اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
أثارت تصريحات عبيدة أرناؤوط المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية لهيئة تحرير الشام لغطا بين سوريات كثيرات خوفًا من تقييد حرية المرأة والعودة بها إلى الوراء، حيث تحدث الرجل أن المرأة لا تلائمها وظائف بعينها نفسيًا وبيولوجيًا.
وزاد الأمر تشاؤما خاصة أنه جاء عقب رواج فيديو لأحمد الشرع (أبومحمد الجولاني سابقا) في دمشق وهو يوجه شابة سورية تدعى ليا خيرالله بتغطية شعرها قبل التصوير معه، وقد استجابت الفتاة.
ورغم ردود الفعل الغاضبة لطلبه ذلك، إلا أن الفتاة عبّرت على حسابها الشخصي عن عدم استيائها من طلبه، قائلة “لقد طلب ذلك بشكل أبوي وعفوي.”
ويبدو أن حكومة تصريف الأعمال السورية أرادت تهدئة الرأي العام، فقامت بتعيين عائشة الدبس في منصب مسؤولة مكتب شؤون المرأة، لكن هل يكفي ذلك ويكبح مخاوف السوريات؟
وقد التقت “العرب” سوريات يعشن في القاهرة، وأخريات في الأراضي السورية تواصلت معهن لمعرفة موقفهن من التطورات، وهل تحافظ المرأة على مكاسبها التاريخية أم تصيبها انتكاسة اجتماعية؟
قالت السورية نهى عضيمة، وهي مهندسة مدنية، لـ”العرب” إن الصورة عقب حكم هيئة تحرير الشام، لازالت رمادية أو ضبابية، والناس في حالة قلق، لأنهم لم يتوقعوا سقوط نظام بشار الأسد بهذه السرعة والسهولة، فالأحداث مرت بطريقة مثيرة للغاية.
مع صعود هيئة تحرير الشام ذات المرجعية الإسلامية، فزعت نساء مسيحيات، وجرى تداول أخبار عن وجود نية بإجبار السوريات على ارتداء الحجاب، وتقييد حرية المرأة
وذكرت أنه على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا، إلا أن المرأة تحصل على حريتها، من ناحية ممارستها لعقيدتها الدينية أو ملبسها، وكل ما يشاع على وسائل التواصل حول إمكانية فرض الحجاب مثلًا، لا يمتّ للواقع بصلة.
وأضافت أن المجتمع السوري تركيبته معقدة، وبه الكثير من الطوائف، ومن الصعب تفتيته أو فرض هيمنة لتيار أو طائفة عليه، خاصة أن المرأة التي حصلت على عدد كبير من الحقوق في عهد نظام الأسد لن تقبل بفرض قيود عليها أو يتحكم فيها أحد.
ومع صعود هيئة تحرير الشام ذات المرجعية الإسلامية، فزعت نساء مسيحيات، وجرى تداول أخبار عن وجود نية بإجبار السوريات على ارتداء الحجاب، وتقييد حرية المرأة في تقلد بعض الأعمال، وغلق المقاهي ومنع شرب الخمور.
وأكدت ريم خوري لـ”العرب”، وهي طبيبة أسنان مسيحية، أنها من المتفائلات، وكثيرًا ما تمارس حياتها بشكل طبيعي، وهي تعتبر نفسها امرأة حرة وترتدي ملابس متحررة وبلا غطاء شعر، وتعيش في مكان راق بمنطقة اللاذقية، ولم تواجه مضايقات من الإدارة الجديدة، وهناك مسيحيات تخوفن من الحكم الجديد، لكن حتى الآن لم يتم توجيه تصريحات تضايقهن في سوريا أو تلمح بالحد من حريتهن.
وأكدت خوري أنها تتواصل مع صديقات وقريبات مسيحيات من مناطق مختلفة في سوريا مثل حمص وحلب، ولديهن نفس الشعور بالراحة تجاه قوات هيئة تحرير الشام، ولم يأت أيّ فرد أمن منهم خلال تأمينهم للشوارع والكنائس بأيّ إشارة أو نظرة أو كلمة تجرح شعور سيدة سورية مسيحية أو غير مسيحية، خاصة أن الكثير من السوريات متحررات في الملبس.
وقالت خوري لـ”العرب” نحتفل بكل أريحية بأعياد الميلاد ووضعنا “الزينة” بكل الشوارع وأضأنا شجرة عيد الميلاد أمام الكنيسة القريبة منا، وفعلنا ذلك عند كنيسة أخرى، وتبادل الجميع التقاط الصور عندها على مرأى ومسمع من قوات تحرير الشام، ولم يعترضنا أحد، أو يتغير شيء منذ عهد بشار الأسد في ما يخص حرية العقيدة والاحتفالات الدينية المسيحية.
ورغم إيجابية طبيبة الأسنان وتفاؤلها لكنها لا تنفي وجود مخاوف، قائلة “نعم نذهب إلى المقاهي ونعيش حياتنا بشكل طبيعي، ولم تقع حوادث ضد النساء حتى الآن، لكن نُفضل أن نكون حريصات ألا نتأخر حتى ساعات متأخرة من الليل، فالنساء لن يسكتن عن حقوقهن، ولا أحد سوف يستطيع فرض دكتاتورية عليهن.”
حسب المكتب المركزي للإحصاء بسوريا، في عام ۲۰۲۱، تقاربت نسبة النساء مع الرجال، فقد بلغ عددهن ۱۴۴۳۷۰۰۰ امرأة، ونحو ۱۴۴۰۳۰۰۰ من الذكور، ما يعني أن المرأة بالفعل هي نصف المجتمع السوري
وتتفق نهى عضيمة مع حديث خوري قائلة لـ”العرب” إنها تعيش بأحد أحياء اللاذقية ومنزلها بالقرب من شارع يسمى “الأميركان” وغالبية سكانه من المسيحيين، ويوجد به الكثير من المقاهي والمتاجر التي تقدم مشروبات كحولية، وعقب سقوط بشار الأسد وهروبه وتولي هيئة تحرير الشام الحكم خاف بعض المسيحيين بالفعل، ورفعوا المشروبات الكحولية من المحال ثم أعادوها مرة أخرى.
وأوضحت أن المتاجر والمقاهي تعمل بشكل مستمر، ويسهر المترددون عليها لساعات متأخرة، ما يعنى أن هيئة تحرير الشام لم تتخذ إجراءات تمنع ذلك أو تفرض هيمنتها، وعزت ذلك إلى ضغط المجتمع الدولي بعدم تأسيس دولة إسلامية، ومنع تقييد الحريات.
وحسب المكتب المركزي للإحصاء بسوريا، والبيانات التي صدرت عنه عام ۲۰۲۱، تقاربت نسبة النساء مع الرجال، فقد بلغ عددهن ۱۴۴۳۷۰۰۰ امرأة، ونحو ۱۴۴۰۳۰۰۰ من الذكور، ما يعني أن المرأة بالفعل هي نصف المجتمع السوري، وحصلت في عهد بشار الأسد على امتيازات يصعب التراجع عنها من قبل الإدارة الجديدة.
وقالت الأديبة والمترجمة السورية ثراء الرومي لـ”العرب” في هذا التحول المصيري الذي تشهده سوريا لا أحد ينكر قلقه على أكثر من صعيد، فالسوريون أمام مفترق طرق بحق، ومستقبل بلدهم ضبابي، ما بين ما يراد له وما نريده كشعب.
وتابعت “أنا كأم يهمني بالدرجة الأولى أن يعيش أطفالي وأطفال بلدي في أمان وفي ظل ظروف معيشية إنسانية، طالما افتقر إليها السواد الأعظم من الناس، بكافة أطيافهم، وبوصفي امرأة سورية أنتظر قوانين جديدة منصفة بخصوص الشؤون المدنية الخاصة بالزواج والطلاق والحضانة وغيرها، مما أكل الزمن وشرب على قوانينها، أما كصاحبة رسالة أدبية وعلمية، لا أنكر أن القلق يساورني مثل كل النسيج السوري الحريص على تناغم مجتمعه، الذي لم يتأثر بسلطة أو بظرف حتى يومنا هذا.”
وكان من اللافت لثراء اللون الواحد للحكومة المؤقتة، في إشارة منها لعدم وجود عنصر نسائي واضح، ودعاها ذلك للتساؤل لماذا لا يستعينون بالنساء؟ وجاء تعيين سيدة (عائشة دبس) كمعنية بشؤون المرأة على هامش الجدل الذي أثير عقب تصريحات أرناؤوط لطمأنة النساء إلى حد ما، وإن كان لا يجيب على كل التساؤلات.
حكومة تصريف الأعمال السورية أرادت تهدئة الرأي العام فقامت بتعيين عائشة الدبس في منصب مسؤولة مكتب شؤون المرأة، لكن هل يكفي ذلك ويكبح مخاوف السوريات؟
ووصفت حوارات لعائشة بأنها كانت مليئة بالرقي والمحبة والاعتزاز بمكانة المرأة وعزتها، لكن كلامها أثار تساؤلًا مشروعًا، ماذا عن دورها القادم؟ ولفت نظرها طريقة التصوير التي لم تظهر الوجوه.
وأوضحت ثراء لـ”العرب” أن سوريا على مرّ التاريخ ولادة للمبدعات والمناضلات صاحبات الحضور والرأي وتبوأت المرأة مناصب هامة، وكانت لها بصمتها في كل المجالات حتى يومنا هذا، “أنا من موقعي كمثقفة سورية لطالما كانت رسالتي وستبقى نشر المحبة بين الأطفال وزرع قيم الانتماء وحب القراءة.”
وتخوفت ثراء من استخدام الأطفال وتوجيهم من خلال هيئة تحرير الشام، “لن أقبل أن يستخدم الأطفال كأدوات لترديد عبارات غير تربوية، تحمل حقدا أو ضغينة في أيّ مكان ومهما كان الدافع، وهذه مسؤوليتنا كأمهات ومربيات نؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، وأن السياسة لا دين لها.”
ومن هذا المنطلق شغل بالها وقوع أبناء شعبها في فخ القطيع، على قاعدة إذا لم تكن معي فأنت ضدي، فالإدلاء برأي يخالف الأحلام الوردية للبعض أو ربما الآمال المبالغ فيها لا ينتقص من الوطنية في شيء، وثمة تجييش مذهبي تروّج له منصات التواصل الاجتماعي، وينجر إليه البعض في مهاترات عقيمة مقيتة لا تشبهنا أبدًا.
وأشارت السورية تانيا الدكار لـ”العرب” إلى أنه منذ انطلاق الثورة عام ۲۰۱۱ أثبتت المرأة أنها ليست مجرد شاهد على الأحداث، بل كانت قوة محورية في مختلف مجالات الحياة، وتحملت أعباء هائلة، وأخذت دور الأم والأب معًا، وأصبحت معيلة لأسرتها وقدمت مساهمات حيوية، وبعد سقوط نظام الأسد واستلام حكومة الإنقاذ للمرحلة الانتقالية بتنا نسمع تصريحات عن دور المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية التي لا تتناسب مع جميع الوظائف، مستنكرة هذا النوع من التصريحات، والتي تعتبرها انتقاصا من مكانة المرأة السورية ودورها البارز الذي لعبته عبر التاريخ عامة.
وذكرت تانيا، والتي تشارك بالعمل في الكثير من المنظمات المجتمعية السورية، أنه خلال الثورة وقفت المرأة في وجه أكثر نظام دموي ووحشي في العالم، وصنعت من نفسها نسخة قادرة على التكيف مع كل الظروف والتعامل معها، وبالنهاية لا يمكن أن تقبل السوريات بخطابات سلبية حيالهن، فالمرحلة المقبلة في حاجة إلى البناء والتطور.
وتأمل توفر المناخ الديمقراطي الذي يسمح برؤية المرأة في الإعلام والوزارات والجامعات، قائلة “سنبقى أقوياء وقادرات على حماية حقوقنا مهما كلفنا الأمر.”
المصدر: العرب