اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
حق تنقل المرأة الجزائرية كفله الدستور
لاقى رفع التحفظ الجزائري على الفقرة الرابعة من المادة ۱۵ لاتفاقية “سيداو” ترحيبا من الحركات النسوية وتخوفا من جانب السياسيين بدده رجال القانون في البلاد، الذين أشاروا إلى أن مسألة حرية تنقل المرأة وإقامتها محسومة في قانون الأسرة المعدل لسنة ۲۰۰۵، ولا تفرض أي قيود قانونية أو إجرائية على المرأة الجزائرية في هذا الجانب.
الجزائر ـ أثار رفع الجزائر تحفظها على الفقرة الرابعة من المادة ۱۵ لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) جدلا سياسيا واجتماعيا وقانونيا في البلاد.
وجاء رفع التحفظ في شكل مرسوم رئاسي وقّعه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ ۴ أغسطس الماضي.
وتنص الفقرة المعنية من اتفاقية “سيداو” التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ۱۹۷۹، على أن “تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق في ما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار سكناهم وإقامتهم”.
ورافق رفع الحظر الذي أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي تخوفا من بعض الأطراف بدده خبراء القانون في الجزائر.
وقال البرلماني السابق الخبير القانوني فاتح قرد للأناضول إن التخوف بشأن رفع التحفظ “مبالغ فيه،” لأن موضوع الفقرة لا يشكل مسألة جوهرية بالنسبة إلى الأسرة الجزائرية. وتابع أن التحفظات بخصوص تنقل المرأة الجزائرية وحرية إقامتها تم رفعها (إلغاؤها) في القوانين الوطنية منذ سنوات، ولم يشعر بها أحد.
المرسوم الرئاسي منح المرأة الجزائرية حرية الخروج والتنقل والسفر داخل الوطن وخارجه من دون الحاجة إلى إذن الزوج أو الولي
وأوضح أنه لا يطلب من المرأة إذن قضائي أو قانوني عندما تسافر أو تتنقل لقضاء مصالحها، ولا الحصول على موافقة قانونية أينما أرادت الإقامة. واستدل بأن المرأة تحصل على أماكن سكن مدعمة من الحكومة وبالحقوق والإجراءات نفسها الممنوحة للرجل.
ومن الناحية الإجرائية، اعتبر الخبير القانوني أن رفع التحفظ عن الفقرة لا يتطلب الحصول على موافقة البرلمان. وعزا ذلك إلى أنه لا يدخل ضمن تصنيفات الاتفاقيات الخاصة بوقف أو إعلان حرب أو ترسيم حدود مع دول أو تلك التي تترتب عليها نفقات للميزانية، كما اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
ورأى أن التحفظ الذي رفعته الجزائر لا يعد “جوهريا” بخلاف التحفظات الجوهرية الأخرى التي لم ترفعها على غرار المادة الثانية من الاتفاقية. وأوضح أن هذه المادة تنص على تكييف القوانين الوطنية مع الاتفاقية أو المادة ۱۶ التي تتكلم عن “المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء”.
وأردف “وكذلك الفقرة الخامسة من المادة ۱۵ التي تحث على اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة وقوع إشكالات”. وشدد على أن هذه التحفظات جوهرية ولم ترفعها الجزائر على غرار دول عربية عديدة، كونها تتعارض مع مفاهيم السيادة القانونية للدولة ومع العادات والتقاليد.
وأشاد بالجدل القائم قائلا إنه “نقاش حساس ينم عن مقاومة حماية للمجتمع وإرسال رسائل للقائمين على مثل هذه الاتفاقيات بأن للمجتمعات خصوصياتها التي يجب أن تراعى عند صياغتها”.
واعتبر أن التخوف من تقديم “تنازلات” في هذا المجال “مشروع”. وأعرب عن اعتقاده بأنه “في مسائل الخصوصيات المجتمعية لازالت الغلبة لدى النخب الحريصة على هوية المجتمع الجزائري وقيمه داخل دواليب الحكم في الدولة”. بدوره، اعتبر أستاذ القانون الدستوري موسى بودهان أن رفع التحفظ على الفقرة المعنية هو إجراء “عادي وطبيعي ولا يتعارض مع الدستور”.
وقال بودهان للأناضول إن دستور البلاد ينص في مادته الثانية بشكل صريح على أن “الإسلام هو دين الدولة، وبالتالي فلا خوف على المرجعية الدينية أو الهوياتية للبلاد”. وأضاف أن مسألة حرية تنقل وإقامة المرأة “محسومة في قانون الأسرة المعدل لسنة ۲۰۰۵، ولا تفرض أيّ قيود قانونية أو إجرائية على المرأة الجزائرية في هذا الجانب”. وبالتالي فإن “رفع التحفظ، لن يحمل أي جديد ولن ينجرّ عنه أيّ تعديلات قانونية أخرى،” وفق بودهان.
من جانبه، أوضح المحامي والناشط الحقوقي يوسف بودينة أن القرار لا يعني بالضرورة تغييرات جذرية في التشريعات، لكنه قد يمنح المنظمات النسوية أرضية أقوى للمطالبة بإصلاحات أعمق، مشيرا إلى أن الجزائر ما زالت تتحفظ على مواد أخرى من “سيداو.”
وشدد قانونيون على أن رفع التحفظ يضع الدولة أمام التزام صريح بملاءمة تشريعاتها الوطنية، وعلى رأسها قانون الأسرة، مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ما قد يفتح الباب أمام نزاعات أسرية جديدة أمام المحاكم. ووصف “صوت النساء” أحد أهم منابر النسوية في الجزائر، رفع التحفظ بأنه أكثر من مجرد إجراء قانوني، بل نقطة تحول رمزية تؤكد أن حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية.
وبحسب “صوت النساء” فإن التحفظ الجزائري كان انعكاسًا لبنية اجتماعية وثقافية كرست سلطة الزوج باعتباره “رئيس العائلة”، ومنحته سلطة تقريرية في السكن والإقامة، وأن إلغاءه اليوم يمثل إعادة الاعتبار لاستقلالية المرأة داخل الأسرة
وقال الصحافي محمد علواش إن القرار خطوة هامة نحو التحرر النهائي للمرأة من القيود الشرعية والعرفية التي كبّلتها لعقود طويلة، مؤكدا أن هذا المرسوم الرئاسي منح المرأة الجزائرية حرية الخروج والتنقل والسفر داخل الوطن وخارجه من دون الحاجة إلى إذن الزوج أو الولي.
رفع التحفظ يضع الدولة أمام التزام صريح بملاءمة تشريعاتها الوطنية، مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ما قد يفتح الباب أمام نزاعات أسرية جديدة أمام المحاكم
وأوضح أن الخضوع لسلطة “الولي” أصبح أمرًا اختياريًا وليس إجباريًا، ما يضع على عاتق الدولة ضرورة تعديل قانون الأسرة القائم لإلغاء مواده التي تتعارض مع الاتفاقية. وطرح علواش تساؤلات حول مدى تأثير هذا القرار على شروط الزواج نفسها، خصوصًا في ما يتعلق بموافقة الولي، معتبرًا أن الاعتراف بحرية المرأة في التنقل يفتح الباب لمراجعة أوسع لأحكام الزواج التقليدية.
كما تفاعلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مع الجدل المثار بشأن رفع التحفظ على الفقرة المعنية. ونقلت عن مصادر لم تسمّها قولها إن “الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى تحفظ بلادنا على نص المادة ۱۵ الفقرة ۴ بمناسبة مصادقتها على الاتفاقية سنة ۱۹۹۶”.
وأشارت الوكالة إلى تحفظ الجزائر آنذاك على خمسة أحكام لتعارضها مع القوانين الوطنية، لاسيما قانون الأسرة وقانون الجنسية. وذكرت أن الجزائر رفعت عددا من هذه التحفظات على غرار ما تم سنة ۲۰۰۵ عندما رفعت تحفظها على أحكام الاتفاقية التي تقر حق الأم في نقل جنسيتها إلى أبنائها، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه عقب تعديل قانون الجنسية.
وتطرقت الوكالة إلى الفقرة الرابعة من المادة ۱۵ التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في حق اختيار مقر الإقامة والسكن. وقالت إن “تحفظ الجزائر عليها عام ۱۹۹۶ تم استنادا إلى أحكام المادة ۳۷ من قانون الأسرة آنذاك، غير أن هذه المادة قد تم إلغاؤها سنة ۲۰۰۵”. وأردفت “وبالتالي، فإن التحفظ الجزائري قد فقد سبب وجوده، ولم يعد يستند إلى أيّ أساس قانوني في التشريع الوطني”.
ونقلت عن المصادر قولها إن رفع هذا التحفظ لن يؤدي إلى أيّ تعديلات على القوانين الوطنية. كما أثارت الوكالة نقطة وصفتها بـ”الهامة”، وتمسّ الجانب الحقوقي وصورة البلاد لدى المنظمات الحقوقية.
وقالت إن “إبقاء التحفظ على الفقرة الرابعة كان يستغل من الجهات المعادية للجزائر للترويج لدى المنظمات الحقوقية بأن بلادنا تكرس تمييزا بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن”. وأضافت أن هذا كان يحدث “بالرغم من أن القانون الجزائري لا ينص أساسا على أيّ تدابير تقييدية على المرأة في هذا الشأن”.
العرب