سورية… الحراك النسوي يعود إلى الواجهة بعد التحرر

عمد حزب البعث ونظام حافظ الأسد إلى تطويق الحياة السياسية في سورية منذ عام 1967، وكانت الحركات والتيارات النسوية جزءاً من هذا التطويق، وبشكل مباشر من قبل "الاتحاد العام للمرأة السورية" المؤسس عام 1967، والذي حُلّ قبل أعوام.

وتمتد جذور الحركة النسوية في سورية إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وكانت السوريات جزءاً من الحراك السياسي والثقافي في المنطقة، وطالبن بحقهن في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. وبدأ التضييق عليهن بعد وصول البعث إلى الحكم. واستخدم نظام الأسد عبر الاتحاد النسائي، الخطاب والأصوات النسائية المرهونة له، كأصوات دعائية مع العمل على إقصاء الأصوات المستقلة ونفيها أو اعتقالها.

وأجبر “الاتحاد العام للمرأة السورية” المحكوم بأيديولوجيا حزب البعث القائمة على الإقصاء والتفرد، الكثير من الناشطات على مغادرة البلاد، ليكون أي عمل سياسي لهنّ أو للتيارات والجمعيات النسوية بخدمة الأسد وحزب البعث. لكن بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حدثت انفراجة بعدما زال الترهيب بحق الحركات النسوية. وشهدت العاصمة دمشق، أخيراً، مؤتمراً صحافياً هو الأول للحركة السياسية النسوية السورية لتسليط الضوء على دور المرأة السورية في السياسة.

تقول صبا حكيم، وهي عضوة مؤسسة في الحركة السياسية النسوية السورية، لـ”العربي الجديد”: “مع بدء الحراك السياسي النسوي في سورية، كان لا بد من التعريف بالحركة السياسية النسوية، وكان هذا الهدف الأول للمؤتمر الذي تضمن محاور رئيسية للتعريف بالحركة وبرنامجها السياسي، ومشروع المشاورات الوطنية. نسعى إلى جمع أصوات السوريات من مختلف المناطق منذ عام ۲۰۱۸، والمشاورات أسفرت عن أوراق سياسية تتناول قضايا وطنية من منظور نسوي. ومن أهدافنا أيضاً، تقديم مشروع المسار السياسي النسوي لبناء السلام، على أساس حوار معمق مع ۱۲ جسماً سياسياً، للتوافق على حلول لقضايا تتعلق بالمستقبل، مع الإشارة إلى وجود مواضيع تحتاج إلى نقاش مستمر”. 

الحركة السياسية النسوية السورية تعقد مؤتمرها الصحفي الأول بدمشق
الحركة السياسية النسوية تعقد مؤتمرها الأول في دمشق، ۸ يناير ۲۰۲۵ (العربي الجديد)

ورغم أنّ معظم الحركات قد تكون عرضة للانقسامات، تقول حكيم: “أعتقد أننا تجاوزنا هذه الانقسامات. الحركة تضم عضوات وأعضاء من مختلف الخلفيات السياسية والمكونات الاجتماعية، ما يُؤكد نجاحها في تجاوز الانقسامات. هؤلاء اجتمعوا في الحركة للنضال ضد الاستبداد ومن أجل مستقبل سورية السياسي بمشاركة المرأة الكاملة والفاعلة ومن دون إقصائها”.

وعن الانقسامات السياسية، تشير إلى أن “التعددية السياسية في الحركة تعكس فضاءً ديمقراطياً يتيح للجميع المساهمة في بناء مستقبل سورية، الأمر الذي يقوم على مبادئ احترام الديمقراطية والحرية والكرامة والمواطنة. مناطقياً، لدى الحركة تنوع كبير في الأعضاء الذين يتحدرون من مختلف المناطق السورية، سواء كانت تحت سيطرة النظام أو سيطرة المعارضة سابقاً وحتى المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية. هذا التنوع يعكس تمثيلاً حقيقياً لجميع السوريات، ويؤكد التزام الحركة بشمولية تمثيل المرأة السورية من دون تمييز، والعمل داخل الحركة يركز على مبادئ موحدة وأهداف مشتركة والمواطنة، ما يساهم في مواجهة الخطابات الشعبوية التي تسعى لإثارة الانقسامات المتعمدة من فلول النظام وخلايا الفساد التي تركها من خلفه”.

مناداة بالديمقراطية في ساحة الأمويين في سورية، 19 ديسمبر 2024 (لؤي بشارة/ فرانس برس)
مناداة بالديمقراطية في ساحة الأمويين، ۱۹ ديسمبر ۲۰۲۴ (لؤي بشارة/فرانس برس)

أثرت الأزمة الاقتصادية على النساء على غرار عموم الشعب السوري، ما يمثل تحدياً إضافياً. وهذه الأزمة كان لها حيّز ضمن النقاشات، لكنها لم تكن من المحاور الرئيسية في المؤتمر، لكن تدرك الحركة أن الأزمة الاقتصادية تتطلب تعاوناً بين المتخصصين والجهات الحكومية.

تؤكد صبا حكيم: “سيتم العمل مع الحكومة المؤقتة التي ستنبثق عن الحوار الوطني لإيجاد حلول عملية، وهناك توجه لدى الحركة لمواصلة الحوار السوري- السوري، وتمكين النساء سياسياً، وإشراكهنّ في صنع القرار، وبناء الدولة السورية على أسس الديمقراطية والمساواة”.

وتضيف: “تعمل الحركة السياسية النسوية السورية مع حركات سياسية ونسوية إقليمية ودولية لتعزيز جهودها والاستفادة من تجارب الحركات الأخرى. حالياً، يتم فتح قنوات تواصل مع الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني من خلال ملتقى الشابات في الحركة، ونريد التأكيد على أن عضوات الحركة يعملن في العديد من المنظمات والأحزاب، ما يساهم في زيادة التشبيك والتواصل”. 

بدورها، تؤكد ديما السيد، وهي صحافية وناشطة مدنية، لـ”العربي الجديد”: “ما شهدته دمشق يعد أمراً إيجابياً، ويساهم في إزالة الصورة النمطية التي زرعها نظام الأسد وحزب البعث في أذهان السوريين، كما أن انعقاد المؤتمر في دمشق هو في حد ذاته تطور إيجابي، إذ إن المرأة السورية بدأت بالفعل تكثيف جهودها من العاصمة للمساعدة في بناء البلاد، وملامسة الواقع الصعب الذي يعيشه السوريون نتيجة ممارسات النظام البائد”. 

وتشير السيد إلى أهمية المؤتمر في التأكيد على دور المرأة السورية في المستقبل، وهو دور حقيقي يتماشى بالتوازي مع كل الجهود التي يبذلها السوريون والمجتمع الدولي لمساعدة سورية. تضيف: “يمكن لهذه الخطوة أن تتطور أكثر لناحية الندوات والورشات التي تعقد في مختلف المناطق، للتوعية حول أهمية تضافر الجهود كافة من مختلف التوجهات الفكرية والعقائدية للمساعدة في بناء سورية المدنية، انطلاقاً من مبدأي الحرية والعدالة”. 

وتوضح: “كلي أمل في أن تناقش الاجتماعات خلال الأشهر المقبلة آليات النهوض بالمجتمع السوري من كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية يداً بيد مع الحكومة الانتقالية. المرأة السورية أثبتت قدرتها وإمكاناتها في دعم مطالب السوريين، ولم تكن أقل أهمية من الرجل في تطلعها إلى سورية المستقبل”. 

المصدر: العربي الجديد