اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
من خلال الإعلام، التعليم، النشاط المجتمعي، والكتابة، تصنع هذه النساء تأثيرًا ملموسًا على القضية الفلسطينية، وتؤكد أن الصمود ليس حكرًا على الرجال في ميادين المقاومة، بل هو أيضًا واجب وحق للمرأة الفلسطينية التي تحمل رسالة الحرية. كما يبرز نضالهن باعتباره امتدادًا لنضال أزواجهن، وأن الكلمات التي يكتبنها، والقصص التي يروينها، والدموع التي يذرفنها، كلّها أدوات مقاومة تبني الأمل في نفوس الفلسطينيين وحكايتهم على طريق التحرير.
وفي هذا المقال تسليط الضوء على زوجات الأسرى أصحاب المحكوميات العالية والتي تصل مدى الحياة وأكثر من ذلك. ويرفض الاحتلال الإفراج عنهم خلال المفاوضات والصفقات التي تمت مؤخرًا، ولم نجد من زوجاتهم إلا الصبر والصمود والتحدي والمضي بأمل وإصرار.
فدوى البرغوثي: امرأة من قلب النضال
في قلب النضال الفلسطيني، برزت شخصيات نسائية صنعت من صبرها ومقاومتها رمزًا للصمود. ومثلها تبرز فدوى البرغوثي، المحامية الفلسطينية وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، زوجة القيادي الأسير مروان البرغوثي، التي حملت عبء الانتظار والصبر لأكثر من عقدين من الزمن. وُلدت فدوى البرغوثي في قرية كوبر قرب رام الله، ودرست القانون في جامعة بيروت العربية، ثم حصلت على الماجستير في القانون من جامعة القدس. هذا المسار الأكاديمي منحها قاعدة قوية لممارسة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، والأسرى بشكل خاص.
تزوجت مروان البرغوثي، وشاركت معه سنوات طويلة من النضال والمعاناة. تحملت مسؤولية تربية الأبناء في غياب والدهم، وهي التي حولت صبرها إلى رسالة قوة للآخرين. لم يكن الانتظار مجرد غياب؛ بل كان عملًا يوميًا على صون قضية الأسرى الفلسطينيين والدفاع عنها أمام العالم. بعد صفقات الإفراج الأخيرة، عبّرت فدوى البرغوثي عن فرحتها بخروج الأسرى، لكنها أكدت أن قلبها ما يزال مع زوجها مروان، الذي بقي في الأسر. قالت: نفرح لإطلاق سراح زملائهم، لكن الألم يبقى مع كل أسير لم يُحرر بعد، ومع زوجي الذي يعيش سنوات طويلة في ظروف صعبة”.
كما أكدت أن صمود مروان هو رمز للكرامة الفلسطينية، وأن استمرار الأسرى في السجون لا يقلل من إنجازات صفقة الإفراج، لكنه يضاعف الإصرار على تحقيق الحرية. فدوى البرغوثي تمثل نموذج المرأة الفلسطينية التي لم تسمح للألم أن يحطم إرادتها، بل جعلته حافزًا لاستمرار النضال. هي تؤكد أن قضية الأسرى جزء لا يتجزأ من النضال الوطني، وأن صوتها سيبقى مساندًا لكل من يقاوم من أجل الحرية.
من كلماتها التي كتبتها فدوى: “صحيح يا مروان إنها صعبة وبتوجع، الأحفاد الستة الي عمرهم ما شافوك دايماً يسألوا عنك، أولادنا كبروا مع هذا الوجع، بس أنا بعرفك وبعرف انو الي مهونلك وجعك هو وقف الدمار والخراب والاجرام ضد اهلنا في غزة. بشوفك في هذه اللحظة وانت في العزل الانفرادي، في زنزانة معتمة بلا طعام ولا هواء ولا شمس من سنتين، وانت الآن تفرح وإن كنت وحدك بانتهاء المجزرة، وتتخيل العائدين على شارع الرشيد وتتساءل كيف تخفف عنهم ألم وعذاب لا يحتمل وهم يواجهون الفقدان والركام والمخاطر الكبيرة والكثيرة.
ورغم أكوام الآلام نحن على الوعد ورغم كل العذاب فقلب الأم بداخلي يشعر بارتياح كبير ويحمل حلم بفجر جديد للأمهات… منستناك انا وعيلتك وشعبك الي بحبك وبتحبه، كنت وما زلت من الشعب وللشعب يا حبيبي …ولنا لقاء قريب…
وتودع المحررين وتواسي وتطبطب على اكتاف الاسرى الباقين في هذا الجحيم وتفكر ولو مع نفسك نيابة عن شعب يتوق الى الحرية ويناضل من أجلها كيف تعبد الطريق نحو الحرية والحياة الكريمة وتبادر لصيانة الحقوق والقضية وتبحث كيف نخفف عن الأهل ثقل الأيام وصعوبتها وتصمم على وحدة الشعب والأرض وتخطط لإعطاء كل طفل مساحة من الحياة والأمل، وتستذكر رفاق الدرب وتحاور الأحياء منهم والشهداء في ذهنك.
أما رفيقة دربك فتتذكر كلماتك قبل ٤١ عامًا جيداً، قلت لي فلسطين لها الأولوية حتى التحرير ونصيبنا من الحياة يأتي بعدها، وصدقت. رديت عليك يومها هي فلسطين الك لوحدك؟ وما زلت بحاول أصون العهد رغم كل ما يحمله من ألم. وما زالت الحياة العادية تنتظر موعد شعبنا مع الحرية، ورغم أكوام الآلام نحن على الوعد ورغم كل العذاب فقلب الأم بداخلي يشعر بارتياح كبير ويحمل حلم بفجر جديد للأمهات… منستناك انا وعيلتك وشعبك الي بحبك وبتحبه، كنت وما زلت من الشعب وللشعب يا حبيبي …ولنا لقاء قريب…
فائدة البرغوثي، هي زوجة الأسير القائد عبد الله البرغوثي، المحكوم بأطول حكم في التاريخ، ۶۷ مؤبدًا وثمانية آلاف عام، لكنها لم تسمح للأرقام أن تهزم روحها. في كل صباح، تصحو على أملٍ مؤجل، تُعدّ فنجان القهوة كما كان يحبّه، تتركه على الطاولة، وتهمس في سرّها: سيعود يومًا. لا تخاطبه كغائب، بل كحاضرٍ يملأ المكان بذكراه، وكأن الجدران تحفظ صوته، وكأن الرسائل التي تكتبها على عجل تعرف طريقها إلى زنزانته في سجن العزل.
تعيش أم البراء كما يُحب أن يناديها زوجها، على نبض القضية. لم تكن مجرّد زوجة أسير، بل أصبحت صوتًا للأسرى ووجعهم، ووجهًا لصبرٍ فلسطينيٍّ لا ينكسر. تتحدث عن عبد الله لا كرقمٍ في سجلّ المعتقلين، بل كإنسانٍ آمن أن الحرية تستحق أن يُضحّى لأجلها بالعمر كله. في أحاديثها ولقاءاتها الإعلامية القليلة، يظهر ذاك التوازن العجيب بين الصلابة والإيمان.
تقول بثقة: “عبد الله لم يُسجن لأنّه أخطأ، بل لأنه أحبّ وطنه بطريقةٍ لم ترُق للاحتلال. وأنا بدوري، أحببته بالطريقة ذاتها حبًّا لا تحدّه القضبان.” تحمل صورته في كل فعالية، تُشارك في الاعتصامات، تتابع أخبار الأسرى لحظة بلحظة، وتعلّم أبناءها أن الحرية لا تُورّث بالكلمات، بل تُورّث بالصبر.
وفي لحظات الإفراج عن الأسرى، تبكي بصمتٍ، دموعها ليست حسرة، بل مزيج من الفرح لعودة الرفاق والحزن على بقاء من تحبّ خلف القضبان. تقولها في كل مرة: “سيأتي اليوم الذي يُفتح فيه باب السجن لعبد الله، لأن الشمس لا تُحاصر إلى الأبد.” زوجة عبد الله البرغوثي ليست مجرد امرأة تنتظر، بل هي أيقونة في الحكاية الفلسطينية، تقف شامخةً أمام العالم لتقول: إنّ المرأة الفلسطينية لا تبكي الهزيمة، بل تصنع من وجعها رايةً للكرامة.غفران زامل.. حين يصبح الانتظار شكلاً من أشكال المقاومة
في فلسطين، ليس الحب قصة عادية، بل ميثاقٌ من الصبر. ومن بين كل الحكايات التي سكنت وجدان الناس، تلمع حكاية غفران زامل، المرأة التي اختارت أن تُحبّ أسيرًا محكومًا بالمؤبدات، وأن تجعل من الانتظار طريقًا إلى الكرامة لا إلى الانكسار. حين خُطبت غفران للأسير حسن سلامة، كانت تدرك أن الطريق طويل، وأن اللقاء الأول قد يتأخر سنوات، وربما لا يأتي بسهولة، لكنها كانت تقول بابتسامتها الهادئة: لم أُخاطر، بل اخترت قلبي، واخترت من يشبه وطني.”
غفران، وجدت في حبها وسيلتها لمقاومة الاحتلال بطريقتها الخاصة. فهي لم تحمل سلاحًا، لكنها حملت صبرًا يفوق الحديد، وآمنت أن كل لحظة انتظارٍ هي معركة جديدة ضد القيد. كانت تزور أم حسن، والدة الأسير، كابنةٍ لها، تشاركها الدعاء والدموع والفرح حين يصل خبر من السجن. وفي كل ظهور إعلامي، لم تكن تبكي بقدر ما كانت تُضيء وجه القضية، فتقول للعالم إن الحب في فلسطين ليس ضعفًا، بل فعل صمودٍ ووفاء.
بعد الإفراج عن الأسرى، ظهرت غفران في مقطع مصوّر تتحدث بصوتٍ متهدّجٍ من بين الفرح والوجع، تقول: “نفرح لخروجهم، ونحمد الله على حريتهم، لكن القلب يظلّ مع من ما زالوا هناك… مع حسن، ومع كل من ينتظر شمس الحرية”.
اليوم، تُعرف غفران زامل في الإعلام بلقب عروس الأسرى، لكنها ترفض أن تُختزل قصتها في لقبٍ عابر، وتقول: “أنا لستُ عروسًا تنتظر زفافًا، أنا إنسانة تنتظر وطنًا حرًّا، وسجينًا سيعود يومًا مرفوع الرأس.” كتبت غفران: الأسير لا يعيش وحده، نحن نُسجن معه بالقلب والوجدان.” كأنها تذكّر الجميع بأن السجن ليس جدرانًا فقط، بل امتدادٌ لعائلةٍ ومحبّين وقلوبٍ تُشارك الألم في الخارج.
عبلة سعدات، زوجة الأسير القائد أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام ۲۰۰۶٫ وُلدت عبلة سعدات في مدينة القدس، ونشأت في بيئة فلسطينية ملتزمة بالقضية الوطنية. منذ صغرها، انخرطت في العمل السياسي والاجتماعي، وشاركت في العديد من الأنشطة المناهضة للاحتلال. زواجها من أحمد سعدات كان بداية لمسيرة نضالية مشتركة، حيث وقفا معًا في مواجهة التحديات والصعاب.
في ۱۷ سبتمبر ۲۰۲۴، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عبلة سعدات من منزلها في مدينة البيرة بالضفة الغربية، ضمن حملة استهدفت عائلات الأسرى. تعرضت للاعتقال والعزل لمدة ۱۲ يومًا، حيث قالت في تصريح لها: كانت تجربة صعبة، لكنني كنت أعتبرها جزءًا من نضالنا المستمر ضد الاحتلال”.
بعد أكثر من أربعة أشهر من الاعتقال، تم الإفراج عن عبلة سعدات في صفقة تبادل للأسرى. فور خروجها، أكدت أن السجون الإسرائيلية أصبحت “مقابر جماعية” للأسرى الفلسطينيين، وأن ما يتعرضون له هو “موت بطيء وممنهج”.
حتى بعد الإفراج عنها، تواصل عبلة سعدات دورها النضالي، حيث تشارك في فعاليات دعم الأسرى، وتعمل على تسليط الضوء على معاناتهم وظروفهم داخل السجون. هي رمز للمرأة الفلسطينية الصامدة، التي لا يثنيها الاعتقال أو التهديد عن مواصلة الطريق نحو الحرية.
بنفسج