام المحاكم، فقد ارتفعت بنسبة ۲۸% خلال العامين الماضيين، وأنّ النساء أقل من ۵۰ عاماً، والنساء من دون مهنة، والنساء غير المتعلمات، هن الفئة الأكثر تعرضاً للعنف، وأن المحاكم طبقت ۷۹۲۳ تدبيراً من تدابير الحماية عام ۲۰۲۲، في مقابل ۳۱۱۴ عام ۲۰۲۱، بنسبة تطور تعادل ۱۴٫۵%”
المصدر: شفقنا