اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
انضمت إلى مؤسسات حقوق الإنسان لتكون صوتًا للمظلومين، كانت جبل المحامل، فصرحت وقالت عند الإفراج عنها عام ۲۰۲۱ وهي تزرو قبر ابنتها سهى التي منعها الاحتلال من حضور جنازتها: “الاحتلال لا يستطيع كسر إرادتنا لأنها مستمدة من إرادة شعبنا، ونحن نبكي لأننا أكثر إنسانية”.
في هذا التقرير تسليط الضوء على القيادية خالدة جرار (۶۲) عامًا، التي تقبع في السجون الإسرائيلية منذ ديسمبر ۲۰۲۳، وحُوّلت للاعتقال الإداري، ثم عزلتها سلطات الاحتلال بالعزل الانفرادي، وتمارس ضدها أبشع أساليب التعذيب، نحكي هنا عن سيرتها الذاتية، وفراق ابنتها سهى وهي بالسجن دون أن تتمكن من وداعها، وأخيرًا عن الاعتقال الأخير وملابساته وعذاباته.
ولدت خالدة جرار في ۹ فبراير/شباط ۱۹۶۳، في مدينة نابلس، وهي متزوجة من رجل الأعمال غسان جرار الذي شاركها نفس المصير في الاعتقال والإبعاد، فقد اعتُقل ۱۴ مرة وقضى ما مجموعه ۱۰_۱۱ عامًا معتقلًا إداريًأ في سجون الاحتلال، رزقهما الله بابنتين عايشتا اعتقال الأم والأب، الابنة الكبرى يافا حاصلة على إجازة في القانون من جامعة أوتاوا، والثانية سها حاصلة على درجة الماجستير في علوم الطقس والتغير المناخي وسياساته، توفيت ب ۱۱ يوليو/تموز ۲۰۲۱ بنوبة قلبية، بينما كانت خالدة تقضي مدة اعتقال لها.
تعاني خالدة في المعتقل من ضيق في شرايين الرأس والسكري، وارتفاع ضغط الدم. وأشارت محاميتها التي لم يُسمح لها بزيارتها إلا بعد ۳ أسابيع من العزل، أن زنزانتها في عزل “نفي ترتيسيا”، لا يوجد ماء بها، ولا فتحات للتهوية، حتى الطعام سيء وغير مطبوخ، مما تسبب في تدهور حالتها الصحية.
على صعيد العمل، شغلت عضوية اللجنة الوطنية العليا لمتابعة ملف انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية، تولت عدة مناصب خلال مشوارها الطويل، فشغلت منصب مديرة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان منذ ۱۹۹۴ وحتى ۲۰۰۶، ثم رُقيت لتصبح نائبة رئيس مجلس إدارة الضمير. رُشحت في الانتخابات التشريعية لتفوز بمنصب نائبة في المجلس التشريعي عام ۲۰۰۶ عن الجبهة، وسط انشغالاتها خصصت وقتًا لدراسة الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تعرضت خالدة لاعتقال من الجيش الإسرائيلي في عام ۲۰۱۵، إذ داهم الجيش الإسرائيلي منزلها وفتشوه وعاثوا خرابًا فيه، وصادروا كل الأجهزة منه، واقتادوها إلى غرف التحقيق الإسرائيلية، لكنها لم تجب على أي من أسئلتهم، واكتفت بالصمت وامتنعت عن الطعام والشراب حتى تم نقلها إلى سجن هشاورن، بتهمة نشاطها السياسي، ودعمها للأسرى ومشاركتها في فعاليات تخصهم.
حكم عليها آنذاك بالسجن لمدة ۱۵ شهرًا قضتهم بين الأسيرات ووضعت لها بصمة بينهن فأحبوها وأحبتهن.عندما أُطلق سراحها آنذاك صرحت وقالت: “من الطبيعي أن يتم اعتقالي لأنني أتحدث بهموم الشعب الفلسطيني، إسرائيل تعتقلنا بسبب تعبيرنا عن آرائنا، وتتابع وتلاحق من يكتب على منصات التواصل الاجتماعي”.
لم يقف الأمر عن حد الاعتقال المتكرر فحسب الذي وصل ل ۵ سنوات متفرقة، بل تطور لحد أمر المنع من السفر، ففي عام ۱۹۹۸ أصدر الاحتلال قرارًا يقضي بمنع خالدة جرار من السفر،وذلك بعض حضورها قمة المدافعين عن حقوق الإنسان في فرنسا، وفي عام ۲۰۰۵ تعرضت للمنع من السفر أيضًا لحضور مؤتمر لحقوق الإنسان في إيرلندا، بعد ۶ طلبات مقدمة منذ ۲۰۰۰٫
وفي العام ۲۰۱۰ وبعد تدخل من البرلمان الأوروبي سُمح لخالدة بالسفر للأردن للعلاج، إذ كانت تعاني من نوبات تخثر وريدي عميق، ولم تكن المعدات التي ستفحص الدماغ موجودة في الضفة الغربية.
ممنوعة من الوداع الأخير
في نهاية أكتوبر/تشرين الأول ۲۰۱۹ تعرضت خالدة للاعتقال مرة أخرى بعد سلسلة من الاعتقالات المتتالية، بزعم التورط في أنشطة تهدد الأمن “شغل منصب في مؤسسة غير مشروعة”، وحُولت للاعتقال الإداري وقتها، وأفرج عنها في ۲۶ سبتمبر/أيلول ۲۰۲۱، وقبل إطلاق سراحها توفيت ابنتها سهى بشكل مفاجيء في شهر يوليو. وفور إعلان الوفاة أُطلقت حملة من قبل مؤسسات حقوقية بعنوان “أطلقوا سراح خالدة جرار” للضغط على الاحتلال للإفراج عنها ولكنه لم يستجب.
حرموني من وداعكِ بقبلة، أودّعكِ بوردة، فراقكِ موجع، موجع، ولكنّي قوية كقوة جبال وطني الحبيب…
دفنت سهى دون قبلة الوداع الأخيرة من والدتها. وصل خبر وفاة سهى لوالدتها عبر الإذاعة، وهذا ما أبلغت به محاميها الذي توجه لإخبارها بالخبر، فوصفها ب”القوية المتماسكة”، وأخبرته أن هذا “لن ينال من عزيمتها”، وبعثت رسالة وكتبت: “حرموني من وداعكِ بقبلة، أودّعكِ بوردة، فراقكِ موجع، موجع، ولكنّي قوية كقوة جبال وطني الحبيب”.
وفي لقاء صحافي سابق مع خالدة جرار سُئلت هل كان رفض حضور جنازة ابنتك عقابًا مقصودًا لخالدة شخصيًا؟ فردت: “أعتقد أنها سياسة عامة، فلم يسبق أن سمح الاحتلال لأي أسير بالخروج لحضور جنازة أحد المقربين، ولكن ما حدث معي وجه الأنظار على مأساة المئات من الأسرى الذين يفقدون أحبائهم داخل السجن، والتركيز الإعلامي الذي كان عليَّ آنذاك فضح ممارسات الاحتلال المخالفة للقانون الدولي”.
لم يكن فقدان ابنتها المرة الأولى لها بالفقد، فقد فقدت والدها خلال اعتقال سابق، بكت عند فقدانها الثاني لأيام، فساندها الأسيرات، وأجبرن إدراة السجون لأول مرة على عدم إغلاق الزنازين، لتظل الأبواب مفتوحة ليبقين معها، فهون عليها المصاب، وبعد شهرين من الفقد أفرج الاحتلال عن خالدة لتتوجه أولًا لمقبرة رام الله لزيارة ابنتها، وعقبت وقتها: “احتلال لا يعرف معنى الإنسانية”.
بعد عامين من الحرية، وتحديدًا في ۲۶ ديسمبر/كانون الأول ۲۰۲۳ اعتقل الجيش الإسرائيلي خالدة جرار من بيتها في مدينة رام الله، وحولتها سلطات الاحتلال للاعتقال الإداري، وجرى احتجازها في سجن الدامون، ثم في ۱۸ أغسطس ۲۰۲۴ تم تحويلها للعزل الإنفرادي.
“أنا في صندوق محكم ضيق، لا يدخله هواء، حتى النافذة الصغيرة تم أغلاقها بعد يوم واحد من عزلي، وحتى الأشناف في باب الزنزانة أُغلقت أيضًا، ولم يتبق إلا فتحة صغيرة أبقى بجانبها حتى أجد ذرات أكسجين أتنفس من خلالها”
يصف “مركز حنظلة” الحقوقي وضع خالدة في عزلها الانفرادي الذي تبقى فيه منذ ۵ أشهر، فيقول: “إنها تنام على الأرضية الباردة في مساحة ضيقة جدًا، تبقى بجوار الباب لتتمكن من نيل بعض الهواء، حتى الشباك الصغير داخل الزنزانة تم إغلاقه”. وعقب زوجها غسان جرار على وضعها بالانفرادي قائلًا: “زوجتي محتجزة في زنزانة مساحتها ۲٫۵ متر في ۱٫۵ متر، فيها مقعد خرساني ولكنها لا تنام عليه وتبقى على الأرض، أما المرحاض فهو أمامها مباشرة لا تفصله عنها حتى ستارة، هذه الزنزانة لقتلها وليس عزلها فحسب، هل يريدون قتلها بهذه الطريقة؟”.
في ما عقبت شقيقتها في تصريح صحافي عن وضعها الصحي، وأكدت أن خالدة تعاني من ضيق في شرايين الرأس والسكري، وارتفاع ضغط الدم. وأشارت محاميتها التي لم يُسمح لها بزيارتها إلا بعد ۳ أسابيع من العزل، أن زنزانتها في عزل “نفي ترتيسيا”، لا يوجد ماء بها، ولا فتحات للتهوية، حتى الطعام سيء وغير مطبوخ، وهذا تسبب في تدهور حالتها الصحية.
ووصفت خالدة وضعها للمحامية قائلة: “أنا في صندوق محكم ضيق، لا يدخله هواء، حتى النافذة الصغيرة تم أغلاقها بعد يوم واحد من عزلي، وحتى الأشناف في باب الزنزانة أُغلقت أيضًا، ولم يتبق إلا فتحة صغيرة أبقى بجانبها حتى أجد ذرات أكسجين أتنفس من خلالها”. تحولت زنزانة خالدة إثر إحكام إغلاقها إلى فرن حرارته عالية جدًا.
وتؤكد هي أنها لا تستطيع النوم بفعل ارتفاع الحرارة، وحتى الماء يتعمد السجانون قطعه عن المرحاض، وحين تعطش وتطلب الماء يأتون لها به بعد ۴ ساعات من طلبها. وبحسب مراكز حقوقية فإن ما تفعله سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع الأسيرات في السجون، وظروف العزل الانفرادي يرقى لجريمة حرب ضد الإنسانية.