اسم المستخدم أو البريد الإلكتروني
كلمة المرور
تذكرني
تقول لـ”العربي الجديد”: “أردت في مشروع تخرّجي الجامعي أن أنتج شيئاً مختلفاً بعيداً عن رسومات الريشة والألوان أو الطين والنحت وغيرها، وفكرت في استثمار النفايات لإنتاج أعمالي، ثم طالبت جميع المقربين لي من أصدقاء وأقارب وجيران، وحتى الأساتذة، تجميع أي شيء لم يعد صالحاً للاستعمال يجدونه في النفايات من قطع صغيرة بلاستيكية أو خشبية أو حتى حديدية، بغض النظر عن شكلها ومدى أهميتها، وفي أي مكان يمكن أن يعثروا عليها، سواء في الشوارع أو البيوت“.
ولقي طلب سيرين صدى كبيراً من الجميع الذين بادروا بجمع كلّ ما وجدوه من قطع وبقايا لعب مكسورة وهواتف نقالة قديمة، وحتى أغطية القوارير البلاستيكية. وتخبر بأنّها استطاعت تجميع عشرات الأكياس في غرفتها الصغيرة، حتى لم تعد تستطيع التحرك بأريحية داخلها، بسبب الكميات الكبيرة للنفايات التي جُمعت في فترة وجيزة.
وبدأ عمل سيرين بفرز القطع بحسب الحجم واللون والمادة التي صنعت منها، ووضع كل منها في كيس. واختارت في أول عمل رسم بورتريه لها باستخدام القطع الصغيرة، إذ أرادت أن ترى نفسها في أول لوحة لها.
ولاقت سيرين التشجيع الكبير من الجميع بسبب الفكرة غير المألوفة. ورغم بعض الإحباطات لكنها كانت مؤمنة بقدرتها على تنفيذ فكرتها التي تحمل رسائل عدة، أهمها القدرة على استثمار النفايات في إنتاج أعمال فنية. وتوضح أن “الخردة الحديدية ليست وحدها ما يمكن تطويعه لإنتاج مجسمات فنية، بل أي قطعة بلاستيكية أو خشبية أو ورقية أو أي شيء قديم مكسور يمكن أن يشكل جزءاً مهماً من عمل فني جميل قادر على تزيين أي جدار ومكان”.
وكلّ من يمرّ بالمكان الذي تعمل سيرين فيه يُعجب بلوحاتها، ويتفاجأ أكثر حين يكتشف كلّما اقترب منها أنّها لم ترسم بألوان وريشة وأقلام، بل جرى تشكيلها باستخدام قطع خردة صغيرة يوجد معظمها في البيوت، ولا يتوقع أحد أنّ تكون جزءاً مهماً من لوحة أو أي عمل فني. ومن ينظر إلى اللوحات جميعها يعتقد للوهلة الأولى أنّها رسومات عادية بواسطة أقلام وألوان وزينة بريشة عادية، لكن مشاهدتها عن قرب تظهر أنّها رُكبت وشكلت بواسطة بقايا أشياء لم تعد صالحة للاستعمال، ولا يخطر على بال أحد أنّها ستشكل لوحات.وتشير سيرين إلى أنّ “تشكيل بعض تلك اللوحات يستغرق أكثر من ۳۰۰ ساعة لتنفيذ كل التفاصيل الصغيرة التي وضعتها في مخيلتي، والتعامل مع حجم اللوحة والقطع التي تتضمنها. وعملية فرز القطع بحسب اللون والشكل تسهّل عملية تركيب اللوحة بحسب الرسم الذي أريده. واللافت أن كل لوحة تحتوي على بقايا أشياء قديمة كانت لفئات عمرية مختلفة، مثل بقايا اللعب والدمى، والهواتف النقالة، والقداحات، وبقايا الخشب، والآلات الحاسبة الصغيرة، أو قطع مكسورة لأوانٍ ومواد كانت تستعمل في المطبخ. وليست الغاية من أعمالي إنتاج لوحات جميلة فقط، بل تأكيد أنّ أي قطعة خردة وبقايا مواد خشبية أو بلاستيكية يمكن استغلالها في بعض تفاصيل اللوحات”.
وتستعمل سيرين القطع كما هي، ولا تدخل عليها أي تغييرات سواء في اللون أو الشكل، وتحافظ بقدر ما تستطيع على هيئة وشكل كل قطعة عند استخدامها، وتبقي اللون نفسه وكذلك الشكل، معتمدة فقط على الغراء للصقها على اللوحات الجاهزة في مخيّلتها. ويساعدها جمع كميات كبيرة من النفايات في تشكيل لوحات بحسب ما تحتاجه من قطع بحسب الحجم واللون الذي تستحقه لرسم كلّ التفاصيل. تقول: “بعض قطع النفايات جميلة جداً، لكنني لا أركز على ذلك، بل أستخدم أي شيء مكسور لتأكيد أهمية استثمار النفايات والخردة في إنتاج أعمال فنية، سواء لوحات أو مجسمات”.
وحصلت سيرين من خلال أعمالها على أعلى علامات التخرّج، وانتقلت لوحاتها بين معارض وطنية عدة، للتعريف بهذا النوع الجديد من الفن في تونس، الذي يعتمد على إعادة تدوير قطع غير صالحة للاستعمال من أجل تخفيف أزمة النفايات.وتهتم جمعيات تُعنى بشؤون البيئة وإعادة تدوير النفايات بأعمال سيرين التي تستند فقط إلى بقايا القطع المكسورة. وهي تستخدم في بعض لوحاتها أي قطع قمامة، وفي أخرى أزرار الملابس وأغطية القوارير البلاستيكية، وأيضاً بقايا ألعاب الأطفال المكسورة. وتترك سيرين القطع بلا تغيير في الشكل، وتركز بالدرجة الأولى على اختيارها بدقة لتشكيل تفاصيل اللوحات.
المصدر : العربي الجدید