اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
وقصة «فاطمة الهواري» السيدة الفلسطينية التي عاشت عقوداً تعاني من رواية إسرائيلية كاذبة بأن من قصف منزلها طائرة عربية مجهولة وليس طائرة إسرائيلية استعيدت ضمن فعاليات النسخة الثالثة من مهرجان «إيزيس لمسرح المرأة» على مسرح «السامر» بوسط القاهرة، بتوقيع المخرج الفلسطيني غنام غنام في العرض المسرحي «فاطمة الهواري… لا تصالح».
وتضمنت المسرحية زمنين مختلفين؛ الأول كان زمن النكبة، حيث الاستيلاء على الأرض، وتشريد الناس، وتحويل أحلام البسطاء إلى رماد، في ذلك اليوم، سقط بيت فاطمة تحت القنابل، ففقدت والديها وخالتها وعمتها بجانب ۱۱شخصاً من عائلتها، وفقدت هي القدرة على المشي، بعد خروجها من بين الأنقاض كجسد مُقعد، لكنها بقيت شاهدة لا تستسلم للنسيان.
وهذا الزمن المأسوي استعيد لرسم لحظة الانكسار الأولى، لكن العمل لم يتوقف عند صورة الضحية، بل أخذ الجمهور في رحلة ثانية، حيث تواجه فاطمة قاتلها بعد عقود طويلة، حين صار الطيار الإسرائيلي آبي ناتان يقدّم نفسه للعالم بوصفه «داعية سلام»، وعاد لزيارتها في مسقط رأسها طالباً منها الصفح.
أما الزمن الثاني فقد كشف المفارقة الموجعة، فالرجل الذي ضغط على الزرّ وقتل عائلة كاملة، وترك فتاة مشلولة مدى الحياة، عاد بعد سنوات ليظهر على الشاشات متحدثاً عن العدالة والمصالحة، وحاول أن يطلب الغفران من فاطمة، وأن يتبرأ من ماضيه، لكنه لم يدرك أن جرحها لم يكن شخصياً فقط، بل إنه جزء من مأساة وطن بأكمله.
وفي كل لقاء جمعها به، ظلت فاطمة صلبة لا تهتز. كان ينظر إليها بعينين دامعتين، يرجو أن تفتح له باب النسيان، لكنها واجهته بحقيقة لا يستطيع الفرار منها «قتلتني مرتين، مرة بجسدي ومرة بذاكرتي، ولا صفح بعد الدم».
ورفضت أن تمنحه الراحة التي يبحث عنها، وأصرت أن تبقى كلمتها «لا تصالح» هي الخاتمة الوحيدة الممكنة، فرغم أنها حاولت الحصول على اعتراف منه بمسؤوليته عن الحادث لكي يمكنها تلقي العلاج، فإنه ظل يتهرب منها.
وخلال العرض الذي يستمر نحو ۶۰ دقيقة، نشاهد الممثلة التونسية أماني بلعج، وهي تتنقل بين المراحل العمرية المختلفة للناشطة الفلسطينية التي تحولت إلى رموز للصمود، بلحظات حزنها وفرحها، وقوتها وضعفها، واستذكار الماضي ومحاولة العيش في الحاضر بعدما احترفت مهنة التطريز لتنفق على نفسها دون أن تحتاج لأي شخص.
و«فاطمة الهواري… لا تصالح» من تأليف وإخراج غنام غنام، وبطولة الفنانة التونسية أماني بلعج، والفنان الأردني أحمد العمري، والموسيقى للأردني ماهر الحلو، والإضاءة للعراقي الدكتور علي السوداني.
ويقول المخرج غنام غنام لـ«الشرق الأوسط» إن «العرض جاء ضمن فعاليات فرقة (مسرح فلسطين حرة)، ليكون باكورة أعمال الفرقة التي تضم مسرحيين عرباً متطوعين بالكامل عبر إنتاج ذاتي للمسرحية»، مشيراً إلى أنهم «اختاروا البداية عبر تاريخ غير مذكور في كتب التاريخ عبر حكاية (فاطمة الهواري)».
وأضاف ساخراً: «تحول السفاح إلى (داعية سلام)، يعتذر عما افتعله من جرائم، ويطلب السماح من ضحاياه»، مؤكداً أن «العمل يأتي في إطار إبراز السرديات الإسرائيلية الكاذبة عن الجرائم التي ترتكب من جانب الاحتلال ويتم تلفيقها إلى آخرين».
ويشير الناقد الفني محمد عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إلى «قدرة مخرج العرض على معالجة فكرته وتوظيفها بشكل متميز ليبرز نضال الشعب الفلسطيني المستمر منذ عقود وبشاعة جرائم الاحتلال»، لافتاً إلى «تميز بطلة العرض في التنقل بين المراحل الزمنية المختلفة بسلاسة وقدرة على تقمص كل مرحلة عمرية، والتعبير عنها صوتياً وأدائياً بشكل مؤثر».
وأكد عبد الرحمن أن «اعتماد العرض على الاختزال واستخدام إكسسوارات بسيطة للغاية في الديكور أضفى مزيداً من الواقعية على العرض في ظل محدودية الشخصيات التي ظهرت بالأحداث».
الشرق الأوسط